Site icon هاشتاغ

تشابكات دولية خطرة

هاشتاغ _ مازن بلال

داخل الحرب في أوكرانيا هناك أسئلة أمام العالم، فلا يتوقف الأمر عند المهام العسكرية الروسية، أو العقوبات الأمريكية والأوروبية والتصريحات من كافة الأطراف.

ورغم صعوبة تقدير حجم التحولات الدولية، لكن التصور الأولي هو إصرار أوروبا والولايات المتحدة على تحييد أي عامل روسي في العالم، وربما جعل الأمم المتحدة حالة “صورية” لا تستطيع موسكو عبرها كسب أي شرعية.

مشكلة الحرب في أوكرانيا هي طبيعة النظام في العالم، وحالة العولمة للأسواق والسياسات وحتى للثقافة، وهذه العولمة ليست منتجا روسيا بل تملك مفاصلها مؤسسات إن لم تكن أمريكية فهي تحمل توجها ليبراليا صرفا.

وبغض النظر عن “الحالة الأخلاقية” للنظام الدولي فإنه في النهاية يقدم آليات سياسية للعالم، وروسيا جزء من هذا النظام عبر تجارتها الدولية أو سياساتها تجاه كافة القضايا، وهو ما يجعل الحرب اليوم انقلابا على “القيم الدولية” وفق تقدير الولايات المتحدة.

عمليا فإن الكرملين يعرف أن الإجراءات الأمريكية لعزله عن النظام العالمي هي أكثر خطورة من المعارك العسكرية القائمة، لأنها تحييد أيضا عن كافة القضايا الدولية التي تخضع لمعايير أمريكية منذ انهيار “المنظومة الاشتراكية”، ويمكن هنا التوقف عند نقطتين:

الأولى؛ عدم وجود بديل للنظام المالي الدولي المحكوم بمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، وإن كانت المنظومة الاشتراكية سابقا مكتفية بدائرة مغلقة في مواجهة الغرب، فإن طبيعة العلاقات الدولية لا تحتمل اليوم الخروج عن هذا النظام المالي.

المعادلة اليوم هي أن “الفضاء العالمي” لا يحتمل التجزئة، بينما تحاول الولايات المتحدة جعل روسيا خارج هذا الفضاء، والمسألة المعقدة التي يواجهها الكرملين وربما الصين أيضا في التصورات لعالم منقسم تنتهي تأثيرات كل طرف فيه عند خط التماس مع الآخر، فالحرب اليوم من الطرف الروسي يُقاس نجاحها في قدرة موسكو في الحصول على شراكة كاملة في هذا الفضاء، بينما على الجانب الأمريكي تتمثل في كسر أي إرادة للمنافسة المستقبلية ليس من قبل روسيا فقط بل أي دولة تحمل إمكانية النمو السريع مثل الصين والهند وحتى ألمانيا.

النقطة الثانية؛ هي كون روسيا تخوض حربا دون أحلاف صلبة، فعلاقاتها الدولية مع الدول التي تتبنى موقفها لا تصل إلى درجة “المنظومة السياسية”، فرهاناتها الحالية هي على النفاذ اقتصاديا على الأقل عبر حلفائها مثل الصين أو الهند أو غيرها من الدول.

تخوض الولايات المتحدة حربها على موسكو مستندة إلى “نظام قيم” يجمعها مع حلف الناتو، وهو حسب تعبيرها يتجلى في الديمقراطية بالدرجة الأولى، ورغم أن الديمقراطية كقيمة قادرة على العبور في الفضاء الدولي، لكنها كنظام سياسي مازالت محصورة بتصورات غربية إن صح التعبير.

فالقيم الديمقراطية ليست معيارا للعلاقات الدولية ولا يمكنها أن تصبح آلية سياسية طالما أن هناك دولا ومصالح متباينة، ورغم ذلك فإن واشنطن لديها حلف يدافع عن “الديمقراطية” لكنه في العمق تجمع لمصالح أمنية واقتصادية، وموسكو تدرك هذا الأمر وتستند في مواجهتها إلى اعتبارات مختلفة تماما، فهي دولة بـ”جغرافية إمبراطورية”، وبسلسلة من القيم التي تفرضها جغرافيتها البرية ومخاوفها الأمنية.

العالم ينقسم لكن لا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن لهذا الانقسام أن يؤثر على كل ما اعتدناه في العلاقات السياسية، وفي هذا التحول أعلى درجة من فقدان الأمان للجميع وعلى الأخص للدول البعيدة عن التأثير في مفاصل هذا الصراع، فكل ما نشاهده اليوم هو حالة مرحلية لكنها طويلة، وبعدها سيظهر ميزان قوة مختلف تبعا لمجريات الحرب الحالية.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version