Site icon هاشتاغ

ذكريات الزمن “القبيح”

ذكريات الزمن "القبيح"

ذكريات الزمن "القبيح"

نضال الخضري

هناك زمن نراه بأعين الحاضر، فيظهر يوم  الاستقلال أو عيد الجلاء أو إعلان الوحدة مع مصر، أو حتى أحداث حرب تشرين، وكأنها صور أو حتى تصورات نرسمها بكل ما يرافقها من فنون ونعيد تكوينها لتصبح “الزمن الجميل”، فما بقي منه أمامنا أحداث مغلفة بأحلامنا أو خيالاتنا المتعبة من إيقاع الحاضر، لكن هذا “الزمن الجميل” لا يحمل لنا أي تفاصيل غير عملية الإبهار، وهو رواية نلملم خيوطها لتصبح سردا مجردا من إيقاع الحياة التي تحمل بطبيعتها الأمل والحزن وباقي المشاعر الجميلة أيضا.

الزمن الجميل هو ما بقي من فنون ممتعة لتاريخ قريب، وربما لا توجد أي حاجة إلى كتابة تفاصيل إضافية، لأن الذاكرة ليست مساحة بحثية داخل أروقة لجامعات أو مراكز أكاديمية، وهذا الزمن الذي نعشقه سيتحول إلى صور أخرى عندما يوضع على محك البحث، فالآلام تسقط مع الزمن بحكم ضرورة البقاء، وما يبقى هو فقط ظلال الماضي قبل أن يعبر الزمن ويغير الجغرافيا، أو يعيد تشكيل الفنون، أو حتى يمحي تقنيات أبسط بكثير مما نملكه اليوم.

“الزمن الجميل” في عيد الجلاء فيما يتعلق بالأجيال الحالية لم يعد مرتبطا بالحدث نفسه الذي تراه فيه الأجيال التي شهدت الحدث، فالجلاء أصبح ذاكرة لها علاقة بالاحتفاليات بالمدارس أو ببعض المرويات المنقولة عن الأجداد، وهذا الأمر لا يقلل من العيد ولكنه يسقط عنه الجمال الذي كان يرافق أجدادنا، على الأخص أن الحرب منذ عام 2011 كانت صراعا لتكسير “الرموز” ولو تكسيراً غير مباشر، فالجلاء الذي يملك إبهارا عاماً كحدث وضعنا كسوريين على الجغرافية العالمية دخل امتحاناً عسيراً مع بداية الحرب، فهو ومنذ رحيل آخر جندي فرنسي عن سوريا، لم يشكل ثقافة يقف عليها الشعور الوطني بهذا الإنجاز المعاصر، وربما بخلاف ذلك تم تجاوزه وكأنه مرحلة عليها أن تعيدنا إلى تاريخ آخر.

الجلاء ليس النموذج الوحيد لما نحمل من افتراضات الزمن الجميل، فهناك ذاكرة تبدأ من السياسة وتنتهي بالعادات الاجتماعية، وإذا كانت الأحداث العامة واضحة لكن الانتقال إلى الثقافة الاجتماعية يبدو أكثر غموضا، فمن تقاليد الحارات وصولا إلى السهرات الطويلة فإن “المخيال الاجتماعي” يركب ذاكرة خاصة لا ترى في الثقافة الاجتماعية ظواهر ممتدة، بل تنتهي عند حدود الصورة المنقولة من دون نتيجة التغير الطبيعي للعصر.

ليس واضحا إذا كان هذا “الزمن الجميل” مجرد حنين إلى الماضي، أو فقدان الرغبة بالانتماء إلى الحاضر، ففي المجتمعات كلها هناك ظواهر ثقافية يتم التمسك بها، وربما تتمسك بها أجيال محددة، أو تبقى عابرة لتخلق نموذجا سياسيا أو ثقافيا أو غيره، لكن زمننا الجميل هو نموذج “متعة” من دون أن يتحول إلى رمز خاص فاعل على مستوى الحاضر فنحن نبكيه وكأننا فقدنا شخصا عزيزا، ولكنه بالتأكيد زمن يحتاج إلى تعزيز آخر يرتبط بالمسار الثقافي أولاً ليصبح بالفعل زمنا جميلا.

Exit mobile version