Site icon هاشتاغ

عن التجربة السورية والمساحة الهشة

هاشاغ-مازن بلال

لا تحمل السياسة مجال أسف لأنها تجارب في مراحل تحول التوازنات، فانهيار المصالح أو صعودها يدفع للمغامر سواء تعلق الأمر بالبشر أو الدول، وبقدر واقعية السياسة التي لا تحمل سوى “الذرائعية” تعتمد على ظهور مؤشرات في العلاقات الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية، فالتصور السياسي غالبا لا يحمل معه النظر إلى حالات الثبات وأوهام استرجاع الماضي؛ بينما تبقى السياسة فعل القادم الذي نادرا ما يستلهم زمنا انتهى.

في التجربة السورية منذ بداية الأزمة كانت الرهانات على التحولات التي أنتجها “الربيع العربي“، وربما كان من حق الأجيال أن تحلم بـ”حركة اجتماعية” تحمل معها آفاقا غير مألوفة، وما حدث أن “الحراك الاجتماعي” تهاوى بسبب التوازنات السياسية، فحركة “الربيع العربي” بنموذجيها” الأكثر إشراقا في مصر وتونس أنتجت تبدل أنظمة حاكمة فقط، بينما يمثل “النموذج السوري” التجربة الأكثر وضوحا في اعتماد سياقات سياسية لا تستند إلى “تحولات” حقيقية في التوازنات، فالحرب في سورية التي بدأت باضطرابات مؤسسة على اختلال العلاقة بين أنقرة ودمشق بالدرجة الأولى، تعود اليوم إلى تلك العلاقة من باب تحولات في التوازنات الإقليمية.

عمليا فإن التجربة السورية استندت إلى تشكيل سياسي ظاهري لأبعد الحدود، يبدأ بدولة قطر التي ظهرت وكأنها محرك كل مساحات الاضطراب، ثم تركيا التي ظهرت منها البيانات السياسية الأولى، وأخيرا فرنسا التي خرج منها نواة الشكل السياسي الذي كان من المفترض أن يشكل الجبهة في مواجهة الحكومة السورية الرسمية، لكن هذا الشكل بقي عائما على مساحة أخرى من التوازنات الإقليمية والدولية التي منعت تكرار التجربة الليبية في سورية.

بالتأكيد فإن الشعارات الإعلامية غطت مساحة زمنية طويلة قبل أن يظهر الرهان السياسي الرئيسي، فعند أول فيتو روسي – صيني مشترك في مجلس الأمن أصبح واضحا أن التحولات لم تكن في “الربيع العربي” بل في اختلال التوازن الدولي، لكن المغامرة السياسية في سورية استمرت خارج التفكير السياسي، وضمن “مقامرة” من القوة التي أبقت “النموذج الليبي” حاضرا في أذهانها، وباتت المعارضة السورية في النهاية دون برنامج واقعي لأنها اعتمدت على صعود وهبوط مصالح “التشكيل السياسي الظاهري” المعتمد على الدول الثلاث: قطر، تركيا وفرنسا.

إمكانية فك الاشتباك بين أنقرة ودمشق ليس الحلقة الأخيرة من “التجربة السورية”، لكنه المحطة الأخطر في المراهنة على “المساحة الهشة” في السياسة، فتركيا ووسط الصراع الدولي الذي دفع بالأزمة الأوكرانية إلى الواجهة تحتاج لتوازنات آمنة، وهذا الأمر لن تقدمه “المساحة الهشة” التي ظهرت وتطورت خلال الأزمة، بل الرهانات على خارطة مصالح إقليمية وسط حالة “اللايقين” الدولي نتيجة الحرب الأوكرانية.

هل كان على التجربة السورية انتظار احدى عشرة عاما لقراءة الدرس السياسي؟

لم تحاول المغامرة السياسية التي ظهرت منذ عام 2011 قراءة سورية كدولة، والمغامرة هنا لا ترتبط بالمجموعات المسلحة التي ظهرت كذراع للقوة وانتهت كـ”حاكم” على تجربة أسقطت رهانات السياسة كمصالح، واعتمدت على مغامرة “محلية” لأبعد الحدود، فالتجربة السياسية ستستمر، وسواء نجح فض الاشتباك بين أنقرة ودمشق أو تأجل، فإن المهم هو ما سيقوم به السوريون في هذه التجربة التي ستنصب بأكملها على الدولة وليس على المساحات الهشة خارجها.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version