Site icon هاشتاغ

مساحة التحول المتاحة

هاشتاغ_ رأي مازن بلال

تتيح زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات معرفة نوع المساحة التي أتاحتها الحرب الأوكرانية، فبغض النظر عن النتائج التي ترتبت عن المباحثات في أبو ظبي ودبي، إلا أن التحرك الذي تشير إليه الزيارة يقدم مؤشرات عن الخلل في التوازن الدولي، ومحاولة ترتيب الأوراق الإقليمية في ظل حرب “دولية” بكل ما تحمله من قسوة.

بالطبع فإن الإمارات فتحت في وقت سابق سفارة لها في دمشق، وظهرت بوادر تحرك دبلوماسي بين أبو ظبي ودمشق، لكن المقاربة الأساسية في الاستناد اليوم إلى شرعية النظام السياسي في سورية، وليس الاعتماد على القنوات الدبلوماسية التي تتجنب التأكيد على سيادة الدولة السورية، وأمام الصورة التي رسمتها الزيارة يمكننا قراءة متحولين اثنين على المستوى الإقليمي:

– الأول أن المسألة السياسية اليوم هي في الواجهة؛ حيث تشهد الحرب الأوكرانية جبهات دولية متجددة، وتظهر أكثر من محاولة لنسج تحالفات نتيجة تحركات الاستقطاب شرقا وغربا، فالمسألة ليست في انتصار طرف كما في الحربين العالميتين، إنما حسم التوازن ضمن القوى العالمية عموما.

المسألة السياسية التي تعني التمسك بالسيادة دفعت عمليا دول الخليج كنموذج لعدم دخول الاستقطاب في هذه المرحلة، والأمر سيختلف تماما في اللحظة التي سيظهر في التوازن الجديد، وليس من المعروف حتى الآن كيف سيبدو عالم ما بعد الحرب الأوكرانية، أو حتى هل هناك توازن أم سلسلة من الصراعات التي تصبح بذاتها نظاما دوليا، لكن فترة عدم التوازن مهمة في رسم الأدوار على الأخص للدول خارج الاستقطاب القائم، وعدم اتاحة ظهور تداعيات للحرب في خطوط الصدع (خطوط الصراعات الكلاسيكية) مثل الخليج العربي كنموذج، فزيارة الأسد إلى الإمارات إذا أخرجناها من البعد السوري فإنها تعبر عن رغبة استقرار إقليمي بعد عقد من التوترات.

– الثاني يرتبط بعالم لا تعنيه نقاط التماس في أوراسيا، رغم أنها كانت سبب الحروب لقرون طويلة، فـ”قلب العالم” الذي تمثله نقاط التداخل بين أوروبا وآسيا وفق “هالفورد جون ما كندر” تقابله جغرافية مختلفة، وخطوط تدفق حضاري من الخليج العربي وصولا إلى الشمال السوري، وهي اليوم عقدة مشاريع الاقتصاد العملاقة بين الشرق والغرب، فالقلق الأمني بالنسبة لشرق المتوسط وصولا لإيران سيلعب دورا على الأخص إذا طال الصراع العالمي حول أوكرانيا.

سياسة الإمارات وفق ملاحظة أولية، وربما السعودية أيضا، تريد تحريك مساحة الأمن الإقليمي المنهار أو المنهك، والحرب الأوكرانية بسماتها العامة توحي باحتمال تحول يعيد رسم الأمن الإقليمي، فنحن أمام خطوط تحاول الدخول لحلبة الصراع ليس من زاوية الاستقطاب، إنما عبر البحث عن مفاصل الاستقرار في لحظة من التوازن العالمي الحرج.

موضوع أي تحول خلال الحرب الاوكرانية أو نتيجة لها ليس تفاؤلا بل مخاوف تفرض نفسها على الدول الأبعد عن جغرافية الصراع، وهده مخاوف حقيقية لأن المعارك في أوكرانيا مهما كانت جغرافيتها محدودة، لكنها تفرض تداعياتها على العالم، وفي اللحظة التي يصبح فيه الاختناق الاقتصادي في الذروة؛ فإن المغامرات العسكرية ستظهر في أماكن مختلفة، الأمر الذي يدفع اليوم بإعادة التفكير بالأمن الإقليمي بشكل عميق بعيدا عن اضطرابات السنوات العشر الماضية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version