Site icon هاشتاغ

المونديال والحرب..

هاشتاغ-نضال الخضري

مهما اختلفنا حول الزمن الذي يلفنا فإنه يبقى لحنا للحرب، ويرسم ملامح عدم القدرة على جعل صورة المعارك في أوكرانيا محلية؛ لأن الجبهات المحدودة تنتقل عبر العالم بأشكال من الفقر والجوع والانقسام الدولي، فزمن الحرب اليوم له صورة عدم القدرة على استيعاب حدثيين: المونديال بكل ما يحمله من حالة بذخ والتقنين الذي يطال أوروبا بالدرجة الأولى، وينتقل عبر العالم عبر حالات التضخم والغلاء.

الصورة ما بين المونديال وجبهات القتال لا علاقة لها بــ”قطر” ومهما ظهرت من انتقادات أو مديح للجهة المنظمة لهذا الحدث، إلا أن الظاهرة بذاتها تستدعي الغرابة وسط عالم مهدد بانفجار الأزمات، وفي ظل “تعتيم” الشوارع في المدن الأوروبية في وقت تشهد فيه الدوحة حدثا لا يبدو أنه ينتمي لعالم مخنوق بالتضخم وتحذيرات البنك الدولي من دورة الركود التي نعيشها، وبعيدا عن شرقي المتوسط المهدد بالجوع، فإن نقطة الاستقطاب في الخليج لم تعد اقتصادية بل تجاوزت حدود الجغرافية لتستند لرغبة ثقافية واضحة.

بالتأكيد هناك حملة إعلامية سبقت المونديال واتسعت خارج دائرة الدولة المستضيفة لكأس العالم، فعناصرها اتضحت في “إكسبو دبي” وفي التحول الكبير الذي شهدته السعودية، وبدت المدن على ساحل الخليج العربي تحمل حركة غير مألوفة تبدأ بالثقافة وتنتهي بالذكاء الصنعي وبعلوم الفلك.

الوفرة الاقتصادية تتحول نحو شكل آخر لم نألفه وفي نفس الوقت لا نعرف ارتداداته السياسية بالدرجة الأولى، فهل يمكن للعالم المتحسب من أزمات الطاقة أن يشاهد تلك الوفرة دون أي ردة فعل؟!

هناك نموذج بدأ بالإمارات عبر جامعات مدت نشاطاتها نحو الخليج ومراكز أبحاث عريقة ظهرت لها فروع في دولة الإمارات، وهذا الأمر كان بوابة على ما يبدو لتصور مختلف يريد التغلب على مفارقة أساسية؛ فهناك فائض ثروة في مقابل جغرافية – سكانية هشة كانت تستهلكها العمالة الخارجية، فظهرت الأشكال الجديدة لبناء موارد بشرية في مقابل النسب الضخمة للوافدين إلى المنطقة، وهذا الأمر ليس محض افتراض، فدول الجزيرة العربية تبدلت صورتها خلال سنوات قليلة، وربما عن رغبة في إزالة الصورة النمطية وحتى وإن بقيت “الموارد البشرية” أقل من الطموح الذي يعبر عنه التحول الذي يحدث.

كل التفاصيل السابقة هي هوامش لمفارقة المونديال والحرب، على الأخص أن الانقسام الدولي أبعد روسيا لتصبح “الفيفا” شكل يتبع منظومة دولية محددة، إلا أن الأهم أن الفائض الدولي اقتصاديا غير قادر اليوم على الحد من حرب جبهاتها العسكرية محدودة، ومعاركها الدولية أكثر خطورة من دوي المدافع.

عندما يحتفل العالم بمونديال قطر فهو يريد أن يطرح وجود فائض ثروة خارج دورة الإنتاج العالمية المتعثرة، وهو فائض يحكم استثمارات داخل أوروبا التي تعاني من الحرب أكثر من الولايات المتحدة، وهو أيضا الفائض الذي يواجه به “الغرب” روسيا بأنها لن تستطيع كسر حلقة الحالة الدولية التي أصبحت شكلا بنيويا في هذا العالم.

الحرب والمونديال أسئلة مستمرة وكأنها سلسلة غير مفهومة وسط سياسات دولية تعاني من خطر الاضطراب، فالتناقض الذي نراقبه لن يكون عاديا مع استمرار المعارك الاقتصادية قبل العسكرية، ومع حالة حصار لجغرافية واسعة تحكمها روسيا، فنحن في النهاية أمام عالم أصبح أكثر خطرا وربما أكثر قربا من مواجهات اقتصادية وسياسية عنيفة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version