Site icon هاشتاغ

الحكومة تحاول “كسب” مزارعي القمح بتسعير الكيلو بألفي ليرة.. وتترك باقي المراحل للفساد والمتاجرة

بالقمح

هاشتاغ_ إيفين دوبا

وسط زحمة القرارات المتعلّقة بالقمح ناحية تأمينه، والأزمات المتلاحقة حوله، و التطمينات الحكومية حول توافره عبر مناقصات طرحتها “المؤسسة السورية للحبوب” لشراء القمح، و”محفزات” للفلاح بعد تجاوز “خيبة عام القمح“، تتجه الأنظار اليوم إلى الموسم القادم المزروع، وما يتبعه من إجراءات يتمنّى المزارعون أن تصبّ في إنصافهم، وتشجعهم على تسليمه للمراكز الحكومية.

سعر جديد للقمح..”للترغيب”!

قبل حسم موضوع أرقام محصول القمح، وبتنسيق بين وزارتي الزراعة والنفط تم الاتفاق على آلية جديدة لتوزيع المازوت الزراعي بالسعر الحر 1700 لمزارعي القمح المروي. هذا القرار وإن حمل بعضا من تخفيف العبء عن المزارع الذي يضطر لشراء المازوت اللازم من السوق السوداء بمبلغ 5 آلاف، لن يضمن حسن تنفيذه وصول الكميات اللازمة لكل المساخة المزروعة، واستخدامها في الوقت المناسب.

في هذا الوقت، تحدّثت مصادر خاصة في وزارة الزراعة لـ”هاشتاغ”، بأنّ الحكومة تنوي رفع سعر شراء القمح للموسم القادم إلى 2000 ليرة للكيلو الواحد، وذلك بناءً “على تكاليف الإنتاج الفعلية والقيمة الفعلية لمستلزمات الإنتاج في السوق المحلية”.

هذه الخطوة، في حال تمّ إقرارها، وجدها العديد من الخبراء أنّها ستكون منصفة للفلاح الذي يدفع مبالغ طائلة في سبيل المحافظة على زراعة القمح، لكن في الوقت نفسه يجب أن يتبعها خطوات لاحقة. وفي العام الماضي، حاولت الحكومة العمل على ما أسمته “تشجيع الفلاح”، بعد خيبتها من نتائج الزراعة التي تستند على نظرية “حسابات المساحة المخططة للزراعة والمنفذة”، وبالفعل، أبدى المزارعون السوريون تفاؤلاً بمحصول وفير من القمح للموسم الفائت بعد سنوات عجاف، مرت عليه، وأعلنت وزارة الزراعة أن الموسم الزراعي 2020-2021 هو “عام القمح”، وأبدت تفاؤلاً من المساحات المزروعة من القمح لهذا الموسم. وبلغت نسبة المساحات المزروعة العام الماضي 93 في المئة من الخطة المقدرة زراعتها، البالغة 1550865 هكتاراً حيث تم زراعة 1436767 هكتاراً منها، بحسب الوزارة، لكن الظروف المناخية وانخفاض كميات الأمطار، إضافةً إلى إشعال الاحتلال الأميركي حرائق هائلة في حقول القمح بشكل ممنهج ومتعمّد في العامين 2019 و2020، أثّرت سلباً على المساحات المزروعة من القمح البعل.

وكانت التوقعات خلال العام الماضي إنتاج “حوالى 1.9 مليون طن، لم يُسوَّق منها للحكومة سوى 360 ألف طن، بينما تم هذا العام زراعة نحو مليون ونصف المليون هكتار، أي كامل المساحة المخططة للري، و80 في المئة من المساحة المخططة للزراعة البعلية، بزيادة حوالى 400 ألف هكتار عن العام الماضي.

وحاولت الحكومة ترغيب المزارعين بتسليم محصولهم للمراكز التابعة لها، بعد أن حددت سعر شراء القمح بـ 800 ليرة سورية، بالإضافة إلى مبلغ 100 ليرة سورية “مكافأة تسليم”، ليصبح الدعم على السعر النهائي 900 ليرة سورية. لكن ماحدث خلال موسم استلام الأقماح العام الماضي على أساس 900 ليرة للكيلو وهو “سعر جيد نسبياً” تمّ بناءً على دراسة التكاليف التي يتكبدها الفلاح وعلى الواقع الفعلي وليس على حساب أن ليتر المازوت 400 ليرة كما كان سابقاً، كما تقول المصادر في وزارة الزراعة، والتي تسعى إلى “اقتراح سعر أقرب إلى السعر العالمي أو يساوي السعر العالمي”، أنّ العديد من المساحات المزروعة في المناطق الشرقية بقيت خارج السيطرة الحكومية”، والتي تسهم في إنتاج محصول القمح بنسبة تفوق 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وتمّ ممارسة ضغوطات على المزارعين لعدم تسليم الأقماح للجهات الحكومية، وأغرتهم بشراء كيلو القمح هذا العام بمبلغ 1150 ليرة، لم يحصل أغلبهم أيضاً على هذا السعر.

كما أنّ الفلاح “المتأمّل” بالحصول على بسعر 900 ليرة لكل كيلو قمح، لم يقبضه؛ إذ تشير المصادر، إلى أنّ المراكز تستلم القمح حسب كل سعر وفقاً درجات، وأكثر من 80 في المئة من كميات الأقماح التي تمّ تسليمها كانت وفق درجات ثانية وثالثة ورابعة للأقماح، الأمر الذي دفع العديد من المزارعين إلى التعاون مع التجار الذين يستلمون المحصول من الأرض مباشرةً، واحتساب سعر الكيلو الواحد بـ900 ليرة، دون الاعتماد على مبدأ “الدرجات”؛ فالتاجر سيربح من خلال هذه العملية، كونه لا يبيعه كقمح، وإنما يتمّ إدخاله إلى عملية الإنتاج ليكون المنتج النهائي “طحين” يباع بأسعار غالية في الأسواق!.

حسابات الفلاح.. والميزان!

بالعودة إلى الخطوات الواجب تنفيذها استعداداً لاستلام المحصول الجديد، لابد من ضبط عمل مراكز استلام القمح “التي بدأت تتجهّز لاستلام محصول العام”، وعدم الوقوع في أخطاء الأعوام السابقة؛ حيث تمّ ظلم الفلاح عند شراء محصوله. وعلى سبيل المثال، يمكن التعريج على ما حصل في مركزي تل بلاط وكفرجوم، وهما أحد مراكز استلام الأقماح بحلب؛ حيث كان يتمّ التلاعب بدرجات أقماح الفلاحين، عبر اتفاق بين القائمين على عمل المراكز ومندوبين من أصحاب المطاحن الخاصة؛ إذ يتم اعتبار الأقماح المسلّمة من الفلاح على أنّها درجة رابعة أو ثالثة في حين تكون بالحقيقة درجة أولى، وعند رفض الفلاح بيعها للمركز، يكون بانتظاره أحد مندوبي المطاحن الخاصة، خارج مراكز الاستلام الحكومية، ويشتروها منه على أنّها درجة ثانية أو ثالثة، ومن ثمّ يعودون ويدخلون إلى المراكز ويبيعونه للحكومة على أنّها درجة أولى، وفي هذه الحالة ” يخسر الفلاح والدولة في آن واحد”!.

ويقول مصدر في وزارة الزراعة لـ”هاشتاغ” رفض ذكر اسمه، إنّ تسليم المزارعين للقمح يكون عبر الحوافز الحقيقية وحدها، فالقمح ليس فقط لصنع الخبز، والإجراءات التي تمّ التعامل بها في الموسم الماضي كانت سبباً في بقاء القمح في المنازل “بالنسبة إلى الكميات القليلة”، أو عند تجار القطاع الخاص “للكميّات الأكبر”، مشيرا إلى أن الفلاح لن يبيع قمحه بسعر أقل من التكلفة، وهو لم يحصل على أي نوع من الدعم، ومن لديه كميات قليلة يدفع ضعف ثمنها أجور شحن لإيصالها لمراكز تسويق الحبوب، ولذلك يجب زيادة عدد مراكز الاستلام ومراقبتها.

تراجع.. قبيل الحصاد!

إذاً، أصبحت الخطوات الواجب توافرها لاستلام محصول القمح، معروفة، لكن، ماذا عن مسألة المساحات المخططة التي تتسارع الجهات المعنية إلى إعلانها، وقبيل موسم الحصاد تتراجع عنها، دون الوقوف عند نقاط الخلل التي تؤدي لعدم الوصول إلى المساحة المنفذة بناء على ما تمّ التخطيط له؟!.

وقبل أيام قليلة، أعلن مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة، أحمد حيدر، تراجع المساحة المزروعة بالقمح في سورية، مشيراً إلى أنّه لا يمكن إحصاء تقديرات إنتاج القمح لهذا الموسم لعدم الوصول إلى مرحلة التسنبل بعد، لكن “المساحة المزروعة بلغت 1.2 مليون هكتار، وهي أقل من العام الماضي إذ بلغت 1.5 مليون هكتار”.

وأضاف أن التراجع بالمساحات كان في مناطق الزراعة البعلية بسبب تأخّر الأمطار والإحجام عن الزراعة البعلية في بداية الموسم، موضحاً أنّ الاعتماد الأساسي في محصول القمح على المساحات المروية ولا يوجد في مساحاتها المزروعة فارق كبير عن العام الماضي، أما البعلية فيوجد انخفاض. ولفت حيدر إلى وجود “تخطيط مستمر حسب الموارد المائية، والمتاح مائياً تقريباً لهذه السنة كان أقل من السنة الماضية نتيجة انخفاض القدرة الإروائية، والإنتاج يعتمد على الزراعة المروية”، بحسب قوله.

أرقام الحصاد.. والجهات!

يبقى شراء القمح من الفلاحين محفوفاً ببعض المشكلات التي تتعلّق بنقص في إنتاج المادة أصلًا، وفق ما ذكره اتحاد الفلاحين، والذي أعرب عن تخوّفه من تأثر محصول القمح بشكل سلبي خلال موسم العام الحالي، باعتبار أن قسماً كبيراً من إنتاج المادة يعتمد على السقاية، خاصة المساحات المروية، ما يهدّد بتأثير سلبي في حال عدم كفاية الهطولات المطرية للمساحات المزروعة، إلى جانب عدم توفر المازوت.

وفي السياق، يشير الخبير الزراعي، الدكتور أمجد بدران، ضمن تصريح خاص لـ”هاشتاغ”، إلى أنّ أول خطوة للوصول إلى تنفيذ الخطط الزراعية يكمن في الاعتراف بالمشكلة، لافتاً إلى أنّ المساحات المروية في المناطق الآمنة من الممكن أن تؤمن الحاجة المحلية من القمح، وفي أسوأ الأحوال تسد جزء كبير من المستورد، حسب قوله.

وفي نقطة أخرى، أوضح الخبير الزراعي، أنّه لا يجب الاعتماد على مياه الأمطار فقط، خاصةً وأنّ أدوات الري في البلاد كلها غير صالحة للعمل، وبالتالي، كيف يمكن تقدير المساحات الواجب زراعتها، والمأمول تنفيذها “فالمفروض أنّ المساحات المروية من القمح تبلغ 275 ألف هكتار وهي تنتج 2 مليون طن حسب أرقام البحوث الزراعية، في حين تقول أرقام الوزارة أنّ الناتج سيكون مليون و200 ألف طن من القمح، ليكون في النهاية الرقم للواقع المتمثل في حصاد 400 ألف طن فقط لا غير”!

وأشار بدران، إلى أنّ الاعتماد على الحليف لا يجب أن يكون خياراً وحيداً “فروسيا لا تعطي القمح ببلاش” وهي ربما تأخد عوضاً عنه استثمارات في مجالات أخرى سواء في الفوسفات أو السماد أو حتى عبر المرافئ.. وهذا من حقها”.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version