Site icon هاشتاغ

دموع وزير!!

بينما كانت الدموع تغالب وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم على الهواء مباشرة، كان طفل سوري ينهار باكياً من الصقيع، ويقف والده عاجزاً بعد انتهاء مكرمة الـ 50 لتراً من المازوت الحكومي “المدعوم”.

هاشتاغ-رأي-صدام حسين

لا تنفع دموع الوزير لتشغيل المدفأة “ولو كانت صادقة”، ولا يمكن الحصول على الدفء من الخطابات الحماسية والتصريحات النارية للمسؤولين.

بعد أن جفت دموعه، وقع الوزير قراراً يرفع 50 بالمئة من الدعم عن البنزين، والحجة كما قال إنه “لا يوجد دولة في العالم تدعم المحروقات”، وكأنه يوجد دولة في العالم تبلغ الرواتب فيها أقل من 20 دولاراً “سوى سوريا وفنزويلا”!.

ولما استفزته تعليقات السوريين، نشر الوزير “الباكي” صورة لسيدة عاملة مع طفليها في فرن، ليبرر خطيئة رفع الدعم عن الفقراء، ويقول لنا إن من يملك سيارة مهما كان نوعها لا يستحق الدعم، وهذه السيدة الشريفة فقط هي من تستحق.
أدان الوزير نفسه بالصورة التي تختصر حالة البؤس التي تعيشها المرأة السورية، متجاوزاً كل القواعد والأعراف الإنسانية وحتى الإعلامية.
فكيف يرضى وزير بوجود طفلين في بيئة غير صحية كـ فرن، ومن سمح له بنشر صورة السيدة المستورة، التي أصبحت مادة للسوشال ميديا وجمع التبرعات؟.
حبذا لو نشر الوزير في كل يوم صورة لأحد العمال، لأن الموظف في سورية بات يستحق الصدقة والزكاة.

كبش محرقة
يقول الوزير إن رفع سعر البنزين المدعوم لن يؤثر على ذوي الدخل المحدود كونهم لا يستقلون تكاسي، وكأن سيارة الأجرة أصبحت رفاهية لا يستحقها الفقراء!.
ويتابع بأنه ليس مسؤولاً عن الرواتب، فهو مسؤول فقط عن رفع الأسعار، وليس من المهمّ أن يكون الإجراء شعبيّاً كما قال، المهم أن يكون صحيحاً. ولكن أخبرونا: كيف يكون صحيحاً أن يموت أطفالنا وكبارنا من البرد والجوع والمرض؟.

لا نريد تحميل الوزير أكثر مما يحتمل، فهو بالنهاية موظف حكومي ينفذ القرارات، وربما وضع في الواجهة ليتلقى السخط الشعبي ويحمل كرة النار وحده، لاتخاذ قرارات غير شعبية منها رفع الدعم كلياً تمهيداً للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، استكمالاً لخطة عبدالله الدردري.
وربما يكون نشاط الوزير على السوشال ميديا ومقابلاته الكثيرة هو من يضعه في دائرة الضوء، في حين تغيب أسماء وزراء النفط والكهرباء والمال والاقتصاد ورئيس الوزراء وبقية المسؤولين ومجلس الشعب عن التداول لأنهم صامتون.
قد يكون “وزير مايكروسوفت” كبش محرقة، ويتم تحميله كل أخطاء العقود السابقة، ومن سوء حظه أنه جاء في أسوأ مرحلة تعيشها سورية بالعصر الحديث.

شركاء بالخسارة فقط
بررت “اللجنة الإعلامية لتهيئة الرأي العام” قرار رفع الأسعار بأنه يهدف للتقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضماناُ لعدم انقطاع المادة أو قلة توفرها، وهو تبرير يتناقض مع التبريرات السابقة التي كانت تعزو رفع أسعار النفط إلى الحصار والحرب.
يبدو أن الحكومة نسيت مزاريب الهدر والفساد والتهرب الضريبي ومراكمة ثروات أمراء الحرب، ولم تجد إلا جيب المواطن الفقير للتقليل من خسائرها، وبات الفقراء السوريون شركاء بالخسارة فقط.

زيادة ترقيعية
جرى “ترقيع” قرار رفع أسعار البنزين بزيادة محدودة على الراتب، توازي قيمتها فروجاً من الحجم المتوسط، وتعديلاً على التعويض العائلي، يعادل ثمن سندويشة شاورما للزوجة الأولى فقط، وتعويض لا يكفي لشراء لتر واحد من المازوت للأولاد الثلاثة الأوائل مجتمعين.
ربما يكون من محاسن المرسوم أنه لا يشجع على تعدد الزوجات، ويساهم في تحديد النسل.
قوبلت هذه الزيادة كالعادة بارتفاع جنوني في أسعار السلع والنقل، لا يتناسب مع حجم الزيادة الحقيقي، وزيادة 30 بالمئة على أسعار الأدوية، ربما لينفق الموظف هذه الزيادة على صحته!.
هكذا ودون أن ترتجف يده، أو يرف له جفن، وقّع أحد اللامسؤولين قراراً لقتل كبارنا وأطفالنا، خدمة لأرباح أصحاب مصانع الأدوية.

رسالة من تحت الماء
تنفجر دموع مواطن آخر، لكن من الضحك هذه المرة عندما يسمع تصريحاً لأحد صناع القرار يقول فيه: “ممنوع منعاً باتاً استخدام الغاز عوضاً عن المازوت للتدفئة!”.
حتى جرة الغاز الفارغة تكاد تنفجر ضاحكة من هذا التصريح.
يتلقى مواطن رسالة “من تحت الماء”، ويهرول مسرعاً لاستلام جرة غاز ينتظرها منذ أشهر، يدخل الزوج حاملاً جرته في مشهد مهيب، وتقف الزوجة حائرة في أولويات استخدامها، فيذهب جزء منها لطهو طنجرة شوربة العدس وسلق بضع حبات من البطاطا.
والجزء الثاني لتسخين مياه الغسيل، وجزء ثالث ليحصل الأولاد على حمام ساخن أصبح حلماً، والجزء الأخير يبقى لمدفأة الغاز التي أصبحت “رفاهية ممنوعة” في عرف محافظة دمشق، هذه الرفاهية التي قتلت عائلة كاملة في ريف دمشق قبل أيام.
أصبح الالتحاف بالبطانيات وثياب الصوف السميكة وسيلة التدفئة الوحيدة التي نجت من تعيين وزير لها.
ويتخوف أصحابها من حرمانهم من الدعم عبر “البطاقة الذكية” إذا علمت الحكومة أنهم يحصلون على تدفئة مجانية بالحرامات العسكرية وبطانيات المعونة.
يعيش الإنسان السوري في زمن عزّ فيه الطهو على الحطب، رغم أن سورية كما يدعي البعض مذكورة في سورة “التين والزيتون”.

مايك فغالي
تكاد دموع وزير النفط السوري تنهمر فرحاً، وهو يتلقى خلال اجتماع افتراضي قرار ترؤس سورية مجلس وزراء النفط العرب، بعد السعودية.
سوريا التي تعاني أزمة محروقات مزمنة ومستعصية وحقولها النفطية محتلة، وتغرق في العتمة، سوف تستضيف مؤتمر الطاقة العربي عام 2024 بعد قطر.
مؤتمر يجب أن يرأسه الدكتور في علم الطاقة مايك فغالي، لتوزيع الطاقة السلبية على الأقطار العربية كافة، وربما تستفيد الشعوب العربية من تجربة الشعب السوري في طاقة التحمل، وتكون فرصة للاطلاع على تجربة الحكومة السورية في التقنين والبطاقة الذكية.

الموقع الاستراتيجي
يسأل مواطن سوري بريء نفسه، ماذا أستفيد من عودة السفارات الخليجية إلى دمشق، إذا كان بيتي بارداً؟.
وماذا استفدت بعد أن حققت روسيا حلمها بالوصول إلى «د”المياه الدافئة” على المتوسط، وأنا لا أستطيع الحصول على حمام ساخن؟.
ماذا يعنيني الملف النووي الإيراني ومنزلي غارق في الظلام، وما الفائدة من مرور كل خطوط الغاز عبر سورية، وليس في منزلي جرة غاز منذ أشهر، كيف أطبخ، وماذا أطبخ أساساً؟.
تنعم بيوت الأتراك والإيرانيين والسعوديين والقطريين والأميركيين والروس وحتى الأفغان بالدفء، وكل بيوت العالم تقريباً تتقلب في نعمة الضوء والحياة.
وحدها بيوت السوريين يتسلل إليها البرد والظلام والفقر والجوع والموت من كل باب ونافذة، وكأن قدر الإنسان السوري أن يعيش ويموت في الصقيع، داخل بلده وفي خيم اللجوء بدءاً من لبنان، وصولاً إلى حدود بيلاروسيا.
هذا ما جناه علينا “الموقع الاستراتيجي”، أن تتصارع الأمم على أرضنا، ونحصل نحن على المزيد من البرد.
أما الفصول الأربعة التي يراها العالم نعمة يحسدنا عليها، باتت نقمة على السوريين الذين يتقلبون على مدار العام بين موجات الصقيع والحر، ولا طاقة لنا على مواجهتها.

بابور الكاز
اختفت بعض المهن من الوجود، ومنها “الحكواتي”، و”الدومري” الذي كان يشعل مصابيح حارات دمشق، وتشير بعض الدراسات إلى أن بعض المهن في طريقها إلى الاختفاء في العالم ومنها ساعي البريد وأمين المكتبة والصحفي!.
لكن من يصدق أن مهنة “مصلح بوابير الكاز” التي اندثرت قبل عقود عادت إلى سورية؟
ومن كان يتوقع أن بابور الكاز الذي كانت تحتفظ به جداتنا في سقيفة المنزل سوف تعود وتوقد ناره من جديد.
رسم جيلنا الكثير من السيناريوهات حول المستقبل، لكنه لم يتوقع سيناريو السهر على “فانوس الكاز”.

حمام سوري
ــ بعد أن أصبح حمام السوق يكلف عشرة آلاف ليرة لمرة واحدة فقط، لجأ بعض السوريين إلى النوادي الرياضية، لأسباب لا تتعلق بالرشاقة، بل لأخذ دوش بعد التمرينات.
ــ يتداول بعض السوريين إعلاناً ساخراً يطلبون فيه ٥٠ لتر من المياه الساخنة لزوم الاستحمام، بعد أن أصبح تسخين المياه على الغاز ترفاً ليس متوفراً، أما تسخين الحمام على المازوت فأصبح جزءاً من الماضي الجميل.
ــ من أهم أسباب سعي السوريين “وخصوصاً الفنانين منهم” للحصول على “إقامة ذهبية” في الإمارات هو انقطاع الكهرباء المزمن في سورية والرغبة بالحصول على حمام ساخن.
ــ بعد حصوله على حمام دافئ كتب أحد السوريين: الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.. تحممّت!.
سعادة لأسباب غير رياضية
بينما كانت قطر تستضيف بطولة كأس العرب وتستعد لاستضافة كأس العالم 2022، كانت وزارتا النفط والكهرباء في سوريا تنسقان على أعلى مستوى، لبحث إمكانية عدم قطع الكهرباء خلال مباراة سوريا وموريتانيا.
ولأسباب غير رياضية شعر الشعب السوري بالفرح بعد هذا الإعلان، لأنه سينعم بساعة ونصف متواصلة من الكهرباء، ربما تكفي للاستحمام وإنهاء وجبة غسيل، وآخر همه المباريات والبطولات.
طبعاً خسر المنتخب وخسرت معه وزارة الكهرباء، وخاب أمل المواطن لأن الكهرباء بقيت مقطوعة في معظم المناطق السورية وقت المباراة.

وزير يوهن نفسية الشعب
ــ يطالب بعض السوريين بمحاكمة وزير النفط بتهمة وهن عزيمة ونفسية الأمة ونشر المعلومات المضللة، لأنه وعد في غير مرة بعدم رفع أسعار المحروقات واليوم أخلف بوعده، ويدعو البعض للحد من تصريحات المسؤولين، لأنها غالباً تكون منفصلة عن الواقع.
ــ يرى البعض أن الحكومة مجتمعة سعيدة بالوزير عمرو سالم بسبب وضعه في “بوز المدفع” وتلقي موجة الغضب الشعبي وحده، فيما ينأى وزيرا الكهرباء والنفط بنفسيهما عن الأزمات.
ــ نشرت وكالة سانا الرسمية خبراً عادياً وحيادياً عن رفع أسعار البنزين، يشبه الخبر الذي نشرته وكالة رويترز عن الموضوع، ولكن وكالة سانا أفردت مساحة واسعة لخبر عنوانه: تراجع شعبية رئيس الوزراء البريطاني!.

العيد عيدين!
ــ كان من المفترض أن تقام احتفالية شعبية بمناسبة زيادة الرواتب والأسعار، ولكن نظراً لإدراج اليونسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني، جرى دمج الاحتفالين ضمن حفل واحد دون الحاجة لإبراز بطاقة اللقا ح، في دليل على هزيمة المؤامرة الكونية، وأن السوريين يواجهون الأزمات من خلال الطرب.
ــ توعد الله المشركيـ.ن في الآخرة بـالعـ.ـذاب في زمهرير جهنـ.ـم، والزمهرير هو أشدّ أنواع البرد، وهنا يسأل بعض السوريين أنفسهم: هل نحن من المشركيـ.ـن حتى تعذبنا الحكومة بالزمهرير، يبدو أنها أخطأت بيننا وبين المعارضين!.

استفاقة مفاجئة لمجلس الشعب
ــ بعد الضجة التي أثارتها تهديدات الحكومة برفع الدعم، انهمك مجلس الشعب السوري لعدة ساعات في صياغة قرار يؤكد على حق سورية في استعادة لواء اسكندرون.
ــ استيقظ مجلس الشعب أخيراً وتحرّك على وقع الأزمات المعيشية المتلاحقة التي يعاني منها المواطن والقرارات الحكومية الجائرة، ويتجهز في اجتماعه المقبل لمناقشة قانون يشدد العقوبات على كل من ينتقد الأداء الحكومي، ويعارض هذه القرارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وينال من “هيبة الدولة” والموظف العام، بالحبس عدة سنوات والغرامة بملايين الليرات.

وعود كهربائية
-وعد رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس بتحسن وضع الكهرباء اعتباراً من منتصف العام القادم، وفهم السوريون الرسالة ضمنياً بأن هذا الشتاء سيكون بلا كهرباء ولا دفء.
-أعاد عرنوس موشح “تكلفة ربطة الخبز ١٢٠٠ ليرة ونبيعها ب ٢٠٠ ليرة” وفهم السوريون أن هناك زيادة مرتقبة على الخبز بعد تقنين أكياس النايلون.
ــ وعدت وزارة الكهرباء قبل عرنوس بأن هذا الشتاء سيكون الأصعب على صعيد الطاقة، وهي من المرات القليلة التي تصدق بها الوزارة.
ـ دعا مرجع كهربائي السوريين إلى شكر الله على “نعمة التقنين” لأن تأمين الكهرباء على مدار الساعة يعني أن الفاتوة سوف تتجاوز 100 ألف ليرة.
ــ يسخر المواطنون من تشجيع بعض المسؤولين على الاستفادة من الطاقة الشمسية، لأنها تكلف وسطياً 10 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ يعادل أجور 10 سنوات عمل للموظف في سوريا.
ــ شاركت سورية في معرض “إكسبو دبي 2020” تحت شعار “معاً المستقبل لنا”، لكن معظم المعروضات ركزت على الماضي، وغاب الحاضر والمستقبل في الجناح السوري.
ــ يحسد بعض السوريين الأدوات الكهربائية على عيشتها في سكون وطمأنينة نتيجة عدم توافر التيار، ونسي معظمنا وجود مكيف ومايكرويف أو مكواة وحتى تلفزيون وبراد في المنزل.
ـــ يعد الشعب السوري الأكثر تطبيقاً لمقررات قمة المناخ الأخيرة، فهو يمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويحمي الكوكب من هدر في الطاقة والتلوث، لأنه بات يعيش في العصر الحجري.

الماغوط وزبدة الكلام
يقول الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، إن سبب انتسابه للحزب القومي السوري، هو أنه وجد في مقر الحزب “صوبيا” أي مدفأة.
انتسب الماغوط للحزب دون أن يعرف أهدافه أو يقرأ مبادئه، فقط لوجود مدفأة لم تكن متوفرة في مقر حزب البعث آنذاك.
ودفع الماغوط بعد ذلك ثمناً باهظاً لدفء سخريته من الواقع، وقضى أعواماً من عمره في بيت خالته.
على الحكومات أن تقلق إن قال المواطن “أنا بردان”، لا يمكن الاستهانة بالبرد الذي أشعل الثورتين الفرنسية والبلشفية، إلى جانب الجوع ورغيف الخبز والامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين والطبقة الأرستقراطية وأمثال ماري انطوانيت، والتصريحات المستفزة للعامة، وعلى خلفيتها أعدمت المحاكم الثورية في فرنسا ٤٠ ألفاً من هؤلاء.
اليوم يقبع ٢٠ مليون سوري في البرد بين المخيمات في بلدان اللجوء والداخل المنهك المدّمر.
بينما يتفاوض أطراف الصراع بهدوء وأعصاب باردة في الفنادق الدافئة، وفيما يموت أطفال الفقراء من الصقيع، يعيش أبناء جميع المسؤولين وقادة معارضة الخارج وأمراء الحرب والفصائل والطبقة الأرستقراطية في نعيم الدفء.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version