Site icon هاشتاغ

الصمت المرعب

هاشتاغ-رأي-نضال الخضري

أصبحت غزة مساحة إعلام يستهلك أي غضب أو تفكير أو حتى فعل سياسي واضح، فمنذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى بدت محظات البث كبطل إضافي يريد التعويض عن فجوة الوجود الاجتماعي في الحدث.

 

وما نعرفه اليوم هو المأساة فقط أو التصريحات “الإسرائيلية” التي تُبث مباشرة على الهواء، وحتى المظاهرات في العالم فهي مدفونة داخل الخبر الذي يرسم مأساة الغزاويين وسط صور “وسطاء الهدنة”.

 

الصمت الاجتماعي لا تغطيه أشكال الغضب التي تظهر فجأة في الشوارع ثم تغيب بنفس الطريقة التي بدأت بها، فهناك جمهور واسع يراقب الحدث ويشتم أو يغضب ثم يعود إلى الشاشات كي بتابع عمليات القتل الممنهج.

 

وحرب غزة ربما تكون فريدة في استجابة الثقافة لها، فتحن نبحث عن صوت يجعل السياسة تدحرج من الهدنة إلى الصدام، ومن شاشات الفضائيات إلى غضب في الدبلوماسية.

 

ورغم أننا نعيش فصلا دوليا هو الأكثر وقاحة منذ بدء الحرب في فلسطين، لكننا في نفس الوقت قادرون على عقد مؤتمرات دولية، والابتسام للعدسات وحتى تعداد الإنجازات.

 

في دمشق وقبل أيام أصدر الأب الياس زحلاوي رسالة للعالم تشكل صوتا وسط السكون، وقدمت صورة للصراع غير مسبوقة من رجل دين، والرسالة التي لم تعبر نحو شاشات الفضائيات

 

هي مثال عن حصار آخر لغزة من قبل “الإعلام”، فلا وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على الاختراق في ظل التزامها بـ”أمن إسرائيل”.

 

ولا الإعلام التقليدي يريد كسر المساحة المفروصة على غزة اجتماعيا وثقافيا، فالتضامن والغضب والتظاهرات ليست كسرا للصمت، فنحن ما زلنا أمام سياسة وثقافة لا ترى في غزة سوى فرصة لتعزيز أدوارها.

 

الفن لإنتاج دراما طبق الأصل عن المسلسلات التركية، والفضائيات تطلق مسابقات هي نسخ مكررة عن الترفيه في العالم الذي يشاهدنا ونحن نُقتل، وإبداعنا يدور في فلك عولمة “الجوائز” التي قدمت أدبا يقارب هموما ثقافية ربما لا يعرفها الكثيرون في مجتمعاتنا، فكيف يمكننا أن نرى الحرب في غزة بعين مختلفة؟ وهل يمكن للمجتمع أن يتحرك خارج أقنية الإعلام والتماذج البراقة التي تظهر في بعض المدن وكأنها خلاصة الحضارة؟

 

كان يمكن للحرب في غزة كسر النمطية التي اعتمدناها في نقل مظاهر البهرجة إلى شوارعنا، وكانت قادرة أيضا على كسر حاجز الرعب من “إبداعات الغرب” وعدم اعتبار ثقافتنا “فولوكلورا” للمناسبات، لكنها حرب حصار متعدد الاتجاهات، وحرب إنهاء نماذج ثقافية بالضربة القاضية، لصالح “ترف ثقافي” يمكن رؤيته في الدراما التلفزيونية أو في “الإبداعات المعلبة” فنيا وعلميا وإعلاميا.

 

حرب غزة مرعبة بصمتها الثقافي – الاجتماعي لأنها على ما يبدو ضرورة لفرز عالمين: الأول يظهر في المأساة التي لم تبدأ فعليا بدمار غزة بل سبقتها مدن عربية أخرى، والثاني يختال بلون سياسي – ثقافي يحمل بوقا بصوت يحاصر الجميع ويدفعهم للصمت ومشاهدة الحدث كمصير محتوم، فهناك عملاق عسكري يطوقنا، ومارد إعلامي يفرض الصمت ويسرق أدوار الجميع.

Exit mobile version