Site icon هاشتاغ

متى يصبح النفط نعمة لا نقمة ؟

خطوط حمراء

هاشتاغ_رأي أيمن علوش

معظمُ الدول العائمةِ على النفط غارقةٌ في وحلِهِ ومختنقةٌ بغازهِ. هذا ما يقوله واقع الحال في أكثر الدول الغنيّة بالنفط، ولا يمكن استثناء أية دولة من الدول النامية أو دول العالم الثالث.

يُجمع كثير من الباحثين على أنّه لولا وجود النفط لأُمكنَ حلُّ الكثير من النزاعات والخلافات بطرقٍ سلميّةٍ، ولكنّ وجوده يجعل طرق السلام أكثر تعقيداً وبعداً، فما من مصلحة للدول الاستعماريّة في ترك الدول الغنيّة بالثروات تستمتع بعائدات ثرواتها، فمن أجل النفط تُصنعُ الأزمات والحروب، وتُدعم الأنظمة الديكتاتوريّة والجماعات الإرهابية والأحزاب المتطرّفة، ولأجله تُدمّر الدول وتُنتهك كلّ القوانين والقيم الإنسانيّة.

لقد تقاسمت دول الاستعمار التقليدي قديماً جغرافيا العالم، فذهبت جيوشها في كلّ صوب، فهيمنت وقتلت ونهبت، وقصورها ومتاحفها وساحات دولها تُظهر أن حتّى ثقافات الشعوب لم تسلم منها.

أمّا الدول المتمرّسة في الاحتلال، كبريطانيا وفرنسا، فقد وبأت مستعمراتها ببذور صراعات مستدامة، فأنعشت الخلافات الدينيّة والطائفيّة والعشائريّة والعائليّة لتضمن استمرار الصراعات في الدولة الواحدة وبين الدول على الحدود والموارد، بما يُبقي هذه الدول ملحقةٌ بها وغارقة في جملة من المشاكل والتحديات التي تقوّض آمال شعوبها بمستقبل آمن وزاهر.

ليس عبثاً أن تكون معظم الدول الغنيّة بالنفط من أكثر الدول توتراً، وليس عبثاً أن تكون حكوماتها غير ديمقراطية أو أن لا تكون عائدات ثرواتها لشعوبها او أن لا تنعم باستقرار داخلي او بعلاقات طبيعيّة مع جيرانها أو برفاهية تعكس دخلها من عائدات ثرواتها، ولا يختلف اثنان أن المدرسة البريطانيّة كانت دوماً الأميز في إغراق مستعمراتها القديمة بخلافات عصيّة على الحلّ، سواءً في شرق آسيا، أو في الشرق الأوسط أو في القارّة الأفريقية.

ومع تراجع ريادتها الاستعمارية لصالح الولايات المتّحدة مع اكتشاف النفط في مطلع القرن العشرين وزيادة الحاجة إليه، فقد عملت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس على حفظ موقعاً لنفسها إلى جانب القوّة الأمريكية بما يحفظ لها بعض المكاسب التي كانت تجنيها من مستعمراتها.

تتوزع الدول الغنيّة بالثروات بين دول موبوءة بالصراعات الداخلية ودولٍ مشغولة بالتحدّيات الإقليميّة وأخرى يُنهكها الحصار والعقوبات الاقتصاديّة، وجميع تلك الأدوات تجعل الدول الغنية بالنفط والثروات الباطنيّة غير قادرة على الكشف عن ثرواتها أو على استثمارها بطريقة مجديّة، بما يجعل ثروات كلّ هذه الدول رهينة الدول الاستعمارية التي تمسك بخيوط وأدوات تعطيل استثمار الدول لثرواتها، فكل ما شهدناه من حروب خلال العقود الماضية، وما نتج عنه من عسكرة لدول ودمار و حصار وعقوبات ارتبط بمصالح الدول الاستعمارية الكبرى بالسيطرة على مقدّرات هذه الدول، سواء كان نفطاً أو غازاً أو معدناً ثميناً، والأمثلة تمتّد على امتداد القارات، وإن كانت منطقتنا الأكثر تضرراً.

وهيمنة دول الاستعمار الأكبر دفعت بدولٍ لتحتلّ موقع الصدارة في استخراج وتصدير النفط والغاز، في حين تراجعت صادرات دول تملك أكبر احتياطيات النفط والغاز بسبب القيود التي فرضتها دول الاستعمار عليها لرفضها الانصياع، وتهدف الدول الاستعمارية من خلال سياستها النفطية هذه ليس فقط الهيمنة على الحصّة الأكبر من عائدات النفط والغاز، وإنما استخدام النفط كسلاح اقتصادي ومنع وصوله للدول المنافسة لها اقتصادياً أو إيديولوجياً، وكذلك أيضاً لإجبار الدول المصدّرة للنفط على زيادة انتاجها وتعويض النقص الحاصل في السوق العالميّة من جرّاء العقوبات وعدم الاستقرار لتأمين احتياجات حلفائها منه.

معظم دول النفط والغاز والثروات الباطنية مشتعلة، وعائدات النفط في الدول التي تشهد بعض الاستقرار تذهب لشركات السلاح والحماية الأمنية وإعادة البناء، وما يتبقّى منها يُحفظ في المصارف الأمريكية والغربية تحت مقصلة حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية والعقوبات والحصار.

ثروات هائلة لم تجلب لدولها ما يصبون إليه من تقدّم علمي وحكم رشيد وتنمية مستدامة، مما يجعلهم يستحقّون بامتياز لقب”نواطير الكاز”.

Exit mobile version