Site icon هاشتاغ

لا دخان أبيض فوق دمشق!

هاشتاغ سوريا- رأي كمال شاهين

لم يستطع الدخان الأبيض الصاعد من دمشق بعد تكليف المهندس محمد حسين عرنوس تشكيل الحكومة السورية الجديدة، أن يغطي على الدخان اﻷسود الواصل من انفجار خط الغاز العربي الذي أغرق سوريا بكاملها في العتمة ﻷكثر من يوم، فعلى ما يظهر أن اﻷمر كان أكثر من متوقع، والخبر عادي ولا ضجيج حوله، فلا جديد في السيرة السورية إلا التكرار.
يأتي تكليف المهندس عرنوس ـ الذي نال نصيبه من تعليقات السوريين على منصّات التواصل الاجتماعي إثر عزل الرئيس السابق لمجلس الوزراء المهندس عماد خميس في حزيران الفائت بغاية تخفيف الاحتقان في الشارع السوري، واتهامه باختلاسات تجاوزت 300 مليون دولار، ليُفاجأ السوريون به في الساعات الأولى من صباح انتخابات مجلس الشعب يقترع في أحد مراكز العاصمة، وتلتقط له الصور وتنتشر في فضاء التواصل الاجتماعي السوري بكثافة غطّت على زيارات مسؤولين كبار آخرين، تشير مصادر غير رسمية إلى أن الرجل يعيش في العاصمة قيد اﻹقامة الجبرية.
لا أحد يعرف من كان صاحب هذه الفكرة التي وجهّت للشارع السوري رسائل ثقيلةً اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي من جديد، مذكّرةً بأن نتيجة مكافحة الفساد المعلنة في البلاد لن تختلف عن تلك التي حدثت مع وزير التربية السابق هزوان الوز، وأن ما يحتاج السوريون لسماعه واﻹحساس به في حياتهم اليومية ما زال في علم الغيب، ويتجاوز التقاط السيليفيات هنا وهناك لهذا الوزير أو ذاك النائب.
جاء تعيين عرنوس، الوزير في الحكومات السابقة منذ العام 2013، عقب إقالة المهندس خميس، في حزيران الفائت، لتسيير أعمال الحكومة ـ إضافة لمهامه وزيراً للموارد المائية ـ ثم تكليفه رسمياً برئاسة الحكومة السورية الخامسة خلال الأزمة، مع صدور المرسوم رقم 210 للعام 2020، في ظل عجز حكومي واضح عن حل معظم المشاكل التي يعاني منها السوريون منذ عقود، وكّرستها الحرب بطريقة أكثر حدّة، من الماء إلى الكهرباء، إلى انهيار متسارع لقيمة العملة الوطنية، بالتوازي مع انتشار جائحة كورونا على نطاق واسع في البلاد (كل يوم هناك تسجيل إصابات ووفيات جديدة) التي تجاوزت إمكانات الجميع في ظل العقوبات اﻷميركية الجديدة التي تسببت في شلل شبه كامل للبلاد، وهو ما يجعل مهمة الوزير العتيد مهمة قاسيةً وصعبة لا شك.
ينتمي الوزير عرنوس إلى الجيل القديم من البعثيين (مواليد 1953)، وليس لديه في سجله الوزاري واﻹداري إنجازات واضحة تجعل منه رئيس مجلس وزراء استثنائي في ظل الظروف السورية الراهنة، وتوضح أحاديثه لوسائل اﻹعلام أن خطابه لا يختلف كثيراً عن خطابات الوزراء اﻵخرين، وأثناء فترة وزارتيه ـ أشغال وموارد مائية ـ لم يحقق اختراقاً في أي من اﻷزمات المتراكمة منذ دهر على السوريين (السكن والمياه أولها)، وهو ما جعل التعليقات عليه على منصات التواصل (ترمومتر السوريين الحقيقي) عادية ولا جديد فيها ولا حتى توقعات بأي تغيير.
سيقوم الوزير عرنوس بتشكيل حكومة جديدة، تشير مصادر متقاطعة إلى أنها لن تكون كبيرة ولا مؤثّرة، وسيكون بيانها الحكومي مشابهاً للبيانات السابقة متضمناً نفس التوجهات في تقليل الهدر ومكافحة الفساد وتأمين الموارد ودعم الصناعة الوطنية وغيرها من المفردات التي لا تجد تطبيقاً عملياً، فليس هناك من محاسبة حقيقة ﻷعمال الحكومات السورية منذ عقود.
وبما أن الانتخابات الرئاسية ستكون العام المقبل، فإنه على اﻷرجح لن يتاح لهذه الحكومة القيام بأعمال خارقة للعادة في السياق المحلي الخدمي واﻹنتاجي أو غيره، لا بل تشير المقدمات الحالية إلى تصاعد في اﻷزمة الاقتصادية على مختلف الجبهات، كان آخر مفرداتها أزمة قطاع الدواجن بعد أن فرضت حكومة خميس رسوماً بقيمة 40% على أسعار اﻷعلاف المستوردة ولم تغيرها حكومة عرنوس المؤقتة، مع تناقل الشارع ﻷحاديث بوجود نية لاستيراد الفروج المجمد من قبل أشخاص نافذين ومعروفين.
يفصلنا عام تقريباً عن الانتخابات الرئاسية، وهذه ليست مدة زمنية قصيرة بقياس حياة الشعوب، وخاصةً في ظل الظروف السورية الاستثنائية الراهنة، إذ أن كل يوم في حياة السوريين يختلف عن سابقه، وكل يوم نتأخر به عن البحث عن حلول جذرية لمشاكلنا سوف يتسبب لنا بمزيد من الانهيار، ولن يكون هناك حلول ناجزة إلا داخل البلاد.
وإذا صحّ أن الصفحة الموجودة على منصة الفيسبوك هي فعلاً للوزير عرنوس (لم تُحدّث منذ العام 2016)، فإن ما سيحدث في عام لن يكون كثيراً. وإن غداً لناظره قريبُ.

Exit mobile version