Site icon هاشتاغ

جدل في الأوساط الاقتصادية السورية: خبير يتهم الحكومة بمحاباة التجار على حساب المواطن.. وتاجر يرد “مضطرة لمحاباتنا..!

هاشتاغ- يسرى ديب

حالة من الجدل تشهدها الأوساط الاقتصادية السورية، عقب إعلان وزير التجارة الداخلية “المثير للجدل” عمرو سالم عن تعديل على قانون العقوبات رقم 8، والذي يفرض عقوبات على التجار المخالفين والمتلاعبين.

الاقتصادي السوري عامر شهدا اعتبر أن تصريح وزير التجارة الداخلية بخصوص تعديل مواد القانون 8 الخاص بحماية المستهلك بأنها “محاباة للتجار على حساب المواطنين”.

وقال شهدا لهاشتاغ إنه “عندما يصرح وزير التجارة الداخلية بعزمه على تعديل القانون أو نسف القانون رقم 8 بحضورهم ويعلن أنه سيعد قانونا بتعليمات تنفيذية تحقق مصالحهم، فهو يريد تفصيل القانون على مقاسات التجار”

وتساءل شهدا عن نسبة النمو التي حققها أصحاب الفعاليات الاقتصادية الذين سيغير الوزير القانون من أجلهم منذ تشكيل الحكومة الجديدة قبل 3 سنوات وحتى الآن؟

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه “لا يوجد دولة في العالم تصدر قانون ليخدم قطاعا بعينه، والصح أن يكون القانون بالعرف العالمي في خدمة المجتمع بأكمله”.

“على مقاسهم”

يجادل الخبير شهدا بالقول: “عندما نقول في القانون رقم 8 عقوبات تصل للسجن 7 سنوات لمن يخالف الأسعار، ويبيع منتجات منتهية الصلاحية ويغش بالمحروقات، فهذا يعني قانون يخدم المجتمع، وعندما يطالب التجار بتغييره لأن فيه عقوبة الحبس، فهذا يعني أنه يحق لأي أحد أن يطالب في قانون على قياسه، فهل يطالب مرتكب الجريمة بقانون يعفيه من عقوبته على جريمته؟”.

ويتابع “القانون يعاقب المخالفين، ومن لا يخالف لا يطاله القانون، ولكن يبدو أنهم يريدون قانون يحميهم عندما يرتكبون مخالفات الغش والبيع بسعر زائد..الخ..”

وفقاً لشهدا، كان الأولى أن يجيب وزير التجارة الداخلية عند مطالبة التجار بتغيير القانون بالطلب منهم عدم مخالفته وليس التعهد بتعديله.

ليس ضمن صلاحياته!

أما المخالفة الأهم التي تحدث عنها شهدا كمخالفة للقانون، فهي إعلان الوزير خلال اجتماعه مع التجار عن تعديل قانون حماية المستهلك، “لأن الوزير لا يصرح بإلغاء القانون، بل مجلس الشعب هو من يعمل على ذلك، لأنه من أقر القانون، والجهة التي أقرت القانون هي من تلغيه، فالوزير ووزارته جهة تنفيذية، وبالتالي كان يجب المطالبة برفعه لمجلس الشعب الذي اجتمع لأكثر من مرة لإقراره” بحسب شهدا.

وقال شهدا إنه يريد إنعاش ذاكرة الوزير وأعضاء غرفة التجارة، يروي: “في 1 أيار 2021 وقبل إصدار التعليمات التنفيذية للمرسوم 8، قال وزير التجارة الداخلية الأسبق طلال برازي إن زيارته لغرفة تجارة دمشق تهدف لتوضيح بعض النقاط حول التعاون المشترك في تطبيق المرسوم رقم 8.”

وأوضح أن المرسوم التشريعي رقم 8 لم يتضمن أحكاماً جديدة، وإنما اقتصرت المواضيع الجديدة فيه على أحكام البطاقة الالكترونية وزيادة الغرامات المالية والعقوبات الجزائية الرادعة، مشيراً إلى تدرج العقوبات حسب نوع المخالفة والتشدد فيما يتعلق بالمواد المدعومة والمواد مجهولة المصدر والمواد المتعلقة بصحة الإنسان.

وأشار إلى أن التعليمات التنفيذية لم تصدر بعد، ومع ذلك فقد وجد انخفاضاً في المخالفات الجسيمة وصل إلى 80%، ما يدل على أن العقوبات الرادعة أدت دوراً جيداً.

تهريب وتهرّب

يستشهد شهدا بالمخالفات التي سجلتها الجهات الرسمية، كالخبر الذي أكدت فيه الجمارك القبض على سيارة قمامة تستخدم للتهريب. وتساءل شهدا: من يهرّب.. هل هو سائق السيارة أم أصحاب الفعاليات الاقتصادية؟

وأشار إلى أن وزير التجارة الداخلية عمرو سالم تحدث عن ضبوط بمنتجات غير صالحة للاستهلاك البشري، وضبوط بسرقة المشتقات النفطية، بينما تحدث وزير المالية عن التهرب الضريبي “فمن يتهرب المواطن أم التاجر؟” يسأل شهدا.

وأضاف: “هذا يعني أن بعض أصحاب الفعاليات الاقتصادية يهرّبون ويتلاعبون بالتصدير ويغشون بالمواد ويتهربون من الضرائب ويرفعون الأسعار ويسببون التضخم ولا يحققون النمو، ومع ذلك هنالك من يعمل على مكافأتهم بتعديل القانون بما يناسبهم، فهل هذا منطق رجال دولة، وهل إعلان مصدر بغرفة التجارة أن التجار يسعرون البضاعة على أساس سعر الدولار 7 آلاف ليرة سورية يشجع على صياغة قانون جديد؟”

ويكمل الخبير شهدا: “هل الاستمرار برفع الأسعار بحجة أجور الشحن كان منطقيا، بينما لم يتم تخفيض الأسعار عند انخفاض أجور الشحن أكثر من 80% !! وهل يشجع ذلك على إلغاء القانون، في حين أن المواطن الذي ضحى بأغلى ما لديه ويعاني من القرارات الحكومية وراتبه لا يكفيه، وينام أولاده بلا عشاء، ويحصل على خبز سيء، ولا يحصل على المازوت والغاز والكهرباء إلا بشق النفس، لا يرى الحكومة مستعدة لتغيير أي بند بالقانون لصالحه.”

هل نحن في زمن”العثمانيين”؟

ويستشهد شهدا بالقانون 15 للبيوع العقارية، فيروي: “عندما يذهب مواطن لبيع بيته عليه إحضار موافقة أمنية تذهب لوزارة المالية، فتعتبر الوزارة أن عملية البيع واقعة بعد هذه المرحلة، وتفرض عليه ضريبة رغم عدم تقديم عقد البيع والشراء، متسائلا: كيف تُفرض عليه ضريبة؟.”

ويضيف: “من يبيع بيته ليفك ضائقة مالية، ثم ينكل بالبيع، كيف تفرضون عليه ضريبة تفوق 2 مليون ليرة حسب السعر الرائج لأنه حصل على موافقة أمنية بالبيع؟.. أي بدلا من أن تساعده الحكومة بالخروج من الضائقة المالية يجب على المواطن أن يستدين ليدفع للخزينة هذا المبلغ، وإلا سيزداد المبلغ بسبب الغرامات. من لم يبع بيته كيف له أن يدفع هذا المبلغ.. هل نحن في زمن العثمانيين وكيف تفرض ضريبة غير مستحقة؟ ” يتساءل الخبير.

بالمقابل؛ يشير شهدا إلى التاجر الذي نكل بتوريد 25 مليون لتر زيت، متسائلاً: ما هي العقوبة التي تعرض لها.. هل دفع غرامة أو ضريبة.. وأيهما أحق لتقاضي الضريبة منه؛ من أحضر موافقة أمنية للبيع ولم يبع أم من وقع عقدا مع الدولة ونكل فيه؟

“أمر طبيعي” 

عضو غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، اعتبر من جهته أن على الحكومة دعم التجار والصناعيين وقطاع الأعمال، وعدّ أن “المحاباة أمر طبيعي، لأن معاداة قطاع الأعمال وعدم محاباته تؤدي لنزوح رؤوس الأموال وبالتالي عدم التوظيف وضعف فرص العمل وانحدار الاقتصاد.”

ويضيف الحلاق بأن “المشكلة الأساسية هي في انخفاض الدخل وليس ارتفاع الأسعار، رغم أن الارتفاع موجود لعدة أسباب منها ما يتعلق بتأمين المستلزمات والقطع ومشاكل الاستيراد وليس لقطاع الأعمال علاقة فيها” حسب قوله..

وتساءل الحلاق: “لو فرضنا جدلاً أنه تم تخفيض أسعار المواد إلى النصف فما الفائدة من ذلك.. وما الفرق بين أن يتمكن المستهلك من تأمين 2 كيلو سكر عوضاً عن كيلو، هل سيتحسن الوضع؟”.

وبين الحلاق أن المشكلة الحقيقة هي في انخفاض الدخل وعدم قدرته على تأمين كتلة الحاجات الأساسية.

“مضطرة للمحاباة”

الحلاق أوضح أن الاقتصاد كما هو معروف يقوى بالعمل الزراعي والصناعي والتجاري والسياحي، وبالتالي الحكومة مضطرة للمحاباة، ولكن ما يختلف هو درجة المحاباة ومن وضع لوضع؛ أي كم تحتاج لرؤوس أموال وعمل من الخارج والداخل وإلى توظيفات.

ووصف الحلاق محاباة قطاع الأعمال بالأمر المشروع والعادي، وبأنه الصح شئنا أم أبينا حسب قوله، “لأن المعادلة تشير إلى أنه إذا حابينا المستهلك أكثر نفقد رجال الأعمال، وإذا فقدناهم فقدنا أركاناً رئيسية من الاقتصاد، وبالتالي الحكومة مضطرة أن يكون هنالك محاباة وتدليل وتذليل للصعوبات.”

وأشار الحلاق إلى أن الكثير من الناس يعتقدون أن تخفيف العقوبات في المرسوم رقم 8 مثلاً يعني الذهاب نحو قطاع الأعمال أكثر من مصالح المستهلك، في حين أن العكس هو الصحيح تماماً، لأن مصلحة المستهلك في إزالة الصعوبات والمعوقات أمام قطاع الأعمال، وأن يتاح له العمل بشكل مريح ومنظم وواضح، وبدون سيف العقوبات.

وعبّر الحلاق عن إيمانه بالعقوبات للأمور والمخالفات الجسيمة، وبين ضرورة التشدد بمخالفات من نوع المتاجرة بالمواد الممنوعة والمدعومة والغش والتدليس، “لكن أن يُعاقب قطاع الأعمال لعدم إبراز فاتورة أو لسقوط لصاقة عن السلعة فيسجنون عليها فهذا يعني التضييق والتأثير على وجود البضائع وخلق سوق للتهريب”.

تذليل الصعوبات

ويرى الحلاق بأنه بقدر ما يتم تسهيل عمل قطاع الأعمال بالتشريعات القابلة للتطبيق، و تذليل الصعوبات وتسهيل تأمين كل مستلزمات الإنتاج، بقدر ما يتم القضاء على التهريب.

وقال الحلاق إننا ما زلنا في مرحلة التشهير في قطاع الأعمال وتقاذف الكرة “أنت معي أو ضدي” والقصة أن الحكومة يجب أن تكون في الوسط تدلل قطاع الأعمال وتحابي أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع الاستثنائية والقيادية لتأمين رفاهية المجتمع.

والنقطة الخلافية اليوم حسب الحلاق أن الناس تعتبر أن الحكومة تعطي التجار نسبة أسعار أعلى مما يجب، لكن تسعير السلع بالسعر المناسب “رغم عدم قناعتي بالتسعير” يعني تأمين بضائع أفضل وأسعار أقل.

وبين أنه بدلاً من تبادل الاتهامات يجب أن يكون هنالك توعية بأساس المشكلة وهو انخفاض الدخل وليس ارتفاع الأسعار. مضيفا “إذا كنا منصفين فإن المرسوم 8 الذي تسعى الحكومة لتعديل بعض بنوده ونتمنى تعديله كما يريد قطاع الأعمال، عندها سيكون إيجابيا على الأسعار وتوفر المواد.”

ووصف العمل على تعديل القانون رقم 8 بالمتأخر حيث جاء بعد تطبيقه بعام ونصف، وهذا أمر متأخر ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.. لأنه تسبب بإحجام كبير عن العمل تحت خطر الحبس لمخالفة بسيطة.

مستفيدون

من جهته، يرى عضو غرفة تجارة دمشق ياسر اكريم أن هنالك تجاراً مستفيدون من قرارات الحكومة الحالية، وهناك من حزم أمتعته وسافر .

وبين أن المطلوب نهضة الاقتصاد، أي أن تسير نهضة سوريا مع فائدة التجار والمواطنين جميعاً، لا أن تكون فائدة للتجار والعكس على المواطن ومن ثم انهيار للاقتصاد، وفق قوله .

أضاف اكريم أن الاقتصاد يعتمد بمقوماته على التجارة والصناعة والسياحة والزراعة والخدمات المهنية والفكرية والعلمية، لذلك لا يمكن النهوض بالاقتصاد من دون مشاركة أهل هذه التخصصات، ومن ينشد النجاح بالاقتصاد يجب أن يعتمد على تجار ناجحين لأنهم أفضل من يعرف كيف يربح ولا ينزلق في المشاريع الخاسرة .

وبين أن “هنالك دعوة في سوريا لتوجيه الاقتصاد نحو الصناعة مع إهمال التجارة، بل ربما الضغط على التجارة، وهذا عين الفشل ، فالتاجر حسب اكريم أقدر إنسان على دراسة الجدوى الاقتصادية إن كانت مادية أو معنوية، وبذلك لا يمكن إنتاج مشاريع صناعية دون جدوى اقتصادية من تجار أكفاء ذوي خبرة واسعة “.

وقال اكريم إن المحاباة شيء والتخطيط الصحيح المتكامل شيء آخر . فالاقتصاد لا يبنى بالانفعالات، أو الفعل ورد الفعل، بل يبنى بالهدف والخطة والجدول الزمني لإنجاز الخطة ثم المتابعة والتقييم ودراسة النتائج .

وختم بالقول: “المشكلة في الاقتصاد المتخبط، كلٌّ يرى أنه مظلوم وأن الآخر هو المستفيد. والحقيقة الاقتصاد المتخبط هو سبب رئيسي لإفشال الجميع” .

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version