Site icon هاشتاغ

سوريون يغادرون سن “الطفولة” بلقاح “شلل السعادة”

قبل انتهاء فصل الصيف، واستغلالاً للحرارة المرتفعة، قررت مجموعة من الأصدقاء الصينيين دعوتي إلى مدينة الألعاب المائية في ضواحي “تشونشينغ”.

هاشتاغ-رأي-لجين سليمان

في الطريق إلى الحديقة سألني سائق التكسي “من أي بلد أنت” فأجبته “أنا سورية”، فما كان منه إلا أن ردّ بشكل سريع وواثق : “سورية.. إنها كأفغانستان، كلاهما يوجد فيه حرب، حيث يدين الناس بدين واحد”.

اتسعت عيناي فجأةً، وقبل أن أهمّ بالإجابة السريعة والمكابرة، تدخّل أصدقائي الصينيون، بالحديث: “لا في سورية يوجد تنوع وهم أديان متعددة، الناس هناك يدينون بأديان متنوعة، وحتى الحرب لم تنل منهم”.

أهزّ رأسي بالموافقة وبابتسامة فخر وكأني أقول “شكراً لكم حفظتم الدرس جيداً” .
دافع الأصدقاء الصينيون عن سورية كما لو أنهم سوريون ينتمون لحزب البعث، فعلى مدى عامين كاملين، حصدت ما زرعته، فبات الصينيون يتحدثون عن سورية كما لو أنهم سوريون فعلا، وليت ما زرعته كان حقيقةً وواقع.

وصلنا إلى المدينة المائية حيث يوجد عدد كبير من الألعاب المائية، وبين الفينة والأخرى يسقط فوق الرؤوس وعاء من الماء البارد، فتعلو الصرخات الممتنّة لهذه الإثارة.

سقط أول وعاء فوق رأسي، فكأنّ شيئا لم يكن، وكأن تلك المياه لم تصدمني بقوة، حدث معي تماماً كما حدث مع “دريد لحام” في مسرحية “كاسك يا وطن” عندما وضع المحقق رأسه في وعاء الماء البارد فشربه كله.

جاءت المرحلة التالية بالصعود إلى إحدى الألعاب المائية، أو ما نسميها في سورية “زحليطة” التي تتطلب الهبوط بشكل سريع في الماء، وبعد انحدار طويل هبطت جالسة، أعدنا الصعود مرة أخرى، فسقطت جالسة للمرة الثانية، استغرب الجميع كيف بعد كل هذا الانحدار تصلين إلى الماء جالسة، أجبتهم “نحن لا نفرح في تلك الألعاب إلا في طفولتنا، وأما بعدها فتصبح حياتنا بأكلملها “زحليطات”، حيث يضعنا أهلنا في فم الحياة، ويقولون لنا “اخشوشنوا، فهل تتوقعون أن تثير فينا تلك “الزحاليط” نوعا من الإثارة”؟
يجيبني الآخر “هل تتخلصّون من آثار سن الطفولة باكراً في سورية؟”
“نعم، نصبح واعيين “على صغر”، نتلقّى مع لقاح شلل الأطفال جرعة “وعي” زائد، وننطلق إلى الحياة، نعاني ونقاوم، إلى أن نصل إلى تلك الدرجة من الرشد، فنتزحلق على ظهورنا ونصل إلى الأرض واقفين، وتدلق فوق رؤوسنا أوعية المياه بلا هوادة، نستغلّ اللحظة ونفتح أفواهنا محاولين شربها بدلاً من الاستمتاع بها!.

انتزعت إعجابهم عندما أعطيتهم فكرة بأننا قادرون على النهوض في وجه انتكاسات الحياة. بادرني أحدهم بالقول “ظننت أنه يوجد الكثير من الحدائق المائية في سورية، ولذلك لم يفاجئك شيئٌ هنا”.

ابتسمت ابتسامة صفراء لا تغطي حتى الجروح السطحية، ولكن الحمدلله هم لا يعرفون الكثير عن ردود أفعالنا وما نخفيه تحت ابتساماتنا، فلذلك كانت أكذوباتي البيضاء تمرّ مرور الكرام.

في طريق العودة وبينما كان يسألنا سائق التكسي ذاته “كيف كانت رحلتكم، هل استمتعي يا سوريّة في الصين؟”
أجابه الباقون “نحن من استمتعنا وتعرّفنا عليهم في سورية، هل تعلم أنهم ليسوا فقط متنوعين، وإنما يكبرون منذ الصغر، طفولتهم قصيرة تنتهي باكرا، فيصبحون واعين لا تغريهم تلك الألعاب المائية”.

فيما يتحدثون عني وعن بلدي، كنت أفكر: يا الله كم بتنا بحاجة إلى “أمل جديد” كبديل عن لقاح “شلل السعادة” الذي أعطتنا إياه الحرب قسرا، فبتنا “مسنين” مساكين هاربين من طفولة بائسة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version