Site icon هاشتاغ

توتر أم هدوء.. السؤال التائه!

هاشتاغ-مازن بلال

وسط تقارير عن لقاءات أمنية سورية – تركية جاءت الاعتداءات الإسرائيلية لتعيد ترتيب الأسئلة للمنطقة عموما، فالأزمة هي في رؤية الأطراف لطبيعة العلاقات في المنطقة، فبعد عقود من وجود “جبهة اعتدال” وأخرى مناهضة للسلام مع “إسرائيل” تغيرت طبيعة المعادلة بالكامل، وتحولت الاتجاهات من أشكال العداء الكلاسيكي إلى نمط يتشكل اليوم على قاعدة من الشك بطبيعة النظم السياسية، ويبدو أن سورية لم تكن اختبارا لكسر الإرادات تجاه النظام الإقليمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، بل أرض معركة لإزاحة أشكال التفكير السياسي الذي ظهر مع الدول الناشئة في العقد الأول من القرن الماضي.

عمليا فإن الاعتداءات الإسرائيلية ليست جديدة، وهي في نفس الوقت تضغط على نوعية العلاقات القائمة إقليميا، والادعاء بقصف قوات إيرانية يشكل بحد ذاته حالة من فرض تصور للشرق الأوسط ككل، فهو بالنسبة لـ”إسرائيل” تكوين غير قابل للتحديد خارج حدودها، فما بعد الجولان هناك سياقات متهورة يصعب فصلها عن الإرهاب، وفي نفس الوقت لا توجد أي مرجعية يمكن التعامل معها سوى مؤسسات معزولة عن فكرة الدولة.

تقدم الاعتداءات الإسرائيلية نموذج شرقي المتوسط كدول لا تملك انتماء لجغرافيتها، حيث يتم تعريفه بحجم القرب أو الابتعاد عن مرجعيات سياسية أخرى، وهذا الأمر يجعل كافة العلاقات في مساحة القلق، ويحمل شكلا من اللايقين السياسي لأنه لا يرى دولا أو مجتمعات أو مصالح واضحة، إنما سلسلة توترات محتملة ومخاطر تحتاج لمواجهة استباقية، وهذا السلوك “السياسي الإسرائيلي” يجعل الاعتداءات المتكررة على سورية مؤشرا لنظرة “إسرائيل” إلى سورية كجغرافية لحرب مستمرة، وهو ما يفسر حالات الاعتداء التي بدأت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فقبل هذا التاريخ كانت “فكرة السلام” التي انطلقت بمؤتمر مدريد (1991) هي التي تحكم العلاقة مع دمشق، بينما تحول هذا الأمر بعد سقوط بغداد (2003) الذي شكل نقطة تحول إقليمي.

مثّل سقوط بغداد ضوء أخضر لكسر العلاقات الإقليمية القديمة، فتصادمت الإرادات سواء في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، أو خلال حرب 2006 وصولا للربيع العربي الذي سحب سيادة الدول باتجاه مظلة دولية حطمت الصورة الأساسية لدول المنطقة، بما فيها دول الخليج التي انحسرت إقليميا نحو أدوار تكسبها شرعية ثقافية على الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وهذا ما جعلها ضمن فلك مختلف عن السابق، فهي لم تعد دول الاعتدال والوسيط على مستوى عملية السلام، بل هي حالة لا تعبر عن تشكيل سياسي بقدر كونها انعكاس لانهيار منظومة الشرق الأوسط ككل.

بالنسبة لسورية فإن “إسرائيل” لم تعد تشكل نقطة ارتكاز لكل التفاصيل التي ترسم الحياة السياسية، فهي العدو الذي يحاربنا بـ”اللايقين” بدلا من الحقائق التي تؤكد أنه احتل أرضا سورية، وهو يتابع اعتداءاته بادعاءات وتقارير عن تأثيرها على “انسحاب” الفصائل الإيرانية من سورية، وفي نفس الوقت فإنه يضع كل تعامله العسكري أمام عدم إمكانية “المواجهة” لأنه يعتدي على “جغرافية حرب” تحمل كل أشكال القوة الروسية والأمريكية وغيرها.

الهدوء الذي يريده السوريون لا يمكن أن يظهر في مبادرات التهدئة، بل بإنهاء “اللايقين” المفروض على جغرافيتنا، فهناك تفكير مختلف يمكن البدء به، ليس في النظر الى الآخر بل إلى أنفسنا على أننا قادرون على إدارة هذا الصراع بعيدا عن الفوضى الإقليمية التي خلفتها الأزمة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version