Site icon هاشتاغ

محلات تصليح الأحذية والملابس تنجو من الانقراض: العوز يعيد السوريين إلى “الرتي” والترقيع

هاشتاغ_ رهام كوكش

اتخذت سمية قرارها الأخير، الذي جاء بعد عدة أيام من التفكير، عرضت البدائل واختارت الأنسب لها. اتجهت مباشرةً إلى محل تصليح الأحذية في عين ترما بريف دمشق.

السيدة الأربعينية صُدمت بارتفاع أسعار الأحذية “الناري”، كما تصفه، وتقول لهاشتاغ: “ارتفاع أسعار الأحذية حسم قراري بضرورة إصلاح حذائي الأسود القديم بمبلغ 6 آلاف ليرة. الراتب لا يكفي لشراء حذاء جديد لا يقل سعره عن 85 ألف ليرة”.

سابقاً، كانت سمية تشتري عدة أحذية بألوان مختلفة، بما يسمح لها بالتبديل حسب ألوان ثيابها، أما الآن فقد اقتصر الأمر على حذاء واحد، لونه أسود. تضحك ضحكة قصيرة، وتقول: “الأسود يليق بكل الملابس. لم أعد أخجل من ارتداءه طوال العام”.

أما أبو أيهم (50 عاما)، وهو موظف حكومي يسكن في مدينة دمشق، يرتدي معطفاً بني اللون، رقّعه أكثر من ثلاث مرات، يقول لهاشتاغ: “هذا المعطف إيطالي الصنع، اشتريته منذ أكثر من 10 سنوات من أحد محال البالة، وكل فترة يحتاج لبعض الإصلاحات. صحيح أنه قديم لكنه يدوم أكثر من الجديد المحلي والغالي في الأسواق حالياً”.

“عملنا ازداد”

يتنقل أبو ابراهيم في أسواق دمشق، يرى محلات تصليح الأحذية مزدحمة، ومحلات الخياطة أيضاً، يقول: “لم يعد الخيّاط ولا الإسكافي يعلمون كيف ينظمون مكان الأكياس في محلاتهم لكثرتها، كل المحلات التي تعتمد على التصليح والترقيع والدرز وإعادة التدوير مزدحمة، بينما تكاد تخلو باقي المحلات من زوارها، هذا واقعنا الذي نعيشه”.

“الغلا دبح الناس”، بهذه العبارة يبدأ أبو محمد، صاحب محل لتصليح الأحذية في حي شعبي بالعاصمة دمشق حديثه لهاشتاغ”.

يقول أبو محمد إن “إقبال الناس على تصليح الألبسة المستعملة كبير جداً بسبب سوء الأوضاع المعيشية. عملنا ازداد، الناس لم تعد قادرة على شراء ألبسة جديدة، تحوّلت إلى تصليحها”.

زوار محل أبو محمد في ازدياد يوماً بعد يوم، يقول: ” أحيانا أقوم بتصليح القطعة أكثر من مرة لحاجتها غالباً وذلك لحاجتها إما للتصغير أو الدرازة أو ترقيع الاهتراء”.

ويلفت إلى أن الزبائن يطلبون تصليح كل شيء على اعتباره أقل ثمناً من شراء الجديد، فعلى سبيل المثال تصليح القميص يكلف 3000 آلاف بينما شراءه قد يكلف من 75 وحتى 180 ألف وذلك يعتمد على نوع القماش وجودته.

ويوضح أن الأجور تختلف من خياط لآخر حسب المنطقة والتفرغ لدى الخياط، فالخياطين المتواجدين في الأحياء الشعبية غالباً يعتمدون على الأجر القليل لكثرة الزبائن، على عكس الخياط المتفرغ الذي يتقاضى أجر أعلى لجودة عمله.

ويشير موفق محمد صاحب محل لتصليح الأحذية إلى أنه “بات يعمل أكثر مقارنة بالسنوات الماضية، وهذا الأمر انعكس إيجاباً على مهنته التي كادت أن تنقرض في سنوات ما قبل الأزمة”، مستدركاً أن “الغلاء وضعف القدرة الشرائية للأغلبية دفع العالم لإعادة تصليح أحذيتهم القديمة”.

ويكمل: “الحذاء الواحد أصلحه أكثر من 5 مرات، غالباً خياطة الحذاء ودرزه تكلفتها 2000 ليرة. إنه حل للكثير من العائلات هنا. تصليحه لمرتين يضمن عدم شراء حذاء جديد طوال العام تقريباً، أما سابقاً فكانت الحياة وفيرة، الحذاء الذي يتمزق يُرمى في القمامة، أو يتم التبرع به للعائلات المحتاجة التي تقوم بدورها بإصلاحه”.

البسطات لم تعد متاحة أيضا”

لا تنكر ديمة، مسوّقة على إحدى صفحات بيع الملابس على الانترنت ازدهار عمل التسويق على الانترنت في فترة ما. لكنه عاد ودخل بالركود مرة أخرى مع الارتفاعات المتكررة للأسعار في الأسواق.

وتشير الفتاة العشرينية إلى نشاط عمل صفحات بيع الملابس والأحذية المستعملة بشكل كبير.

استغنت ديمة عن العمل في صفحة بيع الملابس والأحذية الجديدة. انتقلت إلى بيع المستعملة منها، تقول: “أسعار الملابس والأحذية المستعملة تبقى مقبولة أكثر من الجديدة”.

وبالرغم من ازدحام الأسواق. إلا أن معظمهم لا يستطيعون الشراء، حيث شكى عدد من المتجولين في سوق الحمرا، أحد أشهر أسواق دمشق، من ارتفاع الأسعار، مؤكدين عدم القدرة على تلبية احتياجات العائلة من الملابس الجديدة.

ويعزو خبراء ارتفاع الأسعار إلى انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أجور النقل، ومصروفات أخرى تتعلق بالمحروقات وأجرة المحل ورواتب العمال، ناهيك عن جشع تجار الجملة.

ويؤكد مدير جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي، أن ارتفاع الأسعار شمل كل شيء و ليس الألبسة فقط، فالأسعار ارتفعت بنسبة كبيرة، وبسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن والوضع الاقتصادي الصعب، يلجأ كثيرون إلى شراء الألبسة والأحذية المستعملة.

تقول ربة منزل لهاشتاغ إنّ “ذوي الدخل المحدود لا يستطيعون شراء الملابس الجديدة والتجول في الأسواق هو للفرجة فقط. وحتى البسطات التي رفعت أسعارها لم تعد تنفع مع الفقراء”.

ويقول الخبير الاقتصادي نديم محمد إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون زاد من حدتها عوامل خارجية أدت لصعوبة توفير العديد من مستلزمات العيش من طعام وشراب.

ويشير الخبير في تصريح لهاشتاغ إلى أنّ السوريين يفكرون بلقمة عيشهم اليومية، والتي بات من الصعب تأمينها، ليكون شراء الملابس والأحذية الجديدة “حلماً يصعب تحقيقه في الظروف السورية”.

وبحسب “محمد”، فقد أسهم هذا الحال في انتشار سياسة “دبّر راسك” ومنه اختارت العديد من العائلات موضوع إعادة “تصليح الألبسة والأحذية القديمة”.

وأسهمت هذه الخطوة حسب قول الخبير الاقتصادي في إنعاش مهن “تصليح الملابس والأحذية” التي كادت أن تنقرض في السنوات السابقة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version