Site icon هاشتاغ

تصورات ليوم مختلف

هاشتاغ  _ نضال الخضري

في نهاية الثمانينات (1988) انتقل عيد الأم من 13 أيار/مايو إلى 21 آذار/مارس، ولا يغير ترتيب التاريخ من الوقت الذي يحمله لكنه وصل عمليا إلى الانقلاب الربيعي، وإلى المساحة التي تشكل دائرة سورية؛ تبدأ بحالات الخصب التي أوجدتنا وصاغتنا على قياس دورة الحياة، وتستمر باتجاه كل من جعل الحياة إسقاط للطبيعة التي نألفها جميعا.

انتقل العيد ليرسم جامعا محددا يخلصنا من عقدة خاصة ويعيد رسم الأم على شكل الآلهة التي لم تكن معتقدا قديما، بل تصورا لكل تفاصيل الحياة التي تلفنا، فنحن في النهاية نلتفت إلى الوراء فلا نجد وجوه أمهاتنا فقط إنما الخط الذي يصلنا مع ماض سحيق ثم يدفعنا نحو الحاضر وتداعيات الخوف الذي يرافقنا في زمن الحروب.

في قصة الأم والربيع هناك محاولة للهرب من كل القيود التي تحد تصوراتنا، فالحروب التي نشهدها تجعلنا نتعثر بكل حدث عادي، في وقت تبدو الطبيعة بتضاريسها الصعبة أكثر “ليونة” وقدرة على طرق ذاكرتنا، فيسرقنا تحدي التجدد ويجعلنا نعانق الحياة أو نطوقها من جديد، فالربيع يأتي رغم القسوة والبرد القارس، ولا يبالي بالعتمة التي تلف الشوارع، لأنه مزيج من اقتران الزمن مع التجدد.

هل علينا إعادة رسم أنفسنا في بداية الربيع، أو في عيد الأم ونيروز و.. ليس مهماً أن نلاحق الأسماء، ففي النهاية نحن عاجزون عن كتابة إيديولوجية للطبيعة، أو تحميلها إرث المواقف السياسية، وشيطنة تمردها على قيمنا التي تريد وضع جداول بآلية السعادة للبشر، ففي تحول نيروز\الربيع هناك حالة هزء مستمر من عجزنا على ترويض الأخرين، وكتابة الطبيعة على شاكلة التاريخ السياسي.

لا أحد قادر على فهم الانقلاب الربيعي مثل الإناث، فهن إسقاط مرهف لكل تحولات الطبيعة، ولن يستطيع أي سياسي أن يرسم خوف أنثى من تلوينات المواقف السياسية، فهي وحدها التي تتلمس الدمار الذي تتركه الحروب على مساحة الطبيعة، وعلى امتداد التواصل منذ أن تشكلت المروج ، فصور الحروب لا تشوه الذاكرة فقط، بل تجعلنا نتذكر الموت في تموجات شقائق النعمان.

المسألة ليست مرثية لأم فقدناها أو مازلنا نراها وينساب حبنا نحوها، فالانقلاب الربيعي هو واجب لظهور “الخلق” وابتكار الجمال، وهو ظاهرة تسرب الحب في زمن القلق المفزع، فتنقلب الطبيعة وتبقى الحروب، وتستوعب الأرض كل الغرور الذي نقدمه على شكل عنف وغطرسة، وتعيد تشكيل نفسها مثل أنثى غارقة في العشق حتى الثمالة.

نهرب إلى “عيد الأم” لأنه أوسع تصور للانقلاب الربيعي، أو من جعله حكرا على مجموعات دون أخرى، فهو لنا جميعا وهو تحدينا لعمليات الشيطنة التي ابتدعها البعض، ثم نعيد رسم الحلم من جديد.. حلم على قياس الصور التي تظهر في انبثاق ضوء أو زهرة بعد شتاء عاصف.

لا نملك سوى خيار الذهاب مع انقلاب الحياة ضد زمن الكراهية، ثم نرسم الرؤية التي تجعل الجمال موقفا يتجاوز السياسة وتقلباتها التي لا تنتهي، ثم ننتظر انقلابا آخر يولد مع استمرار الحياة.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version