Site icon هاشتاغ

شوقي بغدادي .. المعلم

ديانا جبور

شوقي بغدادي .. المعلم

هاشتاغ-ديانا جبور

رحل شوقي بغدادي، وقد كتب في أثره الشعري وربما النقدي الكثير مما يفيه بعضا من حقه.. لكنني أود أن أتحدث عن تجربتين جمعتاني به ، وكان في كليهما معلما..

أعتقد أن زمن التجربة الأولى يعود إلى بدايات التسعينات من القرن الماضي .. كنا نمر بضعة أصدقاء ليلا من أمام مسرح الحمراء، بعيد انتهاء أحد العروض .. وإذ بمجموعة صاخبة من الشباب يرمون بعضهم البعض بالنكات والضحكات، تحت أنظار رجل هرم راض مبتسم، أرخى لهم الحبل وقد ضمن أنهم لن ينفلتوا أو يعيثوا فسادا في المحيط .. إلى أن رأى أن الأوان قد آن للتحرك فاشار لهم باللحاق به وهذا ما فعلوه .. بفضل هذه التوليفة كانت البهجة والالتزام والجمال قد غلفوا ذاك المكان البارد ..

بالتقصي والسؤال علمنا أن الشباب طلاب أحد صفوف المرحلة الثانوية .. أما الرجل فهو شوقي بغدادي وكان آنذاك أستاذ مدرسة يغذي في طلابه الفضول المعرفي والحس الفني والارتباط الاجتماعي، بأن يحجز لهم ويرافقهم إلى العروض المسرحية ..

ما أكثر أساتذة المدارس وما أقل المعلمين الذين يسلمون الأجيال المتتالية أدوات الإبداع والتذوق ويجعلون الثقافة والفن أسلوب حياة.

تلك كانت تجربتي الأولى مع المعلم شوقي بغدادي .. بعد ذلك التقيت به شخصيا عدة مرات، إلى أن قادتنا الصدف إلى السكن في البناء نفسه الذي يسكن فيه .. و كانت تجربتي الثانية مع المعلم شوقي بغدادي .

هنا بتنا في العشرية الأولى من القرن الحالي، وكان من الواضح آنذاك أن المناخ العام يذهب باتجاه التشدد الديني كإطار سياسي بديل لكنه آمن بالنظر لما يحمله من قداسة وما يضمنه من حصانة ..

أتانا رئيس لجنة البناء يريد وضع مكبر صوت على سطح البناية حتى لا يفوت الأذان وخطبة الجمعة أيا من الساكنين .. رفضنا هذا النوع من القسر والإملاء، فبعض السكان يتعبدون بالعمل، حيث يصبح حرمانهم من النوم نوعا من قطع الأرزاق، وقد يكون هناك مرضى يتسولون ساعة نوم إضافية ، أو ببساطة سكان من ديانة أخرى .. وكدنا نتحول إلى صوت شاذ ونشاز لولا جارنا الأستاذ شوقي بغدادي الذي كان حاسما في رفضه، فمن يريد الصلاة والقيام فجرا ما عليه إلا تعيين المنبه.. رجل جليل استطاع أن يحسم النقاش والجدل.

هذه تفاصيل حياتية لكنها لاتنفصل عن نهج الراحل في الحياة .. له الرحمة ودوام الذكرى بما يبقيه قدوة وأنموذجا يحتذى..

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version