Site icon هاشتاغ

عن “الخط الأحمر” والمتسلقين عليه: “وزير حماية المستهلك” يعاقب اللجنة التي كشفت عن المليارات المنهوبة في فرع حلب للحبوب ويكلف أخرى.. لمصلحة من؟

الخبز

هاشتاغ – إيفين دوبا

 

في الوقت الذي يشقى فيه المواطن لتأمين رغيف الخبز، تتحول مادة الخبز المقننة على المواطن من “خط أحمر” إلى “خط يسهل العبور منه وإليه”، فتُنهب عبره المليارات ويتم تحقيق ثروات لثلة من المعنيين وحلفائهم من التجار، على حساب المال العام ولقمة عيش المواطنين السوريين.
وفي مواصلة لعرض حلقات الفساد المستشري في إحدى أهم مراحل صناعة الخبز، والتي عرضها “هاشتاغ” في تحقيقات سابقة، وأدّت إلى تشكيل لجان رقابية وبحث أمور عقود المقايضة والطحن وتوزيعهما في فرع حلب للحبوب، وصلت إلى “هاشتاغ” تسريبات عن تقرير اللجنة الرقابية الوزارية التي تمّ إرسالها إلى فرع حلب للحبوب، ويتضمن كشفا عن تجاوزات وهدر بالمليارات، كان من الممكن للجهات المعنية تفاديها، والعمل على أن تكون عاملاً مساعداً في تقليل مخاوف السوريين من انقطاع خبزهم اليومي، أو حتى تخفيف ساعات انتظارهم له، وما يتبعه من تلافي لقرارات الحصول عليه، بشكل أيسر.

لكن، ما حصل و”يستمر حتى الآن”، أنّ الهدف مغاير، وبالتالي لا تزال عمليات إفادة بعض التجار تسير على نحو جيد، وإن واجهتها “بعض العقبات.. مثل اللجان الرقابية، والسبب حسب قول خبراء يكمن في أن فارق السعر بين الطحين المدعوم وغير المدعوم كبير ومرعب، ما يؤدي إلى استمرار عمليات تهريب القمح، وما يتبعه من نخالة مسروقة وطحين منهوب، عبر عقود مقايضة مشبوهة، دون محاسبة.

رحلة لجنة!

بعد مواد صحفية عدة نشرها “هاشتاغ” عن وجود شبهات فساد في فرع السورية للحبوب بحلب، توصّلت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى اتخاذ قرار بقضي بضرورة تشكيل لجنة فنية من الوزارة للوقوف على حقيقة ما يجري، وعندها “ارتفع منسوب الأمل باقتراب لحظة القضاء على الفساد هناك”.
وبالفعل، فقد توصّلت اللجنة التي تمّ تكليفها إلى العديد من الحقائق، كما تمّ إعداد تقرير مفصّل عما يجري، وعرضها على وزير التجارة الداخلية، الدكتور عمرو سالم، الذي كافأ اللجنة “بهدية لكل عضو منها”، علماً أن أصحاب المطاحن الخاصة لم يدخروا جهدا في تشويه الحقائق عبر اختراع اتهامات لأعضاء اللجنة وصل بعضها إلى “أخلاقيات أعضائها”، الأمر الذي دفع وزير التجارة إلى إرسال لجنة ثانية من الرقابة الداخلية في المؤسسة السورية للحبوب، حسب تصريحات أدلى بها مدير فرع المؤسسة بحلب، عبد الجليل الحردان لـ”هاشتاغ”. وهذه النقطة حسب قول أحد أعضاء اللجنة الفنية “الأولى”، يعدّ مخالفاً؛ إذ لا يجوز تشكيل لجنة رقابية ثانية للبحث في موضوع التحقيق من داخل المؤسسة نفسها “المشتبهة”، بعد عمل لجنة رقابية من الوزارة، وفي حال دعت الضرورة إلى وجود لجنة أخرى يجب أن تكون من جهة أعلى من جهة اللجنة الأولى.
ومع ذلك، يقول مدير فرع السورية للحبوب بحلب، إنّ اللجنة الوزارية “الأولى”، كانت قد أنهت عملها، وأعدّت تقريرها، الذي كان فيه “نوع من التحامل على العاملين في الفرع”، الأمر الذي دفع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتكليف لجنة من رقابة المؤسسة، والتي بدورها استعانت بلجنة داخلية من فرع المؤسسة بطرطوس، وانتهت بتقرير ينافي كل ما جاء في تقرير اللجنة الوزارية.

ويبرّر الحردان، صحة ما جاء في تقرير اللجنة الثانية بالقول:” ثمّة موظفين في فرع السورية للحبوب بحلب مرتبطين بآخرين بالمؤسسة والوزارة بدمشق يسعون لعرقلة العمل بحلب، وحين وصل التقرير الرقابي الأول إلى دمشق كانت الأمور قد تمت معالجتها في حلب!”.

ويضيف: “ثمّة أخطاء لا يمكن إنكارها نعمل على معالجتها، ولكن على ما يبدو أنّ أعضاء اللجنة الوزارية مصرّين على وجود أخطاء، الأمر الذي دفع الوزير إلى إعفائهم من مناصبهم، وهنا زادوا من اتهاماتهم لفرع المؤسسة بحلب، وقصدوا فروع الأمن، ونشروا الاتهامات بغير حق”.

مدير “يتهرّب” ووزير لا يجيب!

للوقوف على حقيقة ما سبق، نفى مدير عام المؤسسة السورية للحبوب، عبد اللطيف الأمين، في تصريحات لـ”هاشتاغ” علمه بما يجري بفرع المؤسسة بحلب، وقال :”ليس عندي أيّ فكرة عما يجري.. الموضوع متابع من قبل الوزير، ولا أنوي الدخول في هذه المتاهات”.
وبعد محاولات عدّة للتواصل مع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الدكتور عمرو سالم، لم يجب على اتصالاتنا المتكررة، علماً أنه في تصريحات سابقة لـ”هاشتاغ”، كان قد اعترف بوجود فساد كبير بفرع حلب، واعداً بحله.

لجنتان لحلب ومهمتان بمحافظتين!

بالعودة إلى عمل اللجنة الوزارية، كشفت مصادر مقربة من اللجنة لـ”هاشتاغ”، بأنّ هذه اللجنة تمّ كليفها بمهمتين في محافظتين غير حلب سابقاً، وأثبتت درجة عالية من النزاهة، الأولى في دمشق؛ حيث كشفت عن وجود خلل كبير في عمل مطاحن فرع دمشق والتخريب الممنهج الذي أدى إلى ضعف طاقتها الإنتاجية، إضافةً إلى كشف 9 آلاف طن طحين مسروق بدمشق، والمهمّة الثانية بحماة، عبر توقيف 11 سيارة مخالفة من المطاحن الخاصة بحلب وحماة، عملت على تغيير درجات الأقماح المشحونة.
وحسب قول المصادر، فقد تمّ اعتماد تقارير هذه اللجنة بالمهمتين السابقتين، لكن، على ما يبدو أنّ “دور المطاحن الخاصة وقوة تأثيرها على أصحاب القرار في الوزارة” دفعت إلى “هز الثقة” بعمل تلك اللجنة بحلب.

وقالت المصادر، إنّ اللجنة الوزارية بحلب والمؤلفة من أربعة أشخاص، اكتشفت تجاوزات وهدر بالمليارات، وأكدت أنّ ما يحصل في حلب عبارة عن “مرض مزمن.. اسمه الفساد”.

أحد أوراق الفساد الحاصل بفرع حلب، والذي وصلت “وثائقه” إلى “هاشتاغ”، تفيد بوجود هدر بالمليارات عبر تغيير درجة الأقماح، إضافةً إلى إخراج 350 طن نخالة من مطحنة واحدة، بموجب إيصالات استلام وبواسطة 7 سيارات دون تسديد قيمتها للمؤسسة، في حين تبلغ الكمية الإجمالية من النخالة المفقودة إلى أكثر من ألف طن.

إضافةً إلى وجود تجاوزات في “قيد مدين”، وهو عبارة عن إشعارات وأوامر صرف، يجب أن تدفع في وزارة المالية، وكشفت اللجنة بأن الأموال الواجب استحقاقها في المالية لم يتم دفعها منذ عام 2019 حتى الآن، ما يعني حرمان خزينة الدولة من الاستفادة منها، وفي الوقت نفسه، يزيد العبء على المؤسسة عبر تغريمها عن ذلك التأخير.

وحسب الوثائق التي وصلت إلى “هاشتاغ”، فقد تراوحت مبالغ “قيد مدين”، في العقود المخالفة من 3 إلى 8 مليون ليرة للعقد الواحد، وهذا دون مبلغ التغريم المستحق على المؤسسة، وكانت حجة المعنيين بفرع حلب “بأنه تم التواصل مع وزارة المالية لكف النظر عن التأخر في سداد المبالغ المستحقة” دون الأخذ بعين الاعتبار “فارق السعر بالصرف”.

في تفصيل التجاوزات!

كشف تقرير اللجنة الوزارية، عن عمليات تلاعب برطوبة الأقماح؛ إذ عمد أصحاب المطاحن الخاصة إلى تعديل 4 درجات من الرطوبة، وتؤكد المصادر أن “رفع درجة واحدة تكلّف المؤسسة ملايين”، إضافةً إلى كشف تلاعب بنسبة استخراج الدقيق، والتي وصلت إلى 80 في المئة في المطاحن الخاصة فقط، بالإضافة إلى الكشف عن تجاوزات تتعلق بعدم أخذ “رسم الطابع” عند إجراء العقود مع المؤسسة، بحجة أنه تم الإعفاء من “المفتّش”، وهذا يعارض المرسوم رقم 44، والذي يقضي بوجوب أخذ “رسم الطابع” خلال مدة أقصاها 30 يوما وإلا التغريم بـ 200 في المئة من السعر المستحق دفعه.
وحسب ما توصلت إليه اللجنة الوزارية، فقد تمّ توثيق 675 ضبط مشاهدة مزور، مخالفة بالقمح، تبلغ تكلفة السيارة بأبسط رقم 5 مليون فيكون المسروق من المال العام فقط من ضبوطة المشاهدة 3 مليارات و375 مليون ليرة، بالإضافة إلى سيارات مسروقة تحدثنا عنها في تحقيقات سابقة وكانت قادمة من منطقة الجزيرة والتي يتعدى عددها 30سيارة، وقد ثبتت سرقتها بالتواطؤ مع لجنة فرز الاقماح.
كما أنّ النسخ الأصلية التي تمّ كشفها لا تشبه الأرومات وختم المطاحن الخاصة على الضبط، وهذا لايجوز، ماعدا التلاعب بالرطوبات التي وصلت تقريباً إلى 13درجة بالمقارنة مع باقي الفروع للأقماح نفسها، وفي الفترة ذاتها.
وكشفت اللجنة، وجود مذكرات قطع النخالة، خاصة الملغية والمصروفة بوصولات رسمية وهذا مايسمى بـ”السرقة”، وحسب الأرقام التي وصلت إلى “هاشتاغ”، ووثّقتها اللجنة، فقد بلغت كميات النخالة المسروقة من إحدى المطاحن 285 طنا، وفي أخرى 350 طنا آخر مسروق، و200 طنا من مطحنة ثالثة، مع العلم، وحسب التسريبات، فقد عمل المعنيون في فرع حلب للحبوب بعد عودة اللجنة الوزارية إلى دمشق على استرداد إحدى الكميات المسروقة من إحدى المطاحن والبالغة 350 طن، وحتى هذا خطأ يقتضي التغريم وفق مرسوم رقم 8 بالمادة 56 منه، بـ 3 أضعاف.

وعن الكمية الأخرى والبالغة 285 طنا مضروبة 750 ألف ليرة، يكون الناتج 213 مليون و750 مليون، وإذا ضربت بثلاثة أضعاف يصبح الناتج 641 مليون ليرة. وحول وجود 200 طن مسروق مضروبة بـ750 ألف يكون الناتج 150مليون، واذا ضربت بثلاثة أضعاف تصبح 450مليون ليرة.

وعن الكمية الأخرى والبالغة 285 طن مضروبة بـ 750 ألف ليرة، يكون الناتج 213 مليون و750 ألف، وإذا ضربت بثلاثة أضعاف يصبح الناتج 641 مليون ليرة.

وحول وجود 200 طن مسروق مضروبة بـ750 ألف يكون الناتج 150مليون واذا ضربت بثلاثة أضعاف 450مليون ليرة.

“أن تأتي متأخراً”!

وسط “الضجة” التي أثارتها التجاوزات المخالفات في فرع حلب للحبوب، وتشكيل لجان عدة للتحقيق في تلك المخالفات، أصدرت “السورية للحبوب” بتاريخ 6/4/2022 وبالكتاب رقم 200/26/1 الصادر من مدير التسويق الداخلي والموجه إلى فرع حلب يطلب فيه وقف استلام مادة الدقيق موضوع عقود المقايضة (دقيق ونخالة) في الفرع. هذا مع العلم، أنّ حلب ليست بحاجة إلى الدقيق، ولكن، ما كان يجري عبارة عن “تمرير بعضٍ من مصالح التجّار”، وبالتالي تمّ “اختلاق بدعة التصاريح الرسمية” الخاصة بنقل الدقيق الذي يتمّ تسليمه إلى حلب، ومنها إلى كل من دير الزور والرقة ودرعا، وعلى نفقة التجار!.
والسؤال الذي يطرح نفسه :”ما هو المبرر لعدم شحن الدقيق من قبل التجار مباشرة إلى تلك المحافظات وفق العقود نفسها الموقعة مع “السورية للحبوب”، مع العلم أنّ هناك أجور تخزين وتحميل وتنزيل إضافية كبيرة، ومن يتحمّل هذه النفقات؟!”.
وحسب آخر المعلومات الواصلة لـ”هاشتاغ”، فإنّ “من أصدر القرار خالفه بالأمس؛ حيث تم السماح للتجار بتفريغ الطحين المقايض بفرع بحلب”!.

تهديدات آخر ساعتين!

أخيراً، وبعد تسليم تقرير عمل اللجنة الوزارية لوزير التجارة الداخلية، ومكافأتهم على عملهم، كانت المفارقة أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء احترازي لفرع حلب، بل على العكس، فقد تمّ تشكيل لجنة مخالفة ثانية من الرقابة الداخلية للمؤسسة، “وهو أمر مخالف”، عملت على تشويه عمل اللجنة، وأدت إلى إعفاء أعضاء اللجنة الوزارية من مناصبهم ونقلهم إلى مؤسسة “عمران”،
وحول هذه النقطة، يقول أحد أعضاء اللجنة : ” يبدو أن المطاحن الخاصة مارست دورها في الضغط.. وبدأ الدولار يتكلم”!.
ويقول عضو آخر في اللجنة المعفاة: “التهديد كبير والافتراءات كبيرة وسط توثيق العديد من التجاوزات، لكن خطورة الموضوع تكمن في الافتراءات الأخلاقية التي يسعى أصحاب المطاحن الخاصة لتلفيقها لأعضاء اللجنة”.

أيضاً، لا بدّ من الإشارة إلى ما تمّ تسريبه عن تقارير عمل اللجنتين إلى بعض الوسائل الإعلامية، مع العلم أنّ هذا التسريب مخالف، كون التقارير قيد التحقيق لدى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ولم تتخذ الوزارة أي إجراء بحق من سرّب هذه التقارير. ليبقى السؤال:” مع عرض كل التجاوزات السابقة.. ما الإجراء الذي اتخذته الوزارة لضبط عمل المفسدين بحلب..؟!”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version