Site icon هاشتاغ

“جهاز العروسة”.. عنف مضاعف تدفع ثمنه النساء في مصر.. والسيسي يتدخل لنجدة “الغارمات”

هاشتاغ – ناديا مبروك (القاهرة)

قبل 3 سنوات، وجدت فتحية عباس نفسها في موقف لا تُحسد عليه، بعد فسخ خطبة ابنتها كريمة قبل أسبوع واحد من إتمام الزيجة، لا لشئ إلا لغضب حماتها من أنها لم تحضر في جهازها غسالة اتوماتيكية، واكتفت بـ غسالة نصف أتوماتيك، ولأنها أحضرت في جهازها ستائر جاهزة من المباعة في العروض التليفزيونية بدلاً من تفصيل ستائر.

تروي فتحية ما حدث بالقول “كما تجري العادة، قبل الزفاف بأسبوع، نقلنا الجهاز إلى شقة الزوجية في احتفال يعرف في مصر بـ “عزال العروسة” أو “التنجيد”، وما إن شاهدت الحماة الغسالة حتى نادت بأعلى صوت على ابنها “تعال يا عريس شوف جهاز عروستك من أي جمعية خيرية”، في إشارة إلى أن هذه النوعية من الجهاز تكون في الأغلب تبرعات من الجمعيات الخيرية.

تقول فتحية “في هذه اللحظة تمنيت أن تبلعني الأرض، لم يكن الجهاز من جمعية خيرية كما ادّعت والدة العريس، ولكنه كان مقدرتي أنا وزوجي لتجهيز ابنتي، فدخلي أنا وزوجي لا يزيد شهرياً عن 4 آلاف جنيه، ولا أستطيع ادخار أكثر من ألف جنيه شهريا، استغني فيها حتى عن ضروريات العلاج”.

“بنشتري راجل”

لم يتفق العريس ووالد العروس على تفاصيل خاصة في الجهاز، فتعامل الأب بالمبدأ القائل “بنشتري راجل” طالما ستكتب قائمة تضمن للعروس حقوقها لا ضرورة للمغالاة في التفاصيل، فيكفي كتابة عدد معين من جرامات الذهب بدلاً من شراء شبكة غالية الثمن، ولا داعي لشراء غرفة للأطفال في بداية الزواج، ما دام يتم إثباتها في قائمة المنقولات الزوجية، واعتقد الاب أن عائلة العريس ستقوم بالمثل.

بعد هذه الواقعة بنحو عام، تقدم عريس جديد للفتاة، تعلم الأب والأم من الدرس جيداً، فقررا بيع الجهاز القديم بأكمله، وشراء جهاز جديد على المقاييس التي ترضي عائلة العريس، وحتى لا يتم معايرة ابنتهما، بالطبع اضطرا لشراء الكثير من الأجهزة بالتقسيط، إلا أنهما أفلتا من أن يكونا من الغارمين بعد مساعدة الابن الأكبر في دفع الأقساط.

هذه المساعدة كلفته خطبته هو الآخر لتأخره في تجهيز عش الزوجية في الموعد المحدد، إلا أن هذا حسب فتحية ليس مهمًا لان ابنها رجل لن يعيبه فسخ مئة خطوبة، بينما قد تفقد شقيقته فرصتها في الزواج إذا فسخت خطبتها للمرة الثانية.

ظاهرة “الغارمات”

ابنة فتحية واحدة من آلاف النساء المصريات المعرضات لعنف مجتمعي مضاعف، نتيجة لما يعرف بـ”جهاز العروس”، والاشتراطات التي يفرضها المجتمع أو الطرف الثاني في العلاقة، الامر الذي أدى لتفاقم ظاهرة “الغارمات” في مصر.

قبل أسابيع انطلقت في مصر دعوة لإلغاء ما يعرف بـ “قائمة المنقولات الزوجية”، وهي مستند يوقعه الزوج قبل عقد الزواج، يكتب فيه كافة المنقولات الزوجية التي أحضرتها الزوجة على سبيل الأمانة، حتى تستطيع الزوجة استردادها في حالة الطلاق.

وعلى عكس عادات الزواج في أغلب الدول العربية، تشارك الزوجة المصرية في إعداد منزل الزوجية، حيث تشتري في الأغلب الأجهزة المنزلية وأدوات المطبخ، وكذلك المفروشات، وفي بعض المناطق تشارك أيضا في شراء أثاث غرفة.

فتوى لا تجد آذانا صاغية

ورغم فتوى دار الإفتاء المصرية، بأن الزوج هو المسؤول عن تجهيز منزل الزوجية، إلا أن هذه الفتوى لم تجد تطبيقا على أرض الواقع، ويفرض على العروس التجهيز مناصفةً مع العريس، الأمر الذي يشكل ضغطا على أسر الفتيات، وقد يصل حكم الضغط إلى الانتحار كما جرى في 2016، حيث انتحر أب بمنطقة المطرية في القاهرة لعجزه عن تجهيز ابنته للزواج.

توقيع “على بياض”

بحسب تقرير “التوقيع على بياض..الطريق إلى السجن” الصادر عن وحدة البحوث والدراسات بمؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان المصرية، الصادر منتصف العام الماضي، لا توجد إحصائية دقيقة بأعداد الغارمات في مصر، ولكن وفقاً لتقديرات رسمية تصل أعداد الغارمات المسجونات إلى 30 ألف سجينة غارمة، وهو ما يمثل نسبته ما بين 20- 25% من السجناء في مصر، وأن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو متطلبات الزواج.

وذكر التقرير أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أولى اهتماما كبيرا بالقضية من خلال مبادرته “مصر بلا غارمين وغارمات” والتى أسفرت عن الإفراج عن نحو 6 آلاف غارم وغارمة.

السجن للغارمات

سعاد الدسوقي، واحدة من السيدات الغارمات، أطلق سراحها بعد قيام جمعية خيرية بسداد الدين المستحق عليها، بعد تعثرها في سداد ثمن عدة أجهزة منزلية اشترتها لابنتها من معرض في منطقتها بشبرا الخيمة، ومع تعثرها قام صاحب المعرض ببيع إيصالات الأمانة الخاصة بها و الموقعة على بياض إلي محامي، بعد أن قام بدفع 75% من الدين، ليكتب مبلغ ضعف الدين الأصلي، ويحكم عليها بمجموع أحكام 9 سنوات.

تقول سعاد ” خطبت ابنتي مرتين، وفي كل مرة تفسخ الخطوبة بسبب اقتراب موعد الزفاف دون القدرة على تجهيز ابنتي، فأنا أعمل كعاملة نظافة في حضانة، ويعمل زوجي في مجال “المعمار” دون وظيفة ثابتة”

وتضيف: “حاولت الحصول على مساعدة في جهاز ابنتي من الجمعيات الخيرية، إلا أن المساعدة تكون محدودة، فإذا اشترت الجمعية الغسالة مثلاً تشتريها نصف اوتوماتيكية، وأتفهم بالطبع أن ذلك لإتاحة المساعدة لأكبر عدد ممكن، لكن في المقابل لا تقوم الجمعيات أو أي جهة في المجتمع بحماية هذه النساء من أن يتم معايرتهن لأن جهازهن دون المستوى”.

الحماة تتشرط على العروس

وتذكر سعاد حالة جارة لها طُلقت بسبب الجهاز قائلة “قبل 4 سنوات فوجئنا بطلاق ابنة جارة لنا، الطلاق جاء بعد سنوات من الزواج، حيث تزوجت الفتاة، وأحضرت في جهازها جهاز تلفاز تقليدي، وهو ما أغضب حماتها منها لأنها كانت تريد أن تحضر “شاشة” بدلا من التلفاز العادي، ولكن بسبب الضغط عليها لإتمام الزيجة انتهى الموقف، وتم الزفاف”.

وتضيف سعاد “بعد 3 سنوات من الزيجة، تزوج الابن الآخر لتلك الحماة من فتاة أحضرت في جهازها شاشتين بدلاً من واحدة، كما كان جهازها يضم أجهزة أحدث، بالإضافة إلى عدد أكبر مما يطلق عليه “رفايع” في الجهاز، مثل أدوات المطبخ وغيرها، فما كان من الحماة إلا معايرة العروس القديمة، ومع تكرار المعايرة زادت الخلافات التي أسفرت عن الطلاق، ولا أرغب لابنتي بمصير مشابه”.

“شحات وبيتأمّر”

تذكر سعاد حين تحدثت مع مسؤول الجمعية الخيرية الموجودة في المسجد، القريبة من منزلها عن نوعية الجهاز، فوجئت به يهاجمها مستخدماً تعبير “شحات وبيتأمر”، مما اضطرها إلى شراء الأجهزة بالتقسيط، وصمم صاحب المعرض على توقيعها على 3 إيصالات على بياض، ورغم أنها تعرف خطورة التوقيع على بياض إلا أن المضطر يفعل أي شيئ، كما تقول.

وتروي سعاد “عقب الحكم عليّ، توجهت لنفس الجمعية التي وافقت على سداد الدين، وتولت المفاوضات مع المحامي، الذي حصّل المبلغ بالإضافة إلى 3 الآف جنيه، ومصروفات القضايا، ولا أعرف لماذا من البداية لم يساعدوني؟”.

الجمعيات الخيرية: ليس أولوية

سؤال سعاد الأخير وجهناه لمسؤول الجمعية المذكورة، مصطفى حلمي، المعروف باسم “الشيخ مصطفى”، الذى أرجع السبب إلى رغبة المتبرعين.

وأضاف مصطفى في حديث لهاشتاغ “نشاط جمعيتنا ينحصر في تجهيز الفتيات اليتيمات، ولكن في السنوات الأخيرة بدأنا في تجهيز الفتيات من الأسر شديدة الاحتياج”.

وأشار إلى أن “المتبرعين ينظرون إلى تجهيز العرائس على أنه ليس ضمن أولوياتهم، وفي حال التبرع يجب أن يتم شراء الأساسيات فقط، إذ ليس من الطبيعي أن يتبرعوا لتشتري الفتاة الرفاهيات، كما أن الالتزام بالأساسيات يتيح تقديم المساعدة لأكبر عدد ممكن.”

وحول حالة سعاد، قال مصطفى “أن سداد ديون الغارمين هي أحد المصارف الشرعية لأموال الزكاة طبقاً للنص القرآني، لذلك فإن المتبرعين يفضلون توجيه تبرعاتهم لحالات الغارمين بدلاً من توجيهها لتجهيز العرائس، لأن ثواب الغارمين من وجهة نظرهم أكبر”.

مبالغة في “الجهاز”

“لا أقبل حالات تجهيز العرائس” هذا الشعار الذي رفعته هبة عبدالعزيز، وهي متطوعة من متبرعين وحالات إنسانية، حيث لا تتبع أي جمعية خيرية وإنما تقوم بنشر تفاصيل الحالة للمتبرعين، الذين يرسلوا تبرعاتهم لها، ثم ترسل لهم الفواتير، سواء كانت الحالات توفير أدوية أو عمليات جراحية أو دراسة أو غيرها.

وتقول هبة، العديد من حالات العرائس ترغب في الكثير من الكماليات، أتفهم أهمية ذلك لرغبتهم في التباهي أمام أهل الزوج والجيران، لكن في المقابل لا يمكن أن أقبل أن توضع أموال التبرعات في رفاهيات لا داعي لها، فليس من المعقول أن تكون المتبرعة لديها الأساسيات فقط، وتتبرع لرفاهيات، كما أن الغالب من المتبرعين يرفضون التبرع للزواج لاأنهم يرون أنه ليس أولوية”.

وتضيف هبة “جاءت لي حالة من مدينة كرداسة، وضمن تقاليد الزواج لديهم شراء شاشتين 50 بوصة ومبرد للمياه، وكذلك بوتاجاز 5 شعلة، أخبرتها أنني لا أملك في منزلي مبرد المياه، وشاشة التلفاز في منزلي أقل من هذا الحجم، فطلبت مني أن أعطيها المال وتكمل هي عليه لتشتري هي الجهاز الذي تريده”.

وتكمل “الصدمة الأكبر كانت أن ضمن الجهاز المطلوب بوتاجاز إضافي لحماة ابنتها، وحين استغربت قالت إن هذه هي التقاليد، لابد أن تشتري لحماة ابنتها هدية (جهاز منزلي) ، وأن الحماة هي التي اشترطت هذه الهدية”.

هدية أم العريس

لا يوجد قائمة شاملة لما يعرف بجهاز العروسة في مصر، فكل منطقة لها عرفها الاجتماعي الخاص بها، وضمن هذا العرف تفرض بعد المناطق الريفية ما يعرف بهدية أم العريس، وهو ما جرى مع عبير نبيه ابنة محافظة كفر الشيخ.

تقول عبير، بدأ تقليد هدية أم العريس قبل سنوات، حيث تحضر العروس هدية لأم زوجها لكسب ودها، خاصة إذا كانت ستعيش معها في نفس المنزل، وكانت الهدية في البداية رمزية، لكن مع الوقت تحولت الهدية لجهاز أساسي في المنزل، مثل البوتاجاز أو الثلاجة، وفي بعض القرى تحضر العروس جهاز كامل لأم عريسها أو لأخته.

وتضيف عبير “هدية أم العريس لا يتم الاتفاق عليها في اتفاق الزواج مثل باقي الجهاز، ولكن أحيانا تطلب الحماة ما تريده بنفسها من العروس، وفي كل الأحوال لا تقل هدية العريس عن 20 ألف جنيه ويمكن أن تزيد، لأن عدم إحضارها يعني أن تعيش الزوجة حياة تعيسة تنغصها معايرة حماتها لها، وتفضيل باقي زوجات أبنائها عليها، أو حتى عدم إتمام الزيجة، لذلك تخصص الكثير من العائلات بنداً لهدية حماة العروس”.

وتقول عبير، حين زوجت ابنتي الصغرى اشتريت لحماتها غسالة وبوتاجاز، إلا أنني فوجئت بطلبها تجديد مطبخها لأنها جددت شقتها، وتريد مطبخ جديد، وبالفعل تكفلنا بتنفيذ مطبخ جديد لها كلفنا 15 ألف جنيه، لتصل هدية العروس لحماتها 30 ألف جنيه.

أزمة المجتمعات الريفية والفقيرة

من جانبها تقول منى عزت “استشاري التمكين الاقتصادي للنساء”، أن أزمة جهاز العرائس تظهر بصورة شديدة في المجتمعات الريفية والفقيرة، لأن مساحة تدخل المجتمع في حياة الأسر والعائلات ضخم للغاية، لذلك مجال المقارنات بين العرائس والجهاز كبيرة.

وتضيف أن اعتبار الزواج هو الهدف الوحيد للنساء، وإحاطته بقدسية تظهر في استخدام مصطلحات مثل الستر، يجعل من لا تتزوج معيوبة وعانس، لذلك فإن الفتيات لا تبحثن عن تحقيق ذاتهن أو استقلاليتهن.

وتضيف “حتى التعليم هو وسيلة فقط لتحسين نوعية الزيجات التي ستحصل عليها الفتاة، ولا يوجد وسيلة أو سبباً للتفاخر أو التباهي سوى الجهاز الذي تحضره، لذلك فإن بعض الأسر تحرم الفتاة من التعليم الجامعي أو ما بعده لتوفير النفقات للزواج والجهاز، أو حتى في بعض القرى تحرم النساء من الميراث نظير الجهاز الذي يصل لبضع مئات من الآلاف.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version