Site icon هاشتاغ

الهوية الوطنية السورية.. أسئلة السوريين في بداية عقدٍ جديد من العبث!

هاشتاغ- كمال شاهين

في سوريا ومنذ عقود تنقطع الكهرباء مراراً وتكراراً، ومع حضورها يسارع كل بيت لتشغيل كل ما لديه من أدوات، ويظهر ذلك في النهار فنرى عشرات وسائل الإنارة شغالة من غير سبب أو داعٍ!.

سنفهم دون اعتراض تشغيل الغسالة أو التلفزيون أو الحاسب، أو أية أدوات أخرى تستلزم الطاقة. ولكن ما هو تفسير ترك اللمبات والنيونات شغالة في بيت لا يرى الكهرباء ساعتين يومياً، لدى قسم من الناس، ونظن أنه قسم كبير؟ حسناً، هل يمكن البدء من هذه الفكرة في طرح تساؤل عن علاقتنا كسوريين مع مفهوم (الهوية الوطنية)؟

طرحنا السؤال عبر منصات التواصل الاجتماعي للاستماع إلى آراء الناس ممن لا ينتمون إلى النخب بكل أشكالها، فكانت اﻹجابات متقاربة في أنّ المسألة تكمن في أنّ طرفاً مسؤولاً (هو الدولة) لا يلتزم بشروط التعاقد الاجتماعي ـ الاقتصادي عبر تجاهل حاجات السكان اﻷساسية، فهذه الخدمات التي لا يستطيع الناس القيام بها والحصول عليها بجهدهم الخاص، الكهرباء والوقود والهاتف وغيرها، يجب أن تقدمها الدولة، أي أنّ فعل اﻹنارة النهارية هو بشكل ما، (مجاكرة)، أو رد فعل احتجاجي بسيط أمام القوة المخلّة بالتزاماتها العقدية.

الحق في حياة كريمة هو واجب على الدولة / أية دولة، تجاه من يحملون بطاقات تعريف صادرة عن مؤسساتها بأنهم من “مواطني” هذه الدولة ويعيشون تحت علمها الوطني. بالمقابل، فإن لهذه الدولة، على المواطنين واجبات ينظمها العقد الاجتماعي ـ السياسي بين هذين الطرفين واضحي المعالم كما يفترض، والدستور السوري يفيض بالمواد التي تؤكد ذلك.

الاتساع الإيديولوجي والهوية التأسيسية

لا تكفي فكرة الحاجة المتبادلة لتحديد تعريف دقيق للهوية الوطنية، إذ ينقصها منطق أعلى من منطق الحاجة التبادلية، هو منطق الانتماء إلى بقعة جغرافية من غير باب البطاقة الشخصية، وهذا الانتماء لا يظهر مع المرء لمجرد ولادته البيولوجية في هذه البقعة أو تلك.

إنه لمن الأصح القول إنّ الولادة البيولوجية في مكان ما مقدمة أساسية للتصعيد النفسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي نحو خلق هوية وطنية جامعة، ولا بأس بالقول إنها في خضم هذا التصعيد النفسي تصبح حالة سامية، تتضمن في بعض اﻷحيان نوعاً من التفاخر اﻹنساني على اﻵخر غير القاطن في هذه الجغرافيا الجديدة على غالبية البشر.

على هذا، فإنه يمكن تعريف الهوية الوطنية بعدة أوجه وعوامل، نختصرها هنا إلى تعريف “إدوارد سعيد” في كتابه الذي صدر بعد وفاته “اﻷسلوب المتأخر” (2006): «الهوية هي ما نفرضه على أنفسنا خلال حيواتنا بما نحن كائنات اجتماعية وتاريخية وسياسية بل وروحانية». لتعريف سعيد إضافة ذات أهمية ستظهر في سياق التحقيق في وقتها المناسب.

إذاً فإنّ السياسة والاجتماع تكمّلان منطق الحاجة، ومن هنا يذهب المترجم السوري “يوسف سامي مصري” ـ مترجم كتاب “روسيا في الحرب السورية” (دار أوغاريت، 2022) والعشرات غيرها، إلى أنّ “الهوية السورية كانت ضيّقة على السوريين، وهذا ما انعكس في الأحزاب التي أسسها السوري كتعبير واضح عن ضيق هويته ونكرانها باتجاه فضاءات أكثر رحابة، مثل تأسيس الحزب الشيوعي السوري 1924 الذي انطلق نحو فضاءات أممية لا تتصالح حتى مع القومي، وتأسيس البعث الذي مد نظره نحو العالم العربي، ثم القومي السوري الاجتماعي وأيضاً الإخوان المسلمين اللذان لا يشذان عن تلك القاعدة. لم نلحظ تأسيس أي حزب يُعني بالوطن السوري كحالة وطنية خاصة يعترف بـ 185 ألف كيلو متر مربع (مساحة سوريا الحالية)، ولهذا أسباب يطول شرحها”.

يتفق الدكتور “يحيى زيدو” اﻷستاذ في جامعة طرطوس مع المترجم “مصري” على أنّ «سؤال الهوية السورية هو سؤال إشكالي، لأن اللاوعي الجمعي للسوريين لم يستطع حتى الآن أن يفصل بين الهوية الوطنية للدولة السورية الحالية، وهي من نتائج اتفاقية سايكس ـــ بيكو على أي حال، وبين الهوية التاريخية الحضارية لسورية الطبيعية أو بلاد الشام من جهة، وبين الهوية العروبية من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك العامل الديني حيث يسعى البعض إلى إحلال الإسلام هوية وطنية للدولة السورية بدلاً من الهوية السورية”.

جاءت الأزمة السورية الحالية كتعبير عن فشل كل التركيبات السابقة، وبالأخص التيار القومي ولا سيّما البعثي، ويمكن القول إن التيارات الآنفة لم تغِب، ولن تغيب عن الفاعلية ضمن اللوحة السياسية المعقدة، ويستنتج المترجم “مصري” أن “الحرب السورية لم تفرز أي تشكيل فكري/ سياسي، وهذا شيئ جوهري في مسار عشر سنوات من الصراع المميت، حيث لا زالت الهوية السورية في هذه المعمعة باهتة وخافتة وتستمد وجودها عبر نكران الطبيعة العروبية للمنطقة”.

يؤكد “زيدو” بنفس الاتجاه أنّ السنوات الإحدى عشرة الماضية “فجّرت سؤال الهوية السورية على نحو غير مسبوق، وكشفت المكبوت والمسكوت عنه في الوعي واللاوعي الجمعي للسوريين، وظهر بشكل واضح أن الهوية السورية هوية متشظية إلى هويات سابقة (الدينية الطائفية والمذهبية) على الهوية المدنية الوطنية للدولة؛ وكذلك العشائرية والقبلية، والعائلية، والعرقية، ومارست أدواراً مختلفة خلال الحرب”.

المفارقة التي شهدتها سنوات الحرب السورية ويجدر التوقف عندها، هي أنّ ما سمي “المصالحات الوطنية” قد كرست حضور فعاليات المجتمع الأهلي المحلي لا المدني، وهكذا شهدنا عودة شيخ الحارة أو القرية، وشيخ العشيرة والقبيلة، ووجهاء المجتمع الأهلي من العائلات الكبيرة أو المؤثرة في مقابل غياب الحضور المؤثر لكل الكوادر التي أنتجتها مؤسسات الدولة ومنها من يشغل مواقع مهمة فيها، وخاصة الكوادر العلمية والإدارية.

ما فعلته الحرب.. وعجزنا المستمر..

عملت الحرب السورية على كشف عجز الحكومات المتتالية منذ الاستقلال عن إنجاز عملية تنمية حقيقية قادرة على إنتاج وعي بالهوية الوطنية، يشاركها في ذلك الأحزاب التي تشكلت منذ عشرينيات القرن الماضي، “وهذه الأحزاب بمجموعها عجزت عن تقديم فكر يتيح وعي الهوية بالمعنى التاريخي، لأن هدفها الرئيس كان الوصول إلى السلطة لا البناء والتنمية وتشكيل الوعي إلا وفقا لمصالحها. ما يمكن أن يؤكد ذلك، هو ما شهدناه خلال الحرب من تدمير للمدارس والجامعات من قبل أولئك الذين درسوا فيها، و للمؤسسات من قبل كثير ممن عملوا فيها” كما يقول الدكتور يحيى زيدو في حواره مع “هاشتاغ”.

وتبعاً للنقاش السابق، فإنّ هناك صراعات سياسية حول الهوية السورية، يختصرها زيدو في مشروعين: “اﻷول، مشروع السلطة التي ربطت إيديولوجياً بين العروبة والإسلام، مع العلم أنّ مشكلات السوري هي غير مشكلات باقي العرب، و مشكلات المسلم السوري هي غير مشكلات المسلم الباكستاني أو الأفغاني وغيرهم، فضلا عن المسيحيين الذين يعلمون بأنهم جزء أساسي من البلاد بالمعنى التاريخي والحضاري، ولكن أي مشروع إسلامي يمكن أن يكون عبئاً عليهم لأنه يستهدفهم كأقلية دينية من وجهة نظرهم”.

أما المشروع الثاني “ما تعمل عليه (المعارضة) و هو مشروع إسلاموي، وكل مشروع ديني هو مشروع إلغائي، يستهدف القضاء على أي تمايز واختلاف.

وعي الهوية هو وعي تمايز واختلاف بالدرجة الأولى. كما أن الولاء في المشروع الإسلاموي هو للعقيدة أولاً و أخيراً، فلا وطن ولا أرض ولا انتماء خارج العقيدة الدينية التي تتحلل بدورها إلى مذاهب مختلفة فيما بينها”.

وفي ظل العديد من المشاريع المحلية في المستوى الهوياتي، بقصد وبدونه، يشير الدكتور يحيى زيدو إلى أنه “إلى جوار هذين المشروعين المتناقضين عملياً هناك ما يعمل عليه الأكراد على أساس عرقي في مناطق سيطرتهم الحالية، وما تسعى إليه العشائر، وهي مكون أساسي من المجتمع السوري لكن له امتدادات إلى دول الخليج والعراق، وطبيعي أن وعي العشائر يقر بالولاء للعشيرة لا للوطن.”

ويضيف: “لا ننسى الأصوات التي ترتفع في جنوب سورية على أساس مذهبي، ويجب أن لا نقلل من شأن هؤلاء لأنهم يستثمرون في غريزة القطيع من جهة، ويتلقون الدعم من الخارج من جهة أخرى، يعضد ذلك الحلول القاصرة للمشكلات القائمة، مما يزيد من خطر هذه المشاريع التي يراد منها تفتيت الدولة الوطنية، وخلق وعي زائف بديل عن وعي الهوية الوطنية التي تبدو اليوم هيكلاً فارغاً قابلاً للملئ بأي عنصر إيديولوجي منتج لنشاط اقتصادي، واﻷخير هو العامل اﻷكثر أهمية في إنتاج الوعي”.

الكرد وسؤال الهوية السورية..

للكرد في سوريا رؤيتهم الخاصة بشأن مسألة الهوية، وهذه الرؤية بنيت على عدة طبقات ثقافية وسياسية تراكمت منذ تأسيس الكيان السوري بشكله الحالي، ودون الدخول اﻵن في مسألة وصول الكرد إلى مناطق شمال سوريا ثم التحولات التي طرأت هناك، فإنّه يمكن القول إنّ المسألة الهوياتية هنا تتجسد بشكل مختلف كونها تتضمن عنصراً قومياً ذي مطالب مستجدة عملياً على المشهد السوري الكياني (يمكن لمن يرغب في قراءة مستفيضة اللجوء إلى كتاب محمد جمال باروت، التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية).

يذهب الباحث والمحلل السياسي “شيروش درويش” ـ من رأس العين السورية والمقيم في برلين حالياً إلى أنّ “الهوية الكردية تنامت طردياً منذ أن حقق كرد سوريا نوعاً من الكيانية الإدارية تحديداً منذ العام 2012″، أما أبرز أشكال تنامي الهوية فقد جاء في مسارين: الأوّل ثقافي ولغوي وتعليمي، وهذا الجزء “الحقوق الثقافية والتعليمية” شكّل صلب المطالب الكردية منذ تأسيس الكيان السوري والتي لم تلقَ قبولاً من الحكومات السورية المتعاقبة التي رأت في منح الكرد حقوقهم الثقافية مقدمة لتنامي المشاعر القومية وبالتالي الإضرار بالمتخيل العربي القائم على فكرة “سوريا العربيّة” وعليه كانت الاتجاهات الشوفينية تمارس “إبادة ثقافية” عبر حرمان الكرد من حقوقهم تلك. ولعل تراجع وانحسار سلطة الدولة عن المناطق الكردية التقليدية ساهم في إرساء سياسات اتبعتها “الإدارة الذاتية” ركزت على الهوية الثقافية وهو الأمر الذي أرسى تعليماً كردياً في جميع مراحل التعليم وصولاً إلى افتتاح جامعات تدرّس باللغة الكردية، فضلاً عن تقوية مركز اللغة الكردية في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع ودعم الأعمال الصادرة بالكردية”.

ثاني المسارات، كما يقول الباحث كان “خوض كرد سوريا في سياسات مسلّحة ركزت على حماية المنطقة من الجماعات الجهادية (مواجهة جبهة النصرة عام 2012 في رأس العين، ثم مكافحة تنظيم داعش منذ العام 2014 وحتى اللحظة) الأمر الذي أعطى لصورة المقاتلات والمقاتلين صورة حماة الهوية الكردية، ولئن كانت الحركة السياسية الكردية قبل عام 2011 قد آثرت العمل السياسي في مواجهة سياسات الاستبعاد وإنكار الحقوق والوجود الكردي في سوريا، فإن احتكام كرد سوريا لاحقاً على قوّة عسكرية تعرّف نفسها بأنها قوّات وطنية بوصلتها مكافحة الإرهاب وتعزيز الحضور الكردي الوطني، ساهم في تنشيط الهوية الكردية، وجدير بالملاحظة أن كرد سوريا قد قدموا ما ينوف عن 11 ألف شهيد في مواجهة الإرهاب وهو ما يضفي على الهوية الكردية السورية مسحة فدائية باتت واحدة من ملامح هويتهم القومية”.
المواطَنة باعتبارها تعبيراً هوياتياً

المواطنة هي أحد محددات الهوية الوطنية، حيث تتم عملية تكوين المواطنة وصناعتها بالتدرج والتراكم الوطني، وتظهر عملية أداء الحقوق للناس، والعكس التزام الناس بالواجب تجاه المجتمع والدولة، كعملية تبادلية تراكم خبرات وسمات الهوية، على قاعدة أساسية هي العدالة، وﻷن الموضوع متشعب في هذا اﻷمر، سنكتفي بمقاربة الشأن النسوي مع المواطنة في عملية بناء الهوية.

تعج القوانين السورية بالكثير من اللاعدالة بخصوص حضور المرأة في المجتمع والسياسة، تختصرها نشرة “عين نسوية” الصادرة عن منظمة “ديناميكيات الشمال والعالم” ـ الكرامة في المجتمع. ضمن مشروعها لسوريا ـ في أنّ الدستور السوري وقوانين اﻷحزاب والانتخابات واﻹدارة المحلية تخلو من الحساسية الجندرية، وتكّرس السيطرة الذكورية على هذا الحقل اﻷساسي في عملية صناعة الهوية الوطنية، وعلى سبيل المثال، يخلو الدستور السوري من أية آلية لمناهضة العنف ضد المرأة في السياسة والمجتمع، كما لا يشترط قانون اﻷحزاب مثلاً وجود كوتا نسائية في القوائم الانتخابية وفي المرشحات وغيرها.

إلى جوار ما سبق، هناك غياب كامل لكل اﻵليات التي تساعد على رقابة المجتمعات السياسية نفسها في سياساتها اليومية تجاه المرأة، وهذا الغياب يجعل من الضروري تحديث القوانين وصولاً إلى العدالة التي تقود بدورها إلى بناء الهوية الوطنية.

في إطار السؤال نفسه، هل نبحث اليوم عن دستور المواطنة أو دستور يحقق “عالمية حقوق الإنسان”؟ أم نبحث عن دستور يعيد لنا هويتنا الوطنية التي مزقتها الحرب؟ وهل هناك تعارض بين الاثنين؟

تجيب السيدة “ربا غانم” مديرة منظمة ديناميكيات الشمال والعالم” ـ -الكرامة في المجتمع، أنه “إذا ما تمعنّا بثلاث دساتير سورية وهي دستور عام 1920، ودستور 1950 ودستور 2012. فسوف يتبين لنا أن جميع الدساتير السورية باستثناء دستور 1920 هي دساتير أقرب إلى دساتير الهوية مثل الهوية العربية، أو الاشتراكية أو الإسلامية. وهي سمة تتسم بها معظم دساتير الدول العربية”.

تتابع غانم: “دستور 1920 والذي جاء بعد الحكم العثماني، لم يركز كثيراً على الهوية، حيث صاغ مفهوم المواطن السوري بغض النظر عن تحديد ديني أو لغوي أو قومي. ونص على تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، كما ضمن حرية الأفراد والجماعات ولاسيما في تشكيل الجمعيات وعقد الاجتماعات . وأشار بأنه لا يجوز التعرض مطلقاً لحرية المعتقدات والديانات. كذلك تضمن هذا الدستور مادتين فقط حول العروبة والإسلام، إذ نص على أن دين الملك هو الإسلام، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية علماً بأنه لم يرد في هذا الدستور أي نص بأن السوري هو من يتكلم اللغة العربية”.

أما دستور 1950 والذي كان دستوراً مضاداً للعلمانية والليبرالية فقد نص على أن الدولة السورية تعلن تمسكها بالإسلام ومثله العليا، وإن بناء الدولة يكون على أساس الأخلاق التي جاء بها الإسلام والديانات السماوية وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق.

كما أن هذا الدستور أدرج ما نعرفه اليوم بالمادة رقم (3) المتعلقة بمصدر التشريع، والتي تم تبنيها لاحقاً في كثير من الدساتير العربية مثل الدستور المصري والعراقي. وهي لم ترد قبلاً بأي منها.

أما دستور عام 2012 فقد تضمن الكثير من نصوص الهوية مثل “حماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية”. وهنا يطرح سؤال هام عن الدستور المأمول وهل يجب أن يكون دستور هوية أم دستور مواطنة.

والجواب السريع، على هذا السؤال، وفقا لغانم هو “دستور مواطنة بلا شك، إلا أن هناك سؤال آخر يطرح نفسه وهو هل دستور المواطنة هو الدستور الأنسب لدولة فاقدة للهوية، وتتصارع مكوناتها جميعاً لتعزيز خصوصيتها. إن دستور الهوية بلا شك سيؤثر على قضية المرجعية الدينية/الإسلامية والتي تتناقض مع حقوق الإنسان وخاصة حقوق النساء والأقليات. في حين أن دستور المواطنة قد يضمن المساواة للجميع وسيعطي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان السمو القانوني على القوانين الوطنية”.

هل من حلول مقترحة؟

ليست مسألة الهوية الوطنية مسألةً قانونية ولا سياسية ولا اجتماعية فحسب، إنها تكامل بين مجموعة العوامل والعناصر والقضايا التي تعطي وتأخذ في عملية تبادلية منحىً تصاعدياً، يشارك فيها الاقتصاد بصفته الرافعة الحقيقية للقيم المجتمعية المتشكلة حول رمزيات وممارسات معينة، تخلق الصورة النهائية ﻷي بلد.

على هذا، فإنّ أحد إمكانات البداية الفعلية والعملية والموضوعية هي إطلاق عملية إعادة إعمار كبرى وشاملة في إطار محاولة خلق اقتصاد كبير ومتطور للبدء بعملية تاريخية في صياغة وعي جديد للهوية الوطنية.

وهذا الأمر ، كما يشير الدكتور يحيى زيدو “لن يكون نزهة”، حيث أنّ الناهب الدولي، أو السوق الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يسمحوا بإطلاق عملية كهذه، “لأن المطلوب هو إبقاء اقتصادات الدول الأخرى، ومنها سورية، على حالها المتخلفة لخدمة احتياجات السوق الرأسمالية المعولم”.

وقد نشهد ضغوطات كبيرة من قبل القوى الكبرى لفرض مشاريع تقسيمية مثل الكونفيدرالية أو اللامركزية، مما يجعل سؤال الهوية السورية جرحاً مفتوحاً على كل الاحتمالات بانتظار التسوية النهائية للحرب، وهذا لا يرتبط بالقضية السورية فقط بل بمجمل الخارطة السياسية للمنطقة، ولعل نتائج الحرب الروسية الأوكرانية هي التي سترسم شكل الخرائط السياسية الجديدة التي قد تنتج بدورها وعياً سورياً مختلفاً بالهوية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version