Site icon هاشتاغ

ما كان “محرّماً” بات “حقاً مشروعاً”: متحولون جنسياً ومثليون عرب يجدون في ألمانيا فرصة لإعلان ميول وهويات جنسية جديدة

متحولون جنسياً ومثليون عرب

متحولون جنسياً ومثليون عرب

هاشتاغ – (رغد البني- ألمانيا)
بعد أن غابت عن أمها عامين متوجهةً لدار رعاية الشباب في ألمانيا، التقت “لينا” صدفة بوالدتها في الطريق، فما كان من الأم المكلومة إلا أن استوعبت ابنتها واحتضنتها متأملةً منها العيش ضمن إطار العائلة التي خسرت الأب بجلطة قلبية إثر تغيب ابنته عن البيت.
لكن فرحة العودة لم تتم، فالفتاة التي خرجت من بيت أهلها أنثى عادت إليه ذكراً، مغيرةً اسمها، وبالأحرى اسمه، من “لينا” إلى “انغو” وهو اسم لذكور ألمان.
الفتاة قصّت شعرها السميك الطويل واتبعت حمية غذائية لتنقص وزنها 10 كيلو تقريبا، بما يخفي علامات الأنوثة في جسمها، وصارت تلبس الفضفاض والطويل تجنباً لأي اشتباه بأصلها الجندري.. ولم تقف عند هذا الحد بل خضغت لاستشارات طبية في مشافي ألمانيا أفضت لإعطائها هرمونات ذكورية تزيد من تصالحها النفسي مع جسدها الذي تريد أن تكون عليه.
وظلت على هذا المنوال حتى تحول صوتها إلى صوت ذكوري تماماً، وبدأت اللحى والشوارب تخط على وجهها، وصار من غير المنطقي التحدث معها بصيغة أنثى.. فالظاهر لكل من يراه أنها شاب مكتمل الذكورة…

الأم الخجولة بابنتها:

تقول أم لينا لـ “هاشتاغ” إن ابنتها كانت مدللة، وأنها لم تعاني من أي حرمان، وكانت مصدر تقدير وفخر للعائلة، لكنها لا تنفِ أن ابنتها لم تكن سعيدة بارتداء الحجاب الذي أجبرها عليه والدها، كما أنها كانت متذمرة من طريقة أمها اللحوحة على دراستها..
وتعترف الأم أنها كانت توبخها إن حصلت على درجات أقل من المعدل الكامل بدرجة واحدة فقط.
وتقول إن عدد المرات التي ضربتها فيها تعدّ على أصابع الكف الواحد.
تقلل الأم من أهمية تصرفاتها وزوجها تجاه ابنتها، بل وتعتبر أن ابنتها عاشت طفولة مميزة لا يحلم فيها كثيرون..
أما الفتاة المتمردة فلها وجهة نظر مختلفة، وترمي بين الحين والآخر كلمات تخفي ما يعتمل في قلبها تجاه طفولتها التي لا تعتبرها سعيدة، وخاصةً أن الحجاب كان يسبب لها ألماً كبيراً، كونه وسّع الفجوة بين ميولها الجنسية ومظهرها الخارجي.
القصة التي نتحفظ عن أسماء شخصياتها بشكل كامل، فيها الكثير من التفاصيل المؤلمة للأم والفتاة، فالأخيرة تتهرب من كل محيطها العربي في ألمانيا وتكره التعامل مع العرب أو النظر إليهم، وكذلك الأم، ولكن لأسباب أخرى وهي أنها تخجل من تقديم ابنتها للمجتمع للتعرف عليها أو الفخر فيها. كما أنها وبعد أربعة سنوات من مصارحة ابنتها لها بمشكلتها الجندرية ترفض تقبل الحالة التي تعتبر الموت عليها أرحم منها، وتتعامل معها على أمل أنها ستعود لما كانت عليه.

وزراء ألمان يعلنون مثليتهم:

رغم كل ألم الأم المفجوعة بتحول هوية ابنتها الجنسية الجديدة، لكن تفصيلاً صغيراً في قصتها، يجعلها أرحم من قصص مماثلين لحالتها وهذا التفصيل هو أن قصة البنت ظلت طي كتمان الدائرة الضيقة جدا من العائلة، وأن الفتاة أظهرت تحولها الجنسي في ألمانيا، البلد الذي يولي اهتماماً خاصا بمسألة المتحولين والمثليين الجنسيين، بل ويعتبر أي ايماءة أو إساءة ضدهم هي خرق يستوجب العقاب.
وصادق البرلمان الألماني في العام 2017 على قانون الزواج للجميع، وبموجبه يسمح بعقد زواج المثليين والمثليات – بل وتبني الأطفال إن أرادوا. كما لا يجد عمدة برلين السابق، كلاوس فوفرايت ضيراً من القول في مؤتمر رسمي: “أنا مثلي، وهذا أمر جيد أيضاً”.
وكذلك فإن وزير الصحة الألماني الحالي ينس سبان متزوج من الصحفي دانيال فونكه.
استفاد أبناء الجالية العربية من هذا الانفتاح الألماني القانوني والاجتماعي على المثلية والتحول الجنسي، فأعلن بعضهم توجههم الجنسي على الملأ ومن هؤلاء الشاب الحلبي عبد الرحمن عقاد والذي نشر صورته مع والده ووالدته المحجبة “المحتشمة” حسب التوصيف الاجتماعي العربي، وكتب على صفحته الشخصية على الفيسبوك: “خمس سنين كانت كفيلة لتستنزف طاقتي وطاقة أهلي..محاولات انتحار، محاولات إجباري للخضوع لعلاج من مرض مش موجود غير بعقولهم، محاولات لقتلي وتهديدي، محاولة اجباري عالزواج”.
وبين أن أهله تحملوا إهانات من العالم لا يستطيع أحد تحملها، “أهلي اليوم تقبلوني، بيحبوني حب من غير شروط، قدرت أثبت وجودي بيناتهن وأثبت أنو أنا الصح والمجتمع والعادات والتقاليد غلط”.
وختم: الحب انتصر ! وما في لكراهيتكم مكان بيناتنا”
وصوّر”عقاد” بعدها مقطع فيديو يرقص فيه أمام أحد الجوامع، وعلم قوس قزح أو ما يدعى “فخر المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنساً ” منسدلاً على ظهره.

تحريض على الفجور”:

أعادت وفاة الكاتب المصري “سيد القمني” قبل عدة أيام، طرح قصة الناشطة المدافعة عن حقوق المثليين “سارة حجازي” كونه تصور معها قبل أن تعلن مثليتها الجنسية وتنزع حجابها لاحقا، حيث اعتبروا الصورة بمثابة دعم لها ومعرفة مسبقة بتوجهاتها الجنسية التي سجنت على إثرها في مصر باعتبارها “محرضة على الفجور والفسق في المجتمع”.
وعندما خرجت من السجن وسافرت إلى كندا أنهت حياتها بالانتحار تاركة رسالة تقول فيها: “إلى أخوتي حاولت النجاة وفشلت.. إلى أصدقائي: التجربة أقسى من أن أقاومها.. إلى العالم كنت قاسياً إلى حد عظيم ولكني أسامح”.
بعدها تجرأ الفنان المصري هشام سليم ليعلن حالة تحول ابنه نور إلى نورا، وقال: “أنا ما استغربت، لأنها من وقت ما ولدت وأنا كنت شايف إن جسمها ولد، وكنت دائمًا أشك في الحكاية دي”. مبيناً أن أسرته تعامل ابنته باعتبارها ذكراً، وخاصة أن أفكاراً انتحارية راودتها سابقاً وهو لايريد أن يخسرها.
وأشار من جهة أخرى إلى أن المشكلة التي يمكن أن تواجه ابنه “التي كانت ابنته” هي تغيير هويته في بطاقة الرقم القومي، حيث تتشدد القوانين العربية تجاه قضية المثلية والتحول الجنسي، ولا تمنحهم هويات توافق ميولهم الجنسي الطارئ، فيما تعتبر دول المغرب العربي هي الأكثر تساهلاً تجاه التحول الجنسي.
أما عن القانون السوري، فإنه يجرم المثلية الجنسية وفقاً للمادة 520 في قانون العقوبات السوري، التي تنص: (كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات).

أسباب نفسية وأخرى جاءت مع الولادة:

مع زيادة الانفتاح الغربي تجاه المتحولين جنسيا وتقبلهم بنسبة 75% حسب استطلاعات رسمية في ألمانيا، وظهور بعض الباصات بلون علم قوس قزح الخاص بهم، أو معلقا على واجهات بعض المحلات التجارية والمنازل، فإن الجالية العربية بالغرب المنكفئة أصلا على هذه المسألة، صارت أكثر تخوفاً على الأولاد، فهناك أمهات على صفحات مغلقة خاصة باللاجئين يعبرون عن خوفهم لمجرد رغبة ابنتهم بلبس قميص رجالي مثلاً، أو رغبة ابنهم بوضع أحمر شفاه أنثوي، علماً أن معظم الأطفال اختبروا هذه التجربة في طفولتهم من باب الفضول.
وتنتشر أسئلة دينية تجاه هذه المسألة على غرار: هل يجوزخلع الحجاب أمام رجل متحول جنسياً، يقدم نفسه على أنه فتاة وشكله شكل الفتيات؟!!.
فيما يحاول آخرون البحث عن أسباب طبية وراء هذه الظاهرة، وهنا يعلق الدكتور في الطب النفسي “جلال شربا” في تصريح ل “هاشتاغ” بالقول: إنه “ليس من الضروري أن يكون العامل النفسي وراء الاختلاف الجنسي، حيث أن أسباب هذا “الاضطراب الجنسي” إن جاز تسميته بذلك، هي متعددة ولها درجات تتراوح بين الشديدة الكاملة إلى الجزئية البسيطة، وهذه الأخيرة من الممكن أن يكون وراءها حالات مرضية نفسية منشأها طريقة التربية أثناء مرحلة الطفولة أو وجود الخلافات العائلية، أما الحالات الشديدة والكاملة فهي تولد مع الشخص ولا تعتبر أسبابها نفسية”.

أعداد متزايدة و”فعل محرم دينيا”:

قد لا تكون أعداد المثليين والراغبين بالتحول الجنسي في البلدان العربية أقل عن نظيرتها في الدول الأوروبية قياساً لعدد السكان، لكنها تبدو كذلك بسبب حساسية الإفصاح عن ذلك.
يقول الدكتور جلال شربا: إن أعداد المثليين أو الراغبين بالتحول الجنسي الذين يرتادون العيادات النفسية في سورية زادت قياساً بالماضي، ومعظم هؤلاء من الفئة المثقفة المتعلمة التي تبحث وتتطلع لحل مشاكلها النفسية. وعزا هذه الزيادة لعدة أسباب منها تطور النظرة الثقافية إلى العيادات النفسية وزيادة وعي الناس بحل مشكلاتهم الجنسية، كما أن المجتمع ورغم قساوته مع هذه الشريحة من الناس، صار نوعاً ما أقل استهجانا وقسوة تجاه هذه الفئة. لكنه وكنظرة عامة يصنفهم ضمن دائرة المنبوذين والمكروهين اجتماعيا ودينيا باعتبار التحول والمثلية أمور تصنف في دائرة “الحرام”.
وبالعودة لنظرة الأديان، والتي تعتبر أحد أهم أسباب رفض التحولات الجنسية الطارئة، فإن الدين الإسلامي يشدد عقاب ممارسة علاقات مثلية إلى حد القتل، وتتنوع طرق القتل حسب المرجعيات الدينية المتبعة بين الرجم أو الرمي من شاهق ويقصد المكان العالي وبعض يجيز الحرق كعقوبة“، وكذلك فالديانة اليهودية، تعتبر المثلية خطيئة تخالف الفطرة التي خلق الله البشر عليها، إذ ورد في التوراة : “لا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة، إنه رجس، انهما يُقتَلان” .
أما عقوبة المتحولين والمثليين جنسيا حسب المعتقد المسيحي في عصور ما قبل التنوير، فهو الإعدام والتعذيب. أمّا في الوقت الراهن فتحاول الكنيسة ”إصلاح المثليين“ بدلاً من قتلهم أو معاقبتهم.
الطب يراها مسألة لا تستحق العلاج،
وإن كان هناك من يطرح مسألة العلاج كحل لإنهاء من يعانون قهراً من عدم تصالح ميولهم الجنسية مع أجسادهم، فإن د.”شربا” يبين أن “المثلية لم تعد تصنف ضمن الاضطرابات النفسية أو تعتبر حالات مرضية يجب علاجها، وقد أخرجت من تصنيف الاضطرابات النفسية منذ أكثر من عشر سنوات”.
وترى المنظمات الطبية الأوروبية أن العلاج يؤثر سلبا على حياة المثليين والمتحولين، ويمكن أن يؤدي إلى تدني احترام الذات والاكتئاب والتفكير في الانتحار.
وصرح وزير الصحة الألماني المثلي جنسياً “ينس شبان” بأنه يريد أن يتم جعل علاج التحويل غير قانوني، واصفاً إياه بأنه “شكل من أشكال الاعتداء”.
فيما تنصح عيادات الطب النفسي في سورية حسب الدكتور “جلال شربا” بعدم خوض النقاشات مع المحيط حول الاختلافات الجنسية، وضرورة إخفاء هويتهم الجنسية الحقيقية كون ذلك هو أكثر راحة وأخف عبئاً نفسيا عليهم.
Exit mobile version