Site icon هاشتاغ

تحقيق استقصائي يفضح الجيش التركي: ينتزع أراضي المزارعين السوريين ويقطع أشجارها المثمرة بدون دفع تعويضات

تحقيق يفضح الجيش التركي: ينتزع أراضي المزارعين السوريين

كشف تحقيق نشره موقع “Syria indicator” عن انتهاك الجيش التركي ملكياتٍ خاصة في الشمال السوري، نتيجة تمركز قواعد، ونقاط مراقبة تابعة له على أراض زراعية وقّع أصحابها ما يُفترض أنها عقود تأجير لكن لم يحصلوا بموجبها على أي شيء، وأخرى سيطر عليها عنوة من دون تعويضات مالية، ما ألحق خسارات اقتصادية فادحة بأصحاب الأراضي، وباقتصاد المنطقة عموما.

وفي مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2014، صادق البرلمان التركي على القرار رقم 1071، الذي يفوض الحكومة بإرسال قوات عسكرية تركية إلى دول أجنبية للمشاركة في عمليات عبر الحدود لحماية الأمن القومي التركي من أي خطر أو تهديد أمني، لمدة عام قابلة للتمديد.

125 موقعا عسكريا

ويحتل الجيش التركي 125 موقعا عسكريا في سوريا، منها 57 في أرياف حلب، و51 في مناطق إدلب، وعشرة مواقع في الرقة، وأربعة في الحسكة، وموقعان في ريف اللاذقية، وآخر في ريف حماة، وفق مركز “جسور” للدراسات.

عقود إيجار صوريّة

عرض التحقيق شهادتين لمزارعين، الأول لم يحصل على أي مبلغ مادي مقابل تأجير أرضه الزراعية للجيش التركي قبل سنوات، رغم أنه وقع عقدا كان ينبغي أن يقبض بموجبه 700 دولار أمريكي سنويا مقابل الدونم الواحد فقط.

وسيطرت” القوات التركية على أرض المزارع في بلدة مورك بريف حماة الشمالي لمدة عامين ونصف، منها سبعة أسابيع قبل توقيع العقد، ثم نحو عامين وأربعة أشهر بعد توقيعه، كما تعرضت الأرض لقطع الأشجار وتجريف في التربة.

ويروي المزارع  تفاصيل خساراته التي وقعت على مراحل: “أخذوا في البداية 15 دونما، ثم أخذوا عشرة دونمات، وقطع الجيش التركي من أرضي 120 شجرة فستق حلبي، ونحو 40 شجرة زيتون من أجل إقامة سواتر ترابية، بالإضافة إلى تجريف الأرض”.

دور “فيلق الشام” المسلح

بحسب شهادة المزارع الأول، فإن فصيل “فيلق الشام” المعارض كان وسيطا بينه وبين الأتراك، لكن لم يستطع أحد من “الفيلق” تحصيل حقه أو الوصول إلى أي حل، بحسب تعبيره.

من جهته،  ما يسمى بـ رئيس المكتب القانوني لـ الفصيل المسلح المعارض، أحمد دلو، نفى تدخل الفصيل في عقود إيجار الأراضي الزراعية لاستخدامها من قبل نقاط المراقبة التركية، بحسب ما نقله الموقع المذكور.

وأضاف: “ربما كانت الوساطة من قبل أشخاص في الفيلق بشكل غير رسمي”.

وشُكّل “فيلق الشام” في 10 آذار/مارس 2014، من 19 فصيلا وجماعة إسلامية معارضة، وانتشرت هذه المجموعات على مساحات واسعة من الأراضي السورية، ابتداء من محافظة حلب شمالا، وصولا إلى العاصمة دمشق.

وفي تشرين الأول 2015، خلُصت دراسة لمعهد ” the Study of War” إلى أن “فيلق الشام، يتلقى دعمه خارجيا من تركيا أولا، ثم قطر، يليهما الإخوان المسلمون”.

استيلاء بالقوة

الشهادة الثانية التي عرضها التحقيق كانت لأحد أصحاب الأراضي المتضررين في قرية كلجبرين قرب اعزاز بريف حلب الشمالي، والذي قال إنه لم يؤجر أرضه، البالغة 40 دونما. إنما استولى عليها الجيش التركي بالقوة.

وأضاف أن القوات التركية أخذت نحو خمسة دونمات منها، وقطّعوا في المساحة الباقية نحو 900 شجرة فستق حلبي، ونحو 400 شجر كرز وكرمة لإشادة سواتر ترابية، وسط وعود للتعويض دون استجابة، لافتا إلى أن خسارته تقّدر بـ15 ألف دولار سنويا.

خسارات بملايين الدولارات

ويُشكل قطاع الزراعة مكونا مهما من مكونات الاقتصاد السوري، ومصدرَ دخلٍ أساسي لآلاف الأسر من فئة الفلاحين الواسعة في تركيبة المجتمع السوري.

وبحسب “الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية” السورية، تبلغ مساحة سوريا 18.5 مليون هكتار، وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات نحو 6.5 مليون هكتار، أي 32.8% من المساحة الإجمالية للجغرافيا السورية، ويشتغل في الزراعة نحو 20% من السوريين.

وفي العام 2017 قدّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” قيمة  الخسارات الناتجة عن تضرر القطاع الزراعي بسبب الحرب بنحو 16 مليار دولار، فيما تبلغ القيمية التقديرية للأضرار التي لحقت بالأصول الزراعية، ووسائل الإنتاج من معدات ومزارع وعيادات بيطرية وحظائر الحيوانات، والبيوت البلاستيكية، وأنظمة الري بأكثر من 3 مليارات دولار، أما الخسائر التي لحقت بإنتاج المحاصيل فنحو 6.3 مليار دولار.

ويشار إلى أن مناطق الانتهاكات الموثّقة في التحقيق هي من المناطق الزراعية الأعلى خصوبة في البلاد، مع محاصيل مهمة كالزيتون، والفستق الحلبي.

ويُقدّر أحد مزارعي وتجار الفستق الحلبي في مورك مساحة الأراضي الزراعية في المنطقة بنحو 65 ألف دونم، 98% منها مزروعة بالفستق الحلبي، وقد دُمّر نحو 20 ألف دونم من تلك الأراضي.

وفي مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، فتقدر الأراضي الصالحة لزراعة الفستق الحلبي بـ 10% من مساحة الأراضي الزراعية الكلية، تضرّر منها نحو 250 دونما، بحسب ما قاله مهندس زراعي مقيم في المنطقة للموقع.

وتُزرع في الدونم الواحد وسطيا 25 شجرة، ويراوح إنتاج الشجرة بين 10 و20 كيلوغراما في الموسم الواحد، فيما يراوح سعر الكيلو غرام الواحد من محصول الفستق الحلبي بين 5 و8 دولار.

الدفاع التركية لم ترد

ذكر فريق التحقيق أنه تواصل مع وزارة الدفاع التركية، للسؤال عن مدى التزامها بحماية حقوق أصحاب الأراضي الزراعية، وتعويضهم عن الأضرار الاقتصادية التي تكبدوها نتيجة تحويل أراضيهم نقاطَ مراقبة وقواعد عسكرية، وكيفية تنظيم وضبط عملها العسكري في تلك الأراضي، ووفق أي منهجية، لكنه لم يتلقى أي رد.

وفي قضية صاحب الأرض في مورك، قال المحامي فؤاد يازجي الذي استشاره المزارع، إلى أنه كان من المفترض وجود ممثل عن المزارع وهي الحكومة السورية، لأنه يتعامل مع حكومة دولة أجنبية تريد إقامة قاعدة عسكرية أجنبية على أرضه الزراعية، لكن ما حصل على أرض الواقع “تصرفات فردية غير رسمية، ضمن شروط إذعان بإشراف الفصائل المسلحة”، وفق يازجي.

في ذات السياق، قال الحقوقي السوري محمد العبد الله إن تحديد السلوك وتصنيفه قانونيا على أنه انتهاك شيء، والمساءلة عن هذه الانتهاكات شيء آخر، بحسب ما  نقله الموقع المذكور.

ويوصي الحقوقي باللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، “لأن تركيا طرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا أن فرص نجاح ذلك ضئيلة للغاية”.

احتلال وعدوان

وتدين الحكومة السورية باستمرار التدخل العسكري التركي في أراضيها، كونه احتلالا وعدونا، ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، وتفاهمات أستانا، ونتائج مؤتمر سوتشي التي تؤكد احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها.

وفي هذه الحالة، ووفق القانون الدولي، لا يحظى التدخل التركي بالشرعية، وتنطبق عليه معايير سلوك قوة الاحتلال.

وهذا يعني أن القوات المسلحة التركية ملزمة باتخاذ جميع التدابير الممكنة، لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الضرر بالممتلكات العقارية المدنية، مع التقيد بالإجراءات المنصوص عليها في القانون الدولي في كل نشاط يتعلق بالعمليات العسكرية، والأساليب المتبعة في بناء تحصيناتها، بحسب ما يوضحه العبد الله.

ويضيف: “بصفتها قوّة احتلال، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومَن تحت قيادتهم بالتعدي على أي ملكية مدنية خاصة لأغراض عسكرية، ما لم يكن ذلك مقابل تعويض عادل وواضح ومحدد برضا أصحاب تلك الممتلكات الخاصة”.

ويتابع: “حين يتم تصنيف الوضع قانونيا على أنه احتلال، يدخل القانون الدولي الإنساني حيز التنفيذ، ولا يتعلق القانون الدولي الإنساني بقضايا شرعية الاحتلال، بل بسلوك أطراف النزاع، وبالحماية التي يوفرها الاحتلال بموجب الإطار القانوني المعمول به”.

Exit mobile version