Site icon هاشتاغ

ما فعلته الحرب..

الحرب

مازن بلال

هدأت الأعمال القتالية منذ ستة سنوات، وباتت الجبهات في سورية محددة وفق خطوط جغرافية لتوازن عسكري مفروض دوليا، سواء عبر التواجد الأمريكي في الشمال الشرقي، أو من خلال الشريط التركي على طول الحدود مع تركيا، لكن الحدث العسكري لا يشكل نهاية التداعيات المرتبطة بالأزمة السورية، وحتى لو ظهرت تسوية ما على المستوى السياسي فإن النسيج الاجتماعي هو الأساس في إعادة رسم الاستقرار القادم، وهذا ما تؤكده الأحداث المأساوية التي جرت مؤخرا في الصنمين.

وبغض النظر عن التفاصيل التي حدثت في مدينة الصنمين وعدد الضحايا، أو حتى في مجمل ما يحدث في محافظة درعا التي تشهد حوادث أمنية شبه يومية، فإن عمق الحدث يرتبط أساسا في إعادة رسم العلاقات لمرحلة ما بعد الحرب، فالتفاهم الأمريكي – الروسي الذي تم على أساسه إنهاء المعارك في محافظتي درعا والقنيطرة؛ بقي إجراء لمحاصرة “بؤر التوتر” على مثلث الحدود السوري – الأردني مع “إسرائيل”، لكنه في المقابل حد من إمكانية تصفية الحالة المسلحة، وبقيت محافظة درعا مساحة مكشوفة تنتظر “الحل السياسي” المتوقف منذ أعوام.

عمليا فإن سلطة الدولة السورية عادت للمحافظة المنهكة من الحرب، ولكن إعادة ترميم “النسيج الاجتماعي” بقيت ضمن مساحة مفتوحة مع السماح لعناصر الفصائل المسلحة بالاحتفاظ بأسلحتها الفردية، وهذه النفطة تحديدا تعطي لـ”السلاح” حالة رمزية خاصة بالنسبة للمنطقة، لأنها نوع من الاعتراف بشرعية “استخدام العنف” خارج سلطة الدولة، وهو ما يفسر جملة الأحداث الأمنية التي تجعل النسيج الاجتماعي عموما دون إطار واضح يرسم علاقاته الداخلية أو حتى صلاته بمؤسسات الدولة.

هذه الحالة السائدة في محافظة درعا هي الشكل “الأكثر تطرفا” لإبقاء حالة النزاع قائمة رغم كل التفاهمات، أو حتى مع عودة سلطة الدولة إلى تلك المنطقة، فوجود السلاح حتى ولو كان فرديا يجعل شرعية الدولة محصورة في إطار “الخدمات”، دون القدرة على تثبيت شرعية واحدة لكافة أفراد المجتمع، في المقابل فإن التواجد المسلح الذي فقد تنظيماته تحول إلى زعامات ضمن المناطق؛ غير قادرة على خلق مصالح في مجتمعاتها المحلية، وفي نفس الوقت تريد الاحتفاظ بمواقعها عبر “السلاح” الموجود بحكم اتفاقيات إنهاء المعارك.

ويمكن ملاحظة طبيعة الآثار الاجتماعية التي أوجدتها “رمزية السلاح”، حيث يصبح الاحتكام إليه تعبيرا عن احتكار القوة في مناطق محددة رغم وجود مؤسسات الدولة، فهو في النهاية حالة “استباحة” لسيادة القانون، وتقييد لشرعية الدولة التي من المفترض أن “تحتكر” استخدام القوة، وهذه الحالة ليست مسؤولة فقط عن الأحداث الأمنية، إنما أيضا عن استمرار “واقع الحرب” حتى دون معارك مباشرة.

خلفت الحرب في سورية “مجتمعات محلية” مبعثرة دون ترابط لمصالحها، وخصوصا في المناطق التي كانت “خزان” الغذاء لسورية في الجنوب والشمال الشرقي، وهذا الأمر كسر دورة الحياة التي تجمع الاقتصاد والسياسة ضمن دائرة واحدة تضمن ترابط أركان الدولة، فما حدث في الصنمين من اقتتال داخلي لا ينقل مشكلة عابرة، لأنه ينقل في النهاية التحديات التي تواجه السوريين كدولة ومجتمع.

Exit mobile version