Site icon هاشتاغ

سوريا..تعديل المادة 111 من قانون تنظيم الجامعات.. تجاوز أهم الأعراف الأكاديمية

هاشتاغ-رشا سيروب

‏سيناقش تحت قبة البرلمان مشروع تعديل قانون تنظيم الجامعات من خلال تعديل المادة 111 التي تحدد سن التقاعد لأعضاء الهيئة التدريسية، بحيث تصبح (65 سنة لمرتبة المدّرس بدلاً من 60، و70 سنة لمرتبة الأستاذ المساعد بدلاً من 65، و75 سنة لمرتبة الأستاذ بدلاً من 70).

أين تكمن خطورة هذا التعديل؟

بداية سأتحدث باختصار عن الفرق بين المراتب العلمية لأعضاء الهيئة التدريسية، كي نبين أين تكمن مخاطر هذا التعديل.

يطلق لقب عضو هيئة تدريسية على كل من حصل على درجة الدكتوراه وتعين في الجامعات، ووفقاً لقانون التفرغ العلمي في مادته الثانية فإن الأعمال العلمية هي التدريس، والبحث العلمي. أي أن واجبات عضو الهيئة التدريسية ليس فقط التدريس بل أيضاً القيام بالبحث العلمي، وعليه تم وضع ثلاث مراتب لعضو الهيئة التدريسية تبدأ من مدرس ثم أستاذ مساعد ثم أستاذ (التي تعرف عالمياً بروفيسور)، ومن شروط الانتقال من مرتبة علمية إلى أعلى أن يكون قد مضى على عضو الهيئة خمس سنوات في المرتبة الأدنى وأن ينشر خلال الخمس سنوات (بحثين فقط).

ماذا يعني ذلك؟ باعتبار أن وسطي أعمار معظم من يعين بمرتبة مدرس تتراوح بين 35-40 عاماً، هذا يعني أن من وصل لسن التقاعد (60 عاماً) عمل مدرساً لمدة لا تقل عن 20 سنة لم يمارس خلالها واجباته في البحث العلمي التي كان يفترض ألا تقل فيه عدد الأبحاث المنشورة من قبله عن 8 أبحاث، وكان يفترض أن يكون قد وصل لمرتبة “بروفيسور”.

إذاً، تكمن خطورة هذا المقترح في تخلي وزارة التعليم العالي عن مهمة البحث العلمي، وهو ما يتناقض مع جميع الأعراف الأكاديمية في الجامعات العريقة التي عادة ما تتخلى عن عضو الهيئة التدريسية وترفض التعاقد مع كل من لم يقوم بمهامه وواجباته في البحث العلمي.

علماً أن قانون تنظيم الجامعات كان واضحاً في عدم فصله مهمتي التدريس والبحث العلمي عن بعضهما البعض وأهمية كليهما بذات الدرجة، حيث جاء في المادة /77/ “في حال عدم قيام عضو الهيئة التدريسية بالواجبات التعليمية والبحثية ينقل إلى خارج الجامعات….”.

تعديل المادة 111 من قانون تنظيم الجامعات.. يعزز تراجع تصنيف الجامعات

على المدى الطويل، إن إغفال ضرورة قيام عضو الهيئة التدريسية بواجبه في البحث العلمي، تعني الاستمرار بتراجع تصنيف الجامعات، ولن تستطيع أن تدرج لاحقاً ضمن التصنيفات الأكاديمية المرموقة. وهذا ما يظهره الجدول التالي الذي يبين أن النشاط البحثي(الذي يمثل عدد الأوراق البحثية المنشورة، عدد الاستشهادات بهذه الأوراق، وقوة التأثير الذي يحدثه البحث) هو العامل المشترك بين جميع التصنيفات الأكاديمية العالمية ويشكل وزن نسبي مرتفع جداً بين المكونات الفرعية لتكوين أي مؤشر.

 

 

 

وبهذا فإن رفع سن التقاعد ليس إلا تجاوزاً لكل الأعراف الأكاديمية التي تسعى جميع جامعات العالم جاهدة إلى الصرامة في تطبيقها حفاظاً على سمعتها في نشر المعرفة والأفكار الجديدة وتميزها بين أقرانها.

حلول مقترحة لمعالجة مشكلة نقص أعضاء الهيئة التدريسية بدلاً عن تعديل المادة 111

بما أن موجبات تعديل المادة /111/ من قانون تنظيم الجامعات هو تعويض النقص الحاصل في أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية، يوجد حلول أخرى يتم فيها ترميم هذا النقص مع ضمان تشجيع البحث العلمي، من هذه المقترحات:

1- تعديل المادة 68 من قانون تنظيم الجامعات بحيث تضاف فقرة «يعين أعضاء الهيئة الفنية الحاصلين على درجة الدكتوراه، والقائمون على رأس عملهم في الجامعات والمؤسسات الحكومية الحاصلين على درجة الدكتوراه كأعضاء هيئة تدريسية دون إعلان». خاصة أن أعضاء الهيئة الفنية يزاولون فعلياً مهام عضو الهيئة التدريسية نيابة عن أعضاء الهيئة التدريسية الكبار في السن.

2- إعلان سنوي عن مسابقة لتعيين أعضاء هيئة تدريسية، حيث تشير بيانات التعليم العالي أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية انخفض بنسبة 20% بين عامي 2011 و2020، ورغم هذا النقص الكبير، غير أنه لم يعلن إلا عن مسابقة واحدة فقط لتعيين أعضاء الهيئة التدريسية خلال عشر سنوات، تلتها مسابقة واحدة لا يمكن للأعداد المطلوبة بها أن ترمم النقص والتسرب الحاصلين في الجامعات الحكومية.

3- تحسين رواتب أعضاء الهيئة التدريسية التي تشكل العامل الأكبر في عدم رغبة الحاصلين على درجة الدكتوراه في التعيين في الجامعات الحكومية. وإذا ما استمرت ما يصطلح على تسميته “الرواتب” بهذا المستوى، فلن تُحل مشكلة النقص في أعضاء الهيئة التدريسية، وسيستمر من هم على ملاك الجامعات الحكومية بالتسرب إلى خارجها سواء من خلال الإعارة للجامعات الخاصة وإجازة بلا أجر، أو عبر التقاعد عند السن الأقل (أي عدم قيامه بأي نشاط بحثيمن أجل التقاعد عند سن 60).

وفي هذا السياق، وفي ظل النقص الحاصل في الكوادر التدريسية، كيف يستمر السماح بالإعارة للجامعات الخاصة؟! سنوياً يُعار 20% من أعضاء الهيئة التدريسية من الجامعات الحكومية يضاف لهم نسبة لا بأس بها من الحاصلين على إجازة بلا راتب لصالح الجامعات الخاصة، التي يفترض ألا يقل لديها عدد المعينين أو المتعاقدين المفرغين عن 50% من عدد أعضاء الهيئة التعليمية الإجمالي (وفق المرسوم التشريعي 36 القاضي بتنظيم الجامعات الاصة).

وإذا ما علمنا أن السماح بالإعارة للجامعات الخاصة مشروط بقيام عضو الهيئة التدريسية بتدريس مقرراته في الجامعة الحكومية دون أجر، وهذا ما ينعكس على جودة التعليم في الجامعات الحكومية.

إن المنعكسات السلبية لرفع سن التقاعد كحل لمشكلة النقص في أعضاء الهيئة التدريسية أكثر خطورة من مشكلة النقص ذاتها، يجب أن يكون التوجه لمعالجة سبب المشكلةن ومن ثم اقتراح الحلول السهلة التي ستؤدي على المدى الطويل إلى تحويل الجامعات إلى مصدّر ومنتج للشهادات فقط وليست منارة فكرية.

وإن كان رفع سن التقاعد هو الحل “اليتيم” للوزارة، نقترح أن يتم تعديل المادة 111 بإضافة بند يشترط قيام عضو هيئة تدريسية الذي بلغ سن التقاعد (باختلاف درجته العلمية) ويجوز التمديد له أن يعد البحوث العلمية وينشرها في مجلات عالمية ذات معامل تأثير. بهذا يمكن تحقيق الهدف الرئيسي في تعديل المادة /111/ وهو ترميم النقص في الكوادر التدريسية، ويحافظ على دخل عضو الهيئة التدريسية والأهم من ذلك سيُسهم في رفع تصنيف الجامعات السورية على المدى الطويل.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version