Site icon هاشتاغ

تركيا منشغلة بـ “بيان منتصف الليل” وتكهنات تحيط بـ “نقاش مونترو”!

قضية واحدة فقط تشغل الداخل التركي في الوقت الحالي، وتتصدر الصفحات الأولى للصحف التركية ونشرات الأخبار، بعد بيان “منتصف الليل” الذي أخرجه إلى العلن 103 من الضباط المتقاعدين، أرسلوا من خلاله تهديدا مبطنا للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وحكومته.

البيان المفاجئ لاقى في اليومين الماضيين ردود فعل هجومية وحادة من قبل مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد وحلفائهم من الأحزاب، وأيضا كبار المسؤولين في مقدمتهم وزير الدفاع، خلوصي آكار، ووزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو. هؤلاء اعتبروا أن اللغة التي كتبت فيها البيان تغذي “روح الانقلابات” العسكرية في البلاد.
ويعد حديث الانقلاب في تركيا مسألة ذات حساسية كبيرة، إذ أنه وبين عامي 1960 و1980 نفذ الجيش التركي ثلاثة انقلابات، بينما أحبطت حكومة إردوغان في تموز/ يوليو 2016 محاولة انقلاب اتهمت أتباع فتح الله غولن بتنفيذها.
وإلى جانب ردود الفعل من جانب شخصيات أعلى الهرم في السلطة، كان هناك ردود فعل هجومية أخرى ضد بيان الضباط، من قبل أحزاب المعارضة التركية، وخاصة من جانب “حزب المستقبل” الذي يتزعمه، أحمد داوود أوغلو و “حزب ديفا” بزعامة علي باجان.
في المقابل لم يبد حزب “الشعب الجمهوري” موقفا واضحا من بيان الضباط المتقاعدين، والذين أصدر القضاء التركي الاثنين مذكرات توقيف بحق عشرة منهم، في ظل تحقيقات مستمرة مع آخرين، كانت أسمائهم قد وردت في ذيل البيان.
لكن 126 نائبا برلمانيا سابقين، معظمهم من حزب الشعب الجمهوري المعارض، أصدروا بيانا حول الاعتقالات التي طالت اليوم 104 أدميرالا متقاعدا لمعارضتهم شروع الحكومة في بناء القناة المائية الموازية للبوسفور.
وقال البيان، إنه لا يمكن تنفيذ قناة اسطنبول، ولا يمكن المساس باتفاقية مونترو الدولية التي تضمن حرية الحركة في المضيق. وأضاف أن من حق الضباط المتقاعدين ال104 أن يعبروا عن رأيهم، وأنهم مارسوا حقهم الدستوري في التعبير وإبداء الرأي.

“مونترو وقناة إسطنبول والدستور”!

في البيان الذي نشر، منتصف ليل السبت، اعتبر الضباط المتقاعدون (برتبة أدميرالات) أن “مستقبل ما يسمى باتفاقية مونترو يعد سياسة حكومية مضللة”، وقالوا إن معاهدة عام 1936 هي ضمانة للسلام في البحر الأسود، الذي تحده تركيا مع روسيا وأوكرانيا.
في الوقت نفسه، انتقد الضباط أيضا مشروع “قناة إسطنبول” التي يصر الرئيس إردوغان، على تنفيذها في المرحلة المقبلة، وهاجموا أيضا مساعيه في صياغة دستور جديد للبلاد.
ما سبق جاء بعد قرابة شهر من حديث لرئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، قال فيه إن “رئيس الجمهورية مثلما انسحب من اتفاقية إسطنبول بقرار رئاسي، يمكنه أن ينسحب من اتفاقية مونترو”.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يسعى فيه إردوغان، إلى طرح نقاش الدستور الجديد للبلاد، والذي سبق وأن كشف الحديث عنه بتصريحات له في يناير الماضي.
وتقول الحكومة التركية إن “مشروع قناة إسطنبول سيدر عليها ثماني مليارات دولار سنويا، كرسوم سيتم تحصيلها من السفن مقابل السماح بمرورها عبرها”، لاسيما أنها لن تخضع لاتفاقية “مونترو”، والتي تنص على حرية الملاحة في مضائق البحر الأسود، في مقدمتها مضيق البوسفور.
وأضافت الحكومة مؤخرا أن القناة ستخفف حركة الملاحة في مضيق البوسفور، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، وستمنع حوادث مماثلة لتلك التي حدثت هذا الأسبوع في قناة السويس المصرية.

ثلاثة أسئلة؟!

بعد اعتقال الضباط العشرة ذكرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة التركية أن السلطات ستطرح عليهم ثلاثة أسئلة في نطاق التحقيق.
وأشارت إلى أنه “سيتم الاستماع إلى 90 شخصا، بخلاف 14 أميرالا متقاعدا تم استدعاؤهم للإدلاء بشهادتهم، في الأيام المقبلة”.
وتتمثل الأسئلة التي تم الكشف عنها: “عما إذا كان الأدميرالات على علم بعملية إعداد الإعلان (البيان)، إلى جانب أحدث محتوى منشور لهم وتاريخ ووقت النشر”.
وفي تصريحات متلفزة مساء الأحد اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن بيان الضباط “أسلوبا يستحضر الانقلاب”.
وأضاف لقناة “ahaber” التركية أن “قناة إسطنبول المائية التي تعتزم تركيا فتحها، لا تؤثر على اتفاقية مونترو (الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية)، وأن الاتفاقية ليس لها تأثير كذلك على مشروع القناة”.
وأشار جاويش أوغلو، إلى وجود بيانات مشابهة لبيان الضباط، صدرت في وقت سابق من سفراء أتراك متقاعدين، مؤكدا أنّ هذه البيانات “تم تفنيدها”، وهي “سياسية وليست فنية”.

روايات متضاربة!

حتى الآن تتضارب الروايات بشأن الخلفية التي يرتبط بها الضباط المتقاعدون، فبينما اعتبر مراقبون أن لا ثقل يذكر لهم فيالمؤسسة العسكرية حاليا، ذهب آخرون إلى الحديث عن توجهٍ قد ترتبط به أحد أجزاء البيان.
ودخلت معاهدة مونترو حيز التنفيذ عام 1936، بهدف تنظيم حركة مرور السفن الحربية والتجارية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود وفترة بقائها في هذا البحر، وتشمل سفن الدول المطلة (أوكرانيا وروسيا وجورجيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا) على البحر الأسود وغير المطلة.
وبذلك تسمح الاتفاقية للسفن التابعة للدول المذكورة المرور والوجود في حوض البحر الأسود. أما السفن التابعة لدول خارج حوض البحر الأسود، فيُسمح لها بالوجود لمدة لا تزيد عن 21 يوما.

تكهنات حول نقاش مونترو..

على اعتبار أن قضية “بيان منتصف الليل” هي ذات شأن داخلي تركي بحث، إلا أن بعض الأوساط اتجهت، ومنذ صباح الاثنين، للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.
وقد ألمح معارضون أتراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن تعديل “مونترو” سيعود بالفائدة على الولايات المتحدة الأمريكية.
وترغب الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة عدم تطبيق أي قيود عليها في البحر الأسود، إذ تأمل واشنطن تواجد قواتها في مياه البحر الأسود بالمدة التي تريدها، كما هو الحال في كافة البحار التي تتواجد سفنها فيها.
صحيفة “جمهورييت” المعارضة نشرت تقريرا الاثنين عنونته بـ “مثلث الولايات المتحدة وقطر وحزب العدالة والتنمية وراء نقاش مونترو”.
وقالت الصحيفة: “بفضل مونترو روسيا ليست محاطة بالسفن الحربية الأميركية. هذا هو السبب في أن مونترو تزعج الولايات المتحدة لسنوات”.
واعتبرت الصحيفة أن “مشروع قناة إسطنبول سينعكس بالفائدة على الولايات المتحدة من جهة، وتركيا على نحو اقتصادي من جهة أخرى”.
وإلى جانب ما سبق كان أحد الضباط الأتراك الموقعين على “بيان منتصف الليل”، وهو توركر إرتورك قد أعاد تغريدة عبر حسابه في “تويتر” ذكّر فيها بتغريدة سابقة للسفارة الأمريكية في أنقرة.
وتطرقت تغريدة السفارة التي نشرت في تموز/ يوليو 2020 إلى مناورات حلف الناتو في البحر الأسود، وكتب فيها: “من المدهش رؤية كل هذه الدول تتحد معا على أمل أن يكون البحر الأسود حرا، ومفتوحا لجميع دول العالم”.

حالة استقطاب!

ويقول الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، إن “الجدل المُثار حول مشروع قناة إسطنبول ليس جديدا، وظهر منذ اليوم الأول لإعلان إردوغان عنه”.
ويتابع علوش: “لكنّ إثارته الآن على مستوى جنرالات متقاعدين من بوابة الخوف على مصير اتفاقية مونترو تعكس حالة الاستقطاب المتزايدة بين إردوغان والحرس القديم في المؤسسة العسكرية”.
واعتبر الباحث أن “الشكل الذي خرج به اعتراض الأدميرالات السابقين مشابه للمذكرات التي كان الجيش يُهدد بها السلطة المدنية في الماضي”.
و”هناك من يستغل هذا الجدل للإيحاء بوجود معارضة داخل الجيش لخطوات إردوغان بشأن مشروع القناة واعتزامه تغيير الدستور الحالي الذي صاغه الجيش قبل عقود”، يضيف علوش.
ويوضح أن الضباط “أرادوا القول في البيان إن هناك في الجيش من يقاوم محاولات إردوغان القضاء تماما على وصاية العسكر على الدولة. عقلية الوصاية العسكرية هي أحد أكبر المشاكل التي تواجه الحياة السياسية في تركيا”.
وبوجهة نظر الباحث فإن تأثير مشروع قناة إسطنبول المائية على اتفاقية مونترو سابق لأوانه، ويتابع: “لايزال من غير الواضح طبيعة التأثير المحتمل على النظم التي ترعى الاتفاقية، وما إذا كانت القناة الجديدة ستخضع للاتفاقية أم لا”.

Exit mobile version