Site icon هاشتاغ

عقوبة مخالفة حظر التجول في سوريا، ما مدى قانونيتها ؟

عقوبة مخالفة حظر التجول في سوريا، ما مدى قانونيتها ؟ (الحلقة الثالثة)

هاشتاغ سوريا_ د.عصام التكروري

بتاريخ 24 آذار 2020 صدر عن السيد رئيس الوزراء القرار رقم 20 و القاضي بفرض حظر تجول في الجمهورية العربية السورية، القرار المذكور لم يحدد عقوبة من يخرق حظر التجول الأمر الذي أحدث لغطا كبيرا حول النص القانوني الواجب التطبيق، فعلى حين أعلن المحامي العام بريف دمشق ـ بتاريخ 25/03/2020 ـ أن “عقوبة مخالفة حظر التجول الجزئي الذي فرضته الحكومة من الممكن أن تصل إلى عشرة أيام حبس أو غرامة تصل إلى ألفي ليرة باعتبار أنها مخالفات أوامر إدارية عملا بأحكام المادة 756 من قانون العقوبات” ، بادرت وزارة العدل ـ بتاريخ 26/03/2020 ـ إلى الإعلان بأن عقوبة من يكسر حظر التجول هي بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسين ألف ليرة سورية إلى خمسمائة ألف ليرة سورية عملا بأحكام المادة 13 من المرسوم التشريعي رقم /7/ ‏لعام 2007 المتعلق بقانون الوقاية من الأمراض السارية والإبلاغ عنها ومكافحتها.

في الحقيقة، المواقف الضبابية حيال القانون الواجب التطبيق عززها مسألة أن التعليمات التنفيذية الخاصة بحظر التجول ـ الصادرة وزارة الداخلية بتاريخ 25/3/2020 ـ لم تتضمن النص الذي يعاقب على مخالفته، هذه الضبابية في التعاطي مع الحدّ من حرية التنقل كحق دستوري ـ عملا بأحكام المادة 38 ف 3 من الدستور ـ زاد منها سلبية (الفريق الحكومي المعني باستراتيجية التصدي لفيروس كورنا المستجد “كوفيد 19″ ) لجهة إحجامه عن الإعلان رسميا عن النص الواجب التطبيق،ليتضح بعد أيام أن القضاء السوري طبّق على مخالفة حظر التجول المادة 13 من المرسوم التشريعي رقم /7/ ‏لعام 2007 المتعلق بقانون الوقاية من الأمراض السارية والإبلاغ عنها ومكافحتها، مستبعدا بذلك تطبيق المادة 756 من قانون العقوبات، والتي أعلن المحامي العام بريف دمشق عن وجوب تطبيقها على من يخالف حظر التجول ، وحقيقة لا ندري أي من المادتين تم تطبيقهما لتحريك الدعوى العامة بحق 153 شخصا الذين تم توقيفهم في اليوم الأول لحظر التجول.
استقرار المحاكم على اعتبار المادة 13 من قانون مكافحة الأمراض السارية سندا لمعاقبة من يخالف حظر التجول أنهى الحالة الضبابية حيال النص القانوني الواجب التطبيق، لكنه وضع المهتمين بالشأن القانوني و الدستوري أمام سؤال شائك ألا و هو : هل تصلح المادة 13 من قانون مكافحة الأمراض السارية سندا لمعاقبة من يخالف حظر التجول؟
برأينا أن الجواب هو بالنفي وذلك للأسباب التالية:
أولاً:القرار الصادر عن مجلس الوزراء بفرض حظر التجول لم يستند إلى قانون الوقاية من الأمراض السارية والإبلاغ عنها ومكافحتها كأساس تشريعي ناظم لفرض حظر التجول، وبالتالي لا يمكن ـ من حيث المبدأ ـ الاستناد إلى هذا القانون للمعاقبة على حظر التجول، لكن حتى لو افترضنا أن القرار الصادر عن مجلس الوزراء لم يسهو عن اتخاذ قانون الوقاية من الأمراض السارية كأساس له فإن المادة 13 من هذا القانون لا تصلح ـ من حيث النتيجة ـ أساسا للمعاقبة على مخالفة حظر التجول من منطلق أن القائلين بوجوب تطبيق هذه المادة لا يميزون ـ على ما يبدو لي شخصيا ـ ما بين الحجر الصحي من جهة، وحظر التجول من جهة ثانية، و بالتالي يعتبرون كل شخص يخالف حظر التجول إنما هو شخص ” امتنع عن تنفيذ إجراء طُلب منه لمنع تفشي المرض الساري “، علما بأن المقصود بهذه الفقرة من المادة 13 قانون الوقاية من الأمراض السارية هم الأشخاص الذين تقرر إخضاعهم إلى الحجر الصحي كتدبير احترازي يتم فرضه بموجب تعليمات تصدر عن وزير الصحة بالاستناد إلى المادة 19 من القانون المذكور، وفي حال عدم امتثالهم للحجر الصحي يتم فرض العقوبة المحددة في المادة 13 عليهم ، ومن الأمثلة على ذلك الحجر الصحي الذي خضع له سكان بلدة عين منين لدى اكتشاف إصابات بفيروس كورونا وقعت في تلك المنطقة، وكذلك إجراءات الحجر الصحي التي كانت تُفرض على الوافدين للأراضي السورية.
ثانياً: هناك العديد من الفوارق الجوهرية ما بين حظر التجول من جهة، و الحجر الصحي من جهة ثانية، أهم تلك الفوارق يكمن في أن حظر التجول هو أحد التدابير المنصوص عليها في المادة السادسة من قانون الطوارئ السوري الصادر بالمرسوم 51 لعام 1962 ( راجع الحلقة الأولى من هذه السلسلة)، أما الحجر الصحي فهو أحد التدابير المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم /7/ ‏لعام 2007 المتعلق بقانون الوقاية من الأمراض السارية والإبلاغ عنها ومكافحتها، إضافة إلى أن الحجر الصحي أكثر شمولية من حظر التجول بدليل أن الخضوع لنظام الحجر الصحي لا يقبل أدنى استثناءات، بينما يخضع نظام حظر التجول للاستثناءات، و السبب في الاستثناءات هنا يكمن في أن حظر التجول من التدابير المترافقة مع إعلان حالة الطوارئ (صحية كانت أم أمنية)، أما فرض الحجر الصحي فلا يتطلب إعلان حالة الطوارئ إذ يتم فرضه من قبل وزير الصحة في حال تفشي وباء معين في منطقة معينة أو مجتمع معين مع ملاحظة أمرين :
الأمر الأول هو أن تحول الوباء إلى جائحة يتطلب إعلان حالة الطوارئ الصحية من منطلق أن مواجهة الجائحة يتطلب تضافر جهود كل وزارات الدولة وليس فقط وزارة الصحة المعنية وحدها بمواجهة الأوبئة (وليس الجوائح)، ففي سوريا حدد المرسوم تشريعي رقم /7/ ‏لعام 2007 واجبات وزارة الصحة في التعامل مع الأوبئة، وعرَّف الوباء (épidemie) بوصفه مرض ينتشر في مجتمع أو منطقة جغرافية محددة بزيادة واضحة عن المتوقع الطبيعي لهذا المجتمع أو المنطقة الجغرافية ( المادة الأولى من المرسوم التشريعي)، أي أن هذا القانون لا يطبق على الجائحة (pandémie )، ونكون أمام جائحة ـ بحسب منظمة الصحة العالمية ـ عندما يجتاح مرض جديد العالم متجاوزا حدود الدول، و معلوم أن كورونا تم تصنيفه على أنه جائحة، و بالتالي لا تقع مسؤولية على عاتق وزارة الصحة لوحدها، فضلا عن أن إجراءات مكافحته تتطلب نظاما قانونيا اشد صرامة مما هو متوافر في قانون الوقاية من الأمراض السارية ،من هنا يصبح من الواجب أن يسير هذا قانون يداً بيد مع نظام دستوري وقانوني آخر اسمه “إعلان حالة الطوارئ الصحية” الذي يكفل ـ في حال توفر فريق عمل كفؤ ووطني ونزيه ـ مواجهة جائحة كورونا، ويفرض تجاوبا أكبر مع كل إجراء حكومي يتخذ بموجبها ، ويضمن توفير مساعدات دولية حقيقية لأن إعلان حالة الطوارئ الصحية يعبر عن التزام حكومي بالمعايير الدولية لمكافحة الجائحة وتحديدا في البلدان التي يعاني نظامها الصحي من صعوبات حقيقية،فضلاً عن فعالية نظام الطوارئ الصحية في مكافحة جائحة الأسعار والتلاعب بحياة الناس و الاتجار بلقمة عيشهم، وفضلا عن قدرته على توفير الغطاء الدستوري و القانوني لتعليق العمل بجملة من الحقوق والحريات الدستورية.
الأمر الثاني: إعلان حالة الطوارئ الصحية لا يعني بالضرورة فرض حظر التجول فأحيانا يُترك هذا الأمر لتقدير السلطات المختصة ، فعلى الرغم من إعلان حالة الطوارئ الصحية في فرنسا في 24 آذار 2020 فإن عددا محدودا من المدن الفرنسية تم فيه فرض حظر التجول ( 22 مدينة فقط منها : نيس، بوردو ، بربينيون، بزيه) بعد أن أصدرت الحكومة الفرنسية ـ في 16 آذار 2020 ـ مرسوم إعلان الحجر الصحي العام.

د.عصام التكروري رئيس قسم القانون العام في كلية الحقوق ـ جامعة دمشق

Exit mobile version