Site icon هاشتاغ

عن “دفء” الغربة و”برد” الوطن

خطوط حمراء

هاشتاغ_لجين سليمان

تلقيت دعوةً للذهاب إلى منتجع يقدّم علاجا صينيا تقليديا لتحسين الصحة العامة، إذ يساعد في انتظام معدل ضربات القلب والحفاظ على التنفس الرئوي السليم.

شكّلت الدعوة فرصة مغرية بالنسبة لي، لا رغبة مني في تلقّي العلاج، بل فضولا للتعرف على هذا النوع من الطب، خاصةً وأنه قد سبق لي وقرأت عن الدور الفعال الذي يلعبه العامل النفسي في هذا النوع من العلاجات.

كان العلاج عبارة عن غرف خشبية متتالية لكل منها درجة حرارة معينة مع أبخرة تنطلق بشكل كثيف، وقد كتب على كل غرفة الاستطبابات المتوفرة ونوع الأعشاب المستخدم وهو ما يشبه مبدأ “الساونا” لكن على الطريقة الصينية. دخلت الغرفة الاولى وإذ بدرجة حرارة مرتفعة وأبخرة زكية تنطلق مع ساعة رملية على الحائط كي لا تتجاوز مدة الجلوس في الغرفة الوقت المحدد، خاصة وأنّ العلاج لا يكتمل سوى بزيارة الغرف جميعها.

مع مرور الدقائق بدأ الحاضرون بالاستراخاء نتيجةً لتأثّر أجسادهم بالبخار والحرارة المرتفعة. أما أنا فكنت أجلس على المقعد الخشبي متصلبة وكأني أصبحت خشبة مثله، فلا شعور بالاسترخاء ، كنت فقط أستمتع بالدفء، كان من معي يحرّكون رقباتهم بمتعة فقد فكّت آلام الرقبة والأكتاف، وأنا أنظر إليهم بشيء من الاستغراب “هل قطعتم كلّ هذه المسافة لفكّ آلام الرقبة..وهل حقّا تؤثّر هذه الحرارة على عضلات أجسادكم فترخيها!…يا له من أمر غريب!”

ارتفعت درجات الحرارة وكادت تكون غير محتملة بالنسبة لهم، وما هي إلا ثوان حتى دقّت الساعة الرملية معلنة عن انتهاء الجلسة، وكان الكوخ التالي بانتظارنا، أخبرت المشرفين أني أرغب بالبقاء لوقت أطول، وادعيت أنّ ألم رقبتي لم يزول وأنني بحاجة إلى “استرخاء” أكبر ,,تفاوضت معهم حتى سمحوا لي بربع ساعة أخرى.

وفي الحقيقة لم أكن أشعر بأي استرخاء كنت فقط أستمتع بالدفء، كان صوت صديقتي يرنّ في أذنيّ وهي ترتجف بردا في دمشق دون أي وسلية تدفئة، وكلما ارتفعت درجات الحرارة أكثر كنت أشعر برغبة في الدفء أكبر، ولكن مع الأسف دقّت الساعة مجددا وكان عليّ أن أغادر الغرفة ..حاولت التفاوض معهم على ربع ساعة أخرى، ولكن من غير جدوى، وصلت إلى مرحلة توقعت فيها أن أقرأ في نشرات الأخبار الصينية “كائن سوري غريب لا يشعر بحرارة الغليان”.. سألني أحد المشرفين “يبدو أنك تكرهين الطقس البارد؟..”

ابتمست وأجبت: “جدا”… وقلت في نفسي”هل تعلم ما هي أنواع البرد التي نعانيها حتى تحمّلت كل هذا الدفء، في الغربة نحتاج دفء الوطن، وفي الوطن نحتاج دفء الغربة. نقرر الهجرة بحرا لأن السفر الشرعي محظور على جنسيتنا السورية، فنحيا برودة البحار وقد نصل أو لا نصل. نقرر البقاء على الحدود ريثما تفتح البلاد أبوابها ونعود، فنتعرض لبرد الخيمة. نراجع أنفسنا قليلا ثمّ نقرّر البقاء بالقرب من عائلاتنا فلا دفء أكبر من دفء الأسرة، حيث تمسي علاقاتنا أكثر برودة من كانون، ونندم لأننا لم نسافر ونؤمن الدفء المادي لهذه العائلة الباردة. نعم هكذا نحن مشتتون، لا نعرف مصدر الدفء، ولكل ثانية استقرار ثمن ندفعه، وبعد هذا كله تريدون أن أترك غرفة دافئة من أجل الصحة العامة وانتظام ضربات القلب!”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version