Site icon هاشتاغ

عصاميّون .. ولكن

عصاميّون .. ولكن

عصاميّون .. ولكن

هاشتاغ-عصام التكروري

أُحِبُّ اسمي ويُجرّحني، أحبّه لأنه يعني الكُحلَ في عيونِ الجميلات، يُجرّحني عندما يختلطُ الكُحل بالدمعِ ولا تبوحُ صاحبته بسرِّها لأنَّها تُدرك أنَّه في بئر إذ ما من عرّافةٍ تجيدُ التبصيرَ بعروقِ الكُحلِ الكتيم.

أُحِبُّ اسمي لأنّه يُطلَقُ على الإناثِ والذكورِ معاً، يُجرّحني ساعةَ يستعصي عليّ ـ وأنا في لُجّة العناقِ ـ أنْ أميّزَ نفسي فيما إذا كنتُ أنا الضلعَ الهاربَ أم الأضلع التسعةَ والثلاثين المقيمين في فَقدٍ مَكين.

وكما يحدث أنْ يَهَبَ الله حنجرةً عاليةً لأشخاصٍ وضيعين فقد حدثَ أنْ أُطلِقَ وصفُ “عصاميّ” على شخصٍ خانَ سيدَهُ بعد أنْ رفعَ من مقامه وأدناه.

تقولُ الرواية أنَّ عِصام بن شَهر الجَرمي كانَ رجُلاً من العوام، وكانَ طموحه أنْ يصبحَ حاجباً عند الملك النُعمان بن المُنذر (حاجب … يا للمجد!!!) فاجتهدَ وكافحَ حتى أدركّ هدَفه، وذاتَ يومٍ أسرَّ له النُعمان بأنَّه سوفَ يفتكُ بالنابغة الذبياني لأنَّه شَهَّرَ بزوجته في قصيدته “المُتَجرِّدة” فما كانَ منَ الحاجبِ عصاماً إلا أنْ سرَّبَ الخبَر للنابغة الذي فرَّ ناجياً من الموتِ، وكافأ الحاجب الخائن مُنشداً :

نَفسُ عِصامٍ سَوّدتْ عِصاما

وعَلّمتهُ الكَرَّ والإقداما

وصَيّرتهُ مٍلِكاً هُماما

حتّى عَلا وجاوَزَ الأقواما

في الحقيقة، قُدرةُ الروايةِ الشعريةِ على تحويلِ “حاجبٍ خائنٍ” إلى “ملكٍ عصامي” لا تقلُّ عن قُدرةِ الأزمنةِ الموحشةِ على غسيلِ سُمعةِ من سطوا على لقمةِ الآخرين أو جهودهم أو أحلامهم ومنْ ثمَّ تحويلهم إلى عصامييّن بمرتبةِ لِص أو “أجير بكعكة”.

مقابلَ هؤلاء “العصاميّون”، وفي الأزمنةِ الموحشةِ عينِها ـ ثمةَ عصاميّون يحملون وهناً على وهنٍ الدلالاتَ النبيلةَ لاسم “عِصام”، فهناك العصامي بمرتبة “مُهمَّش” لأنَّه الحبلُ الذي تُشدّ به قِربة البلادِ فتُحمَلْ، وهناك عصاميٌّ بمرتبةِ “نظيف أكثر من اللازم” لأنّه كانَ صاحبَ العهدِ الذي شغَّلَ طواحينَ عقلهِ وقلبهِ عندما عَصَفت الريحُ السمومُ في البلدِ الأمينِ بينما كانَ سَدنةُ الخرابِ يراقبونَ سِعرَ الصّرفِ و يتاجرونَ بالأكفان.

وهناك عصاميٌّ بمرتبةِ “مقهور” لأنّه أمامَ مشهديَّةِ الخرابِ لا يملكُ إلا أنْ يقول: آهٍ لو كانَ أجَلُ الإنسانِ مرتبطٌ بما يَعصِمُ نفسَه عنهُ من فسادٍ وإذلالٍ لتَوجَّبَ على أشخاصٍ كُثرٍ أنْ يغادروا الآنْ … الآنْ وهنا، كما لتَوجَّبَ على آخرين أنْ يبقوا هنا إلى الأبد… إلى الأبد ويوم.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version