Site icon هاشتاغ

مؤتمر بروكسل.. إخفاق المانحين

هاشتاغ_رأي نضال الخضري

ترحل السياسة فيظهر المانحون على شاكلة “أبطال هوليود” فخرافة الخلاص تبدو بحلتها الإعلامية، وكواليس بروكسل في عمقها هي الأزمة، وربما الشكل الأكثر سوداوية لقدرتنا على رفض ذواتنا، والنظر من أضيق الثقوب للتلصص على عالم متقلب، فالمانحون هم ذاتهم لا يتغيرون والمسألة السورية تكرار ممل لنظريتها اللبنانية والفلسطينية، فالأوروبيون حريصون على المنح التي تثبت العجز وتقرر حالة الافتراق داخل المجتمع.
في بروكسل بدائل غير سورية رغم تواجد وفود من السوريين، وفيها أيضا إقرار بأن العالم يحمل “شفقة” تشبه تصورات لعالمين: الأول يحمل الرحمة والثاني يتصارع مع ذاته، بينما يتحدث المبعوث الأممي الخاص بسوريا (غير بيدرسون) بأن:” السوريون لم يكونوا يوما بحاجة إلى دعمكم أكثر من الوقت الحالي”، فرؤية الحل السياسي تغيب ويزحف نحو العالم “الحاجة” و “الفاقة” كمشهدين يلازمان “المنح”، وبرامج “فرض” السلام بكسر قدرتنا على تلبية احتياجاتنا.
رواية مؤتمر بروكسل بنسخته السادسة لا تحمل تشويق “الإصدارات” السابقة، فحرب أوكرانيا تتسرب نحو كل أشكال الدبلوماسية، وتغطي مساحة الأزمة السورية وتجعلها “منمطة”، ولاحقة لوضع أكبر ولنظام قيم يقسم العالم لأخيار “ديمقراطيين” وفئة تحتاج للدول المانحة كأي تحصيل على إجازة في “الحقوق” و “الواجبات”، وربما تصبح كل الأحداث سياج حول عالم يمنح “الحق المطلق” و “الصواب النهائي”.
كل تمسكنا بـ”الحداثة” يتكسر اليوم مع عالم المانحين الذي يقر مسبقا أننا في دمشق لا نستحق “إعادة الإعمار”، وأننا كمجتمع نسير باتجاهات تتكسر وفق رغبات المانحين، و “المجتمع المدني” هو مسار أحادي الاتجاه لا يمكن توطينه سوى في القارة العجوز، لكن الحداثة ليست حلما ولا جغرافية محصورة ضمن لون واحد، فهي طيف لوني يشد من يعشق الحياة بعيدا عن المانحين، ويفهم أن خلق عوالم يفوق كل “المرثيات” التي ترسم العالم بتصورين فقط.
“حداثتنا” التي لم تظهر بعد ليست معلقة على أبواب المانحين، وعودتنا للحياة يمكن أن تنطلق من رؤية فريدة بتفكير حداثي وليس بمتلازمة البقاء على الحدود مع “أوروبا”، فالبحث في النهاية عن مسارات أزمتنا لا يصب في تلك العواصم إلا لاستمرار المعاناة، وموطن “الحداثة” هو حالة إجرائية، بينما الإبداع ليس مضطرا للمرور على عواصم المانحين، لأن روح الحداثة لا تملك جغرافية بل “فضاء” قادر على استيعاب من يريد الدخول في عوالم الإبداع.
يلملم المؤتمرون أوراقهم في بروكسل، بينما تسطع الأرقام كتعبير نهائي عن القدرة للدول المانحة، ومركزها “المطلق” الذي يمنحها الحق في تقرير مصائرنا وقيمنا وحتى مراتبنا من سلم الديمقراطيات، وعندما تفرغ القاعات فإن “سورية” تنتقل من المانحين إلى إشكالية البحث عن الخروج من “هرطقات” دبلوماسية ترسم العالم بحدود فاصلة لا يمكن عبورها دون طقوس نكران ذواتنا وقدرتنا على رسم عوالم لمستقبلنا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version