Site icon هاشتاغ

المركزي السوري يكتفي بالتعاميم.. لماذا لا يثق السوريون بمصارفهم عامةً وخاصة؟

البنك المركزي

لماذا لا يثق السوريون بمصارفهم عامةً وخاصة؟

هاشتاغ: نور قاسم

أصدر مصرف سوريا المركزي مؤخراً تعميماً يقضي بضرورة توجيه كافة المصارف العاملة في سورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة بتبسيط عملية فتح الحسابات الجديدة أو تفعيل الحسابات الجامدة بالسرعة الممكنة، وتعديل السياسات والإجراءات المعتمدة لديها وفقاً لذلك.

ولكن في المقابل، ماتزال الثقة ضعيفة بالمصارف السورية سواءً كانت الخاصة أو العامة، إذ يقول خبراء إن تعميم المركزي لا يكفي، وخاصةً أنه لم يوضح ما هي التسهيلات وكيف ستكون وما هي المتغيرات التي ستطرأ بعد هذا التعميم؟

ومن المعلوم أن انخفاض الإيداعات يؤدي إلى ضعف القدرة على الإقراض مما يؤثر سلباً على حركة السوق الاقتصادي وعلى الإنتاج والاستثمار.

المدير العام للمصرف العقاري مدين علي أوضح في تصريح ل”هاشتاغ” أن التعميم الذي أصدره مصرف سوريا المركزي مؤخراً يهدف للسعي بشكل عام لتيسير كل الأمور بما يخص فتح الحسابات أو إعادة تفعيلها.

خدمات سيئة

الخبير المصرفي ماهر أدنوف وصف الخدمات التي تقدمها بعض المصارف سواءً كانت خاصة أو عامة بالسيئة.

وقال أدنوف ل”هاشتاغ” إن فتح حساب لإيداع مبلغ معين يحتاج لأكثر من أربع ساعات، وهذا الأمر ليس مرتبطا فقط بالمصرف الحكومي وإنما أيضاً على عدد من المصارف الخاصة التي لا تعتبر خدماتها مختلفة، لافتاً إلى أنه يتحدث عن تجربته بالإيداع في أحد المصارف الخاصة، حيث فوجئ من التأخير لعدة ساعات لتحقيق ذلك .

وعزا أدنوف سوء تقديم الخدمات المصرفية إلى غياب المنافسة الحقيقة بين البنوك الخاصة و العامة على حد سواء.

قلة الفوائد

من جهته، الخبير المصرفي عامر شهدا رأى أن ثقة المواطن بالمصارف تتعلَّق بمدى ثقته بالسياسة النقدية والتي تتجلى من خلال قدرة البنك المركزي على تثبيت سعر الصرف .

وبيّن شهدا ل”هاشتاغ” أنه عندما يكون سعر الصرف ثابتاً والفوائد مجزية فحينها الإيداعات لدى المصارف ستُلاحَظ بشكل كبير ، لافتا إلى أن الفوائد يجب أن تفوق العشرين بالمئة.

ويوافقه في الرأي الخبير المصرفي ماهر أدنوف بأن سقف الفوائد التي حددها المركزي بحوالي 11 بالمئة قليلة جداً لأنه من حق المودع الحفاظ على قيمة أمواله، وخاصةً في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار خلال فترات قياسية، ما ينجم عنه معدلات عالية للتضخم.

ولفت أدنوف إلى أن العدالة مع أصحاب الودائع تقضي بضرورة ربط أسعار الفائدة مع معدلات التضخم، غير أن السياسات النقدية المصرفية مرتبطة بأهداف تنموية واقتصادية قد تتعارض مع ذلك.

وبحسب أدنوف فإن المصرف المركزي عجز بصفته رئيسا ومنظما ومخططا للسياسة النقدية عن وضع سياسة مناسبة للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد من جهة، ومن جهة أخرى التخبط وعدم الاستقرار في السياسة النقدية أدى إلى نسف وسحق أي ثقة بالقطاع المصرفي والمالي.

ارتباط الفائدة بالمتغيرات

في حين أنه كان للمدير العام للمصرف العقاري مديَن علي رأياً آخر حول مقترح رفع الفائدة وضرورة مواكبتها للتضخم.

يقول علي إنه من الناحية النظرية والأكاديمية فمن البديهيات في علم الاقتصاد أن يكون سعر الفائدة أعلى من التضخم وهذا صحيح، ولكن من الناحية العملية السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو مقدار ارتفاع التضخم في سوريا؟! ، فلنفترَض أنه 50 أو 60 بالمئة فهل يجوز لحاقه كلما ارتفع ؟!

وأشار علي إلى أنه لا يمكن الحكم على سعر الفائدة بناءً على التضخم فقط، ففي ظروف الأزمات الاقتصادية والعقوبات والحصار أصبحت الفائدة في المصارف محكومة بمحددات أُخرى تتعلق بواقع الاقتصاد والأجهزة المصرفية، والفارق الكبير في آلية التعامل من قِبل المصارف التي تعاني من الانكماش عما إذا كانت في حالة رَواج، وتالياً سعر الفائدة يرتبط بمتغيرات أخرى إلى جانب التضخم، ويجب أن تؤخَذ بعين الاعتبار أيضاً مثل بنية الودائع لدى الأجهزة المصرفية، حجم السيولة لدى المصارف، حالة الاقتصاد، الثقة بالمصارف ونشاط المصارف.

ولفت مدير “العقاري” إلى أنه في ضوء كل ما تقدَّم لا يمكن التبسيط أو الاختزال والقول إن سعر الفائدة يجب أن يضاهي معدل التضخم.

الإيرادات من العمولات والرسوم

الخبير في الشؤون الاقتصادية د. حسن حزوري رأى أن المصارف السورية تعتمد في الوقت الراهن في إيراداتها على عمليات ريعية نتيجة العمولات والرسوم وليس تبعاً للأرباح التشغيلية الناتجة عن عمليات الإقراض والتمويل.

وقال حزوري ل “هاشتاغ” إن أسباب ضعف الثقة المصرفية بالبنوك السورية خلال السنوات الأخيرة يمكن تفسيرها من خلال مجموعتين من الأسباب؛ أولها الأسباب العامة المتعلقة بالسياسة النقدية التي يعتمدها مصرف سوريا المركزي من أجل ضبط سعر الصرف، والتأثير على كمية النقد المتداول خارج المصارف، وخاصةً سياسة تجفيف السيولة و تقييد حركة الأموال بين المحافظات، ووضع حد أعظمي للسحوبات اليومية بحيث لا يستطيع المودع سحب أكثر منها يومياً رغم توفر الأموال في حسابه، كتحديد أقصى حد للسحب اليومي بمبلغ مليوني ليرة سورية.

وأشار حزوري إلى تخوّف البعض من نقص السيولة وعجز المصارف عن سداد التزاماتها تجاه المودعين، أو لجوء المصارف لتعديل نسب العمولات دون الرجوع لصاحب الحساب، لافتاً إلى أن الثقة بالمصارف الحكومية أكبر مقارنة مع الخاصة، بسبب عدم إعلان أي مصرف حكومي عن النقص في السيولة أو امتناعه عن إعادة الأموال المودعة لأصحابها وبالعملة التي أودعَت فيها على خلاف بعض المصارف الخاصة.

أما الأسباب الخاصة لعدم الثقة الكبيرة بالمصارف بحسب حزوري فهي تتعلق بسلوك وتصرف بعض المصارف الخاصة، كأن تعاني من النقص في السيولة، فتمتنع عن السماح للمودِع بسحب أمواله وفق تعليمات المصرف المركزي، فيُعطى صاحب الحساب 500 ألف ليرة سورية يوميا فقط بدلاً عن المليونين ليرة .

ويوافقه في الرأي الخبير المصرفي ماهر أدنوف الذي يشير إلى أنه خلال شهر واحد فقط رُفع سقف السحب من 2 و5 مليون إلى 10 مليون، و طبقت المصارف هذه التعليمات في فترة لا تتجاوز العشرة أيام، ليعودوا فيما بعد إلى ال5 و 2 مليون ليرة فقط ، لافتاً إلى أن بعض المصارف الخاصة لم تلتزم بالتعليمات ولم توافق للعميل بالسحب لأكثر من مليوني ليرة، ويسأل أدنوف: هل حقق اعتماد سياسة ضبط سيولة القطاع المصرفي – من خلال تخفيض السحب اليومي للمودعين ثم رفع السقف مرة أخرى، ثم تخفيضها بعد عدة أيام فقط- الأهداف النقدية؟.

ويرى أن ما حصل ما هو إلا فقدان لثقة المودِع والعميل المصرفي، وفسح المجال للفساد بين موظفي المصارف، فلم يعد يعلم المواطن متى يحق له السحب من عدمه، ولوحظ الإحجام الكبير للمواطنين عن التعامل مع المصارف، وفقا لقوله.

ولفت أدنوف إلى أنه من الضرورة بمكان إنشاء مؤسسات ضمان الودائع، التي من الممكن أن تستعيد ثقة المواطن بإيداع أمواله في المصارف.

رفض إعادة الودائع

الخبير حسن حزوري يلفت إلى وجود آلاف المودعين في بعض المصارف الخاصة أودعوا مبالغ كبيرة بالقطع الأجنبي من أجل التحوّط، غير أن المصرف يرفض إعادتها إليهم سواء كان بالدولار أو بالليرة السورية وفقاً للسعر الرسمي، بالرغم من أن العقد ينص على أن المصرف مُلزَم بإعادة الودائع إلى أصحابها وبالعملة التي وضِعَت فيها، ويشير إلى أن هذا الأمر فيه تجاوز واضح على القانون والدستور، ويؤدي إلى فقدان الثقة بالتعامل مع المصارف، ويفضل كثُر إبقاء الأموال في خزائنهم الخاصة، باستثناء من يضطرون للإيداع الإلزامي الذي تطلبه أنشطتهم الاقتصادية.

و رأى حزوري أن الحلول تكمن بإلغاء سقوف السحوبات، طالما أن الأموال مودعة ضمن حسابات جارية، وبحق المودع سحب أمواله وبالعملة التي أودعت بها، والتركيز على تشغيل الأموال لتساهم في التنمية، لتكون الفوائد والأرباح مصدر الإيراد، بدل العمولات وعقود الإذعان التي تفرض عمولة معينة على الزبون لم تكن موجودة سابقاً، في حين أنه خارج سوريا يُعلِمون الزبون مسبقاّ بالتغيرات التي سوف تطرأ على العمولة وفي حال اعتراضه يمكنه اختيار بنك آخر لإيداع أمواله.

غياب الثقافة المصرفية

الخبير المصرفي عامر شهدا يشير من جانبه إلى أمر مهم أيضاً؛ وهو الثقافة المصرفية، وبحسب شهدا فإن “معظم موظفي المصارف سواءً كانوا في العام أو الخاص ليس لديهم الخبرة الكافية، في حين أن موظف البنك من المفترَض اعتباره مستشاراً للزبون المصرفي لتوجيهه إلى الحسابات التي من الممكن أن يستفيد منها، وما هي الخدمات التي تُسهِّل عليه عمليات الدفع، إلا أن الثقافة المصرفية تكاد تكون منعدمة لدى الموظف والمواطن في آنٍ معاً، والدليل، وفقاً لشهدا، عدم اعتماد الدفع الالكتروني لدى كافة شرائح المجتمع، فالدفع الالكتروني في سوريا مخصص لشريحة معينة دوناً عن غيرها، ونشره يقع على عاتق موظفي المصارف وليس على عاتق المجتمع، فبقدر ما يكون موظفو المصارف على درجة عالية من الخبرة والانتماء للبنك بقدر ما يستطيعون نشر الثقافة المصرفية بشكل كبير والمساهمة في تعزيز ثقة المجتمع بالمصارف.

ويلفت شهدا إلى أن عدم اهتمام العديد من المصارف بخبرات موظفيها أدت إلى هذه النتائج الكارثية، فالمصرف الناجح يؤدي الخدمة بسرعة، ويضم الكفاءات بالمجال المصرفي، لافتاً إلى أن المصارف الخاصة أيضاً لا تهتم بالخبرات، فيمكن أن تعيّن خريجاً جديداً أو من لديه الخبرة في المحاسبة في إحدى الشركات لمدة سنتين إلى ثلاثة سنوات.

ولكن في الطرف المقابل، يقول شهدا إن المحاسب لا يُعتبَر خبيراً مصرفياً، وذلك لأن محاسبة الشركات تختلف عن محاسبة البنوك، فالشركات لا تحسب تكلفة السيولة ولكن البنوك تحسبها، وأيضاً الشركات لا يوجد لديها فوائد مركبة، ولكن البنوك لديها فوائد مركبة، وحتى البرامج المحاسبية في المصارف تختلف عن البرامج المحاسبية الموجودة في الشركات.

ويشير إلى أن البنوك ليست عبارة عن موظفي محاسبة كما هو الشائع ، فموظف البنك يجب أن يكون مستشاراً نقدياً وفي الوقت ذاته يمتلك ثقافة مصرفية تتعلق بالقرارات الصادرة عن مصرف سوريا المركزي، فموظف البنك ينفذ السياسة النقدية التي يرسمها “المركزي”.

و يوافقه في الرأي الخبير المصرفي ماهر أدنوف الذي أشار إلى غياب الشفافية والمصداقية في إعلانات وتعليمات القطاع المصرفي، فما يتم إعلانه والتصريح به لا يتطابَق مع الواقع الفعلي.

وفقا لأدنوف فإن بعض المصارف تصدر تعليمات تنفيذية مخالفة لما أعلنت عنه، وطرح مثالاً على ذلك عندما صرّح مدير مصرفي معين حول رفع السقف للقروض الشخصية وأنها متاحة للجميع، ولكن عند مراجعة المصرف من قِبل العملاء تبين أن الموظفين ليس لديهم أي علم بسقف القروض، بل إنهم لم يتابعوا تصريح مديرهم، وتساءَل أدنوف هل هذه البيئة مشجعة للتعامل مع المصارف؟.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version