Site icon هاشتاغ

” النووي وهبوّل التين” في علبة واحدة ؟!!

لعلها ليست خصلة المرونة والرشاقة الذهنية وحدها، هي ما مكّن ذات الشخص الذي كان يردد عبارة ” نقطع اليد التي تمتد إلى القطاع العام”.

هاشتاغ-رأي-ناظم عيد

من التحوّل لمناقشة مصير القطاع بين البيع والتأجير والتشاركية مع القطاع الخاص، باللسان وحركة الشفاه و إشارات السبابة ذاتها .. لكن بسحنة ونبرة لا نظن أن ثمة ما غيّرها سوى متوالية العمر وعقود السنين وليس إلا ؟!

غريبة بالفعل المساحات المطاطة لملكات ومواهب بعض رجالات المفاصل التنفيذية في بلدنا..لا يترددون في الحديث عن الفيزياء النووية، ولو ببعض التأتأة الفاضحة عادة لغير العارفين وهواة التنطّع في الحديث بما لا يعلمون، ثم في ذات الجلسة، استعراض مهارات معرفية غير عادية بشأن “تقنيات” صناعة الزبيب وهبول التين، بل و إسداء النصح للقرويات من أجل تطوير مهاراتهن في إنتاج الجبن البلدي، وغالباً دون أن يفلحوا في مداراة فرط اللعاب وما يستدعيه من تلمّظ ولعق للشفتين، أمام سطوة الأطباق البلدية الشهية.. لكن في كلا الحالتين تبقى نبرة وطبقة الصوت والرصانة المتكلفة ذاتها، في ملفّي الفيزياء والجبن البلدي.

لسنا في وارد تقفّي آثار ” اللوثات” والجنوح النفسي لهذا أو ذاك في مجتمعنا، وهي كثيرة بالمناسبة، لكنها خصوصيات لم نكن لنعلّق عليها لو أنهم مجرّد أشخاص يهرفون بما لا يعرفون، في المقاهي والمطاعم وجلسات النميمة، لكن الهواجس تتفجّر لكل متابع عندما يتدفق “كوكتيل” المعارف على طاولات اجتماعات بحث وتمحيص، ينتج عنها قرار قاصر ربما يمسّ في حيثياته إقليم أو منطقة أو قطاع حيوي يلامس يوميات طيف واسع من البشر في هذه الرقعة الجغرافية التي نمضي يومياتنا عليها.

بالفعل هي حالة بغيضة عندما تكون مخرجاتنا إما قرار غير قابل للتنفيذ، أو آخر يؤجج مشكلة بدلاً من حلّها، أو ثالث يعيد تفسير الماء بعد الجهد بالماء، أو رابع يعيدنا إلى المربع الأول في رحلة معاناة كنا ظننا أننا طويناها وأمست في حنايا الذكريات التي نسترجعها للعبرة أو التندّر، ليبدأ الفرز والتوصيف من قبل مراقب ومحلل وإعلامي، بعضهم يرى في القرار فساداً، وآخرون جهلاً، لكن من وجهة نظر أكثر موضوعية تبدو المسألة قلّة اكتراث، و أحياناً عدم قدرة على الاكتراث، وهذه الأخيرة هي الأخطر.

على العموم؛ مشكلتنا تبدو في القرار التنفيذي، ومشكلة القرار متأتية من آليات صناعته على طاولات الاجتماع، ومشكلة الاجتماع تكمن في طريقة إدارته والإعداد له و “حوكمة” مخرجاته قبل الإفصاح عنها، درءاً لمنعكسات قد تكون هدّامة.

هذه ملاحظات لا نظنها مجافية للواقع، لأنها تبلورت في أذهاننا بعد حضورنا – كإعلاميين – لمئات الاجتماعات الهامة على مدى عقدين ونصف من الزمن، والخلل ذاته يتكرر حتى اليوم، وهذا يعني أنه علينا أن نعيد النظر بنواظم و أدبيات الاجتماع الرسمي، ونعممها – بعد التوافق عليها – لتكون ملزمة على طريقة ممنوع التجاوز .

يتحدث خبراء الإدارة عن نمطين من الاجتماعات؛ الأول النمط الأميركي يجري فيه تداول الأفكار والدراسة والبحث، ثم الخروج بالقرار، ويبدو أننا دوماً معجبون بإبداعات ” الكاوبوي”، أما النمط الثاني فهو الياباني الذي يُخصص لاتخاذ القرار بشأن قضايا تكون قد بُحثت وأُشبعت بحثاً ودراسة من قبل مختصين وخبراء، غالباً تتم الاستعانة بهم من خارج المؤسسات، ويكون الاجتماع قصيراً مختصراً مثمراً، وغالباً يخرج بقرارات صائبة ودقيقة.

في حالتنا نحن؛ تستغرق الاجتماعات أحياناً ربع يوم، وإن تعثر القرار – غالباً لا يتعثّر – يجري التأجيل بقصد دعوة خبراء ومختصين للحضور، وعندما يحضر الخبراء يجلسون في النسق الثاني الخلفي بعيداً عن طاولة البحث، بما أن التراتبية الوظيفية لا تسمح بغير ذلك، ويعود مسؤولو ” الفيزياء والتين المجفف” للحديث والاستعراض، ويُمنح الخبير مدة دقيقتين أو ثلاث لإبداء رأيه مع رجاء الاختصار، ثم يُتّخذ القرار على مسؤولية الخبراء والفنيين.

في ختام سرديّة تدفق الخواطر هذه؛ نظن أننا لو اتبعنا طريقة ” الاجتماع المتلفز” لحصلنا على نتائج أفضل، أي التزام أكثر، واستعراض أقل للمعارف والمهارات، وتحضير أكثر للمداخلات والآراء.
صدقوا أننا سنخرج بنتائج أفضل بكثير ، وبالمناسبة سنكون قد استثمرنا شاشاتنا الوطنية بما يخدم المواطن والوطن والتنمية فعلاً

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version