Site icon هاشتاغ

في دمشق.. “عصة القبر” تلاحق أسرة المتوفى.. و “التعزية أونلاين” خيار بديل!

هاشتاغ – غسان شمه

الموت حق لا ملجأ منه لهارب، ولكن كما يقول الناس في دمشق، “الشقى على من بقى” وهذا “الشقى” قد يكون عبئاً نفسياً ومادياً على من فقد أحد أفراد أسرته، لكنه عبءٌ مضاعف مادياً، يثقل كاهل الأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود.

“من غادر دنيانا ربما حظي بالراحة الكبرى تاركاً الركض في دروب التعب لأهله وعائلته في ظل فلتان للأسعار يلتهب سعيره باستمرار بين المستشفى ومكتب الدفن” وفق ما يقول لهاشتاغ أحد الذين مروا في هذه التجربة المريرة..

قبل فترة وجيزة توفيت ابنته في مستشفى عام، ما تطلب منه القيام بالعديد من المعاملات من أجل الدفن. يشرح الأب محمد الشربجي سير المعاملات وتفاصيلها فيقول:

“يُدخِل المستشفى المتوفى إلى البراد، ثم تقوم إدارة المستشفى بإعطاء صاحب الأمر ورقة لإعلام مكتب الدفن بالواقعة”.

ويضيف: “يتوجه صاحب الأمر بعدها ليقدم طلباً من أجل نقل المتوفى للمقبرة المخصصة بعد دفع الرسوم والتكاليف لدى صندوق المكتب المالي”.

عقب ذلك، “يقوم المكتب بتخصيص سيارة وبعض العاملين من أجل الغسل وحفر القبر والدفن، وفوق ذلك لا بد من بعض النفقات الجانبية”، كما يقول الشربجي.

بلغت تكلفة الدفن ما يقارب المئتي ألف ليرة، وفقا للشربجي، مع العلم أن المدفن مملوك لأسرة المتوفاة.

تكاليف الدفن

مكتب الدفن، التابع لمحافظة دمشق، قدّم الأرقام “الرسمية” المعتمدة من قبله كأجور للدفن، حيث تصل تكلفة الدفن في أي مقبرة في دمشق إلى 115 ألف ليرة سورية.

وترتفع هذه الأرقام إلى 145 ألف ليرة مع الكافور والحنة والمنشفة، شريطة أن تمتلك أسرة المتوفى مدفناً في المقبرة المخصصة، في حين تصل التكلفة إلى 279 ألف ليرة بالشروط السابقة. مضافا إليها تخصيص قبر في مقبرة نجها التي تقع في ريف دمشق.

في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، وظلال الفقر السوداء التي تفرض نفسها، بشكل واضح، على أعداد متزايدة من الناس، ارتأى القائمون على المكتب القيام بأعباء الدفن لغير القادرين، في مقبرة نجها تحديداً. حيث ينزل المتوفى كضيف لمدة خمس سنوات فقط، وفق ماتقول مصادر المكتب.

شواهد القبور

جال “هاشتاغ” على بعض المحلات والورش التي تصنّع وتبيع شواهد القبور. ثمّة شواهد متعددة الأشكال والأحجام، وهي بالعموم من “النوع المتوسط” وتتراوح أسعارها ما بين المئة ألف وأربعمائة ألف ليرة،

وتعتبر هذه الأرقام مرتفعة الثمن بالقياس إلى نوعيتها، لكن حسام غزال، العامل في هذا المجال منذ سنوات طويلة يبرر ذلك بالقول: “الغلاء يعود لأسباب عديدة، أولها الغلاء الكبير على جميع المواد في السوق.. ثانيها أن رخام هذه الشواهد يحتاج إلى الكثير من العمل، بدءا من استخراج الحجر من المقالع، ثم نقلها إلى الورشات.. وهنا تتم عمليات القص والجلخ والجلي، وجميعها تكلف كثيراً إضافة إلى ارتفاع أجرة اليد العاملة.

وأضاف: إن أحجام الشواهد ونوعيتها، وشكل الكتابة على الشاهدة، وطريقة الكتابة بين حفر نافر أو غاطس، سيزيد من السعر بالتأكيد.

صالات العزاء.. أرقام متباينة

تتوزع صالات العزاء في مختلف المناطق والأحياء في مدينة دمشق، بين صالات خاصة، وخيرية أو شبه خيرية، وصالات النقابات. وتختلف أجورها بشكل كبير وفق مستوى الخدمات ومكان الصالة الذي يفرض شروطه.

في المناطق الشعبية، وتحديدا في المنطقة الواقعة بين كفرسوسة والفحامة ثمة صالة متواضعة (صالة زيد)، بأجر متواضع “200 ألف يومياً” .

يؤكد القائم على الصالة (لؤي أبو زيد) أنها “ملك لجماعة من أهل الخير، وغايتهم تيسير أمور الناس لوجه الله”..

في نفس الحي هناك صالة أخرى (القصر الشامي)، أكبر قليلاَ. يقول المشرف عليها (أبو زهير): “نتقاضى 300 ألف يومياً مقابل الحجز للرجال والنساء، وغايتنا عمل الخير قبل كل شيء”.

إذا ما انتقلنا إلى منطقة المزة نجد العديد من “العروض”، ففي صالة من النوع الوسط، وفي حي جانبي، يصل المبلغ إلى 750 ألف ليرة للرجال والنساء ولمدة يومين. ولكن الرقم يختلف إذا خرجت إلى صالة على الشارع العام ويصل إلى 900 ألف ليرة بنفس الشروط السابقة التي تتضمن القهوة والمشروبات الساخنة وأجر القارئ.

أما في منطقة أوتستراد المزة، فتتقاضى صالة نقابة المعلمين مبلغ مئتي ألف ليرة لحجز مدته أربع ساعات للرجال والنساء دون خدمات، ويرتفع إلى 300 ألف ليرة فقط لغير الأعضاء.

خيارات أخرى

بالمقابل؛ ترتفع أسعار بعض الصالات إلى أرقام كبيرة. حيث يصل أجر إحدى الصالات في منطقة “راقية” إلى مليون ليرة. وبعد محاولة “نقاش” قصيرة، أنهى المستثمر الحديث وتحجج بأنه غير قادر على “الجدل”.

في صالة أخرى، في منطقة “راقية” أخرى، تبلغ التسعيرة مليون ليرة، ولكن لأربع ساعات للرجال والنساء مع كافة الخدمات. اشترط المستثمر عدم ذكر اسمه أو اسم الصالة مبررا ما يطلبونه بالقول: “أخي سجل عندك، كل الأسعار مرتفعة، القهوة والشاي والسكر والليمون وغيرها.. وأجرة اليد العاملة.. ونحنا كمان عم نشتري الغاز والمحروقات بالسعر الحر”.

وفي صالة كبيرة لإحدى الجمعيات المرخصة، بمنطقة راقية في المزة، ثمة إعلان أُلصق على لوحة الإعلانات في مدخلها، وحدد الأجر بشكل واضح “حيث تتقاضى 600 ألف لساعتين سواء للرجال أو النساء ومن دون خدمات.

ترخيص فقط !

للوقوف على مرجعية هذه الصالات، نفضت مديرية أوقاف مدينة دمشق يدها من المسؤولية. وأكد مصدر فيها أنه لا علاقة لها بالصالات الخاصة، وأن الأمر عائد لمحافظة دمشق.

في المحافظة، أكدت مديرة مكتب المهن والتراخيص أن عمل المكتب يقتصر فقط على إصدار الترخيص للمواطنين الراغبين بترخيص صالة خاصة.

وبناء على ذلك يبدو أن الأجر يتعلق برغبة من يريد استئجار هذه الصالة أو تلك، وأن الأجر يحدد وفق ما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين (المالك والمستثمر للصالة).

سكرة صغيرة..!

العديد من أصحاب الصالات الخاصة والمستثمرة أكدوا خلال الحديث معهم أنهم سيقدمون لنا “سكرة صغيرة” في حال قررنا إقامة العزاء في صالتهم، في حال كان العزاء لمدة يومين أو أكثر.

هذه “السكرة” تلقي الكثير من الظلال حول الأسعار التي تبدو دون ناظم واضح سوى ما يراه أصحاب تلك الصالات..

مقارنة بسيطة

بالنظر إلى تفاصيل الصورة وتناقضاتها فإن أية مقارنة ستكشف الأثر الكبير على الموظفين والفقراء، حيث يبلغ دخل الموظف الشهري وسطيا 100 ألف ليرة. في حين تبلغ تكاليف الدفن والعزاء، في صالة متواضعة ليومين، نحو 700 ألف ليرة. وهذا الرقم يزيد عن وسطي دخل الموظف لسبعة أشهر تقريباً..

بين سنتين

وبالمقارنة مع ما سبق، يقول عمار أبو لبادة في حديثه عن الفروق الهائلة في الأسعار خلال سنتين فقط: “توفيت أختي في عام 2020 وقد أقمنا العزاء في صالة كبيرة وسط المدينة، وبلغت الكلفة 225 ألف لثلاثة أيام مع الخدمات كافة..”

تعزية “أونلاين”

الموت حق والعزاء واجب له تقاليده في الموروث الاجتماعي، وفي الثقافة الفردية والجمعية التي يصعب على الكثيرين تجاهلها. لكن ضريبة الأسعار والأجور الباهظة، بالنسبة للكثيرين، باتت تدفع العديد من العائلات للبحث عن بدائل توفرها وسائل التواصل الاجتماعي في ظل جائحة كورونا، إذ صارت نافذة فرج للبعض لاختصار كل ماسبق..!

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version