Site icon هاشتاغ

مرحلة من العبث..

مرحلة من العبث..

مرحلة من العبث..

هاشتاغ-مازن بلال

طرح الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا ضيق المساحة التي يمكن أن يتحرك بها السوريون، فالمسألة ليست في البعد الإنساني التراجيدي إنما بردود الفعل التي اتجهت مباشرة لأشكال “الإعاقة” في عمليات الإنقاذ، فحجم الكارثة لفت النظر إلى طبيعة “العزلة” التي يريدها النظام الدولي تجاه سوريا، وبالتأكيد فإن أي من المساعدات لن تغير الاتجاه السياسي للأزمة، ولن تقدم أي مسارات جديدة للمجتمع السوري في محنته المزدوجة، لكنها في العمق تضع صورة واضحة للتفكير بالمواجهة القائمة في سورية على أنها “حدية” لأبعد الحدود.

تأثر المواطن السوري بحالة التجاهل العامة، وربما ارتفع غيظه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى التقارير الإعلامية اتجهت لإيضاح الأبعاد الإنسانية للحرب وتأثيرها على تلافي الكارثة التي أوجدها الزلزال، لكن حجم الكلام أو الغضب ليس فعلا سياسيا، وحملات البحث عن كسر الحصار برسائل أو حملات إعلامية هي أيضا خارج البعد السياسي، فالكارثة الإنسانية بـ”منطوق” النظام الدولي هي نوع من المناورة السياسية التي يمكن وضعها في إطار حدية الأزمة السورية ضمن النظام الدولي القائم.

كيف يمكن فهم النظرة الدولية اليوم على ضوء الكارثة الإنسانية؟ والسؤال ليس بسيطا كما يبدو لأننا نكتشف أن ذاكرة السياسة الدولية مركبة لأبعد الحدود، وأن التجربة السورية منذ الاستقلال وحتى اليوم هي محطات من المجابهة مع “القدر السياسي” الذي وصل بنا إلى مرحلة التجاهل الحالية، وليس علينا استرجاع التاريخ المعاصر بل وضع افتراض واحد هو “النموذج” الخارج عن تقليدية السياسة، وهذا الموضوع يحتاج إلى التروي قليلا في طبيعة التصرف تجاه الكارثة اليوم والنظر إلى أمرين:
الأول أن سورية كما نعرفها اليوم هي شكل غير مألوف لمنهجية دولية بدأت في معاهدة سان ريمون، وأنتجت شكلا إقليميا تبدو سورية فيه حالة غير مألوفة في مسألة التوازن الإقليمي.

الحالة الفاقعة لهذا الأمر ظهرت في عدم قدرة سورية على مجاراة قواعد النظام الإقليمي بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعدها في أشكال كسر قواعد الاستقطاب على الأخص في مرحلة الحرب الباردة، ومساحة سورية في النظام الإقليمي كانت ضمن شكل غير متوقع منذ الخمسينيات، فهي سلسلة تمردات بأشكال مختلفة بدءً من الانقلابات العسكرية ومرورا بالوحدة مع مصر ووصولا إلى المرحلة التي قال فيها وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بـ”أننا سنشطب أوروبا” عن الخارطة، وهذا الكلام المجازي يحمل معه عمق عدم الرضا عن صورة سورية عشية الجلاء، وصورتها كما أرادها “الآباء المؤسسون” في المؤتمر السوري عام 1918.

تبدو المعركة السورية منذ 2011 في صورتين متناقضتين: الأولى تفصيلية عن مظاهرات وتمردات وإرهاب وصراع بين الحكومة والمعارضة، أما الثانية فهي تظهر على هامش ما بعد الكارثة اليوم، حيث يبدو التجاهل استراتيجية دولية لنظام ابتدع مبدأ التدخل الإنساني كما حدث في ليبيا، لكنه غير قادر على كسر صورته الذهنية عن سورية والتدخل من الكارثة الطبيعية التي ضربت كل الجغرافية السورية.

أزمة سورية كانت في طبيعة الإحساس بالذات سياسيا بالدرجة الأولى، لذلك من العبث البحث اليوم عن كسر قواعد الحصار والعقوبات، لأنها التصور المتراكم لسورية في النظام الدولي، والذي يراها صداعا يصعب تجاوزه، فكسر الحصار يبدأ وينتهي في قدرتنا على تقديم تصور سياسي لذاتنا، وبأننا بالفعل بدأنا كحالة تمرد بعد معركة ميسلون وعلينا اليوم “رسم” ميسلون جديدة يمكنها أن تعيد شد العصب السوري تجاه الآخر الذي يريد تجاهلنا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version