Site icon هاشتاغ

مصارعون من أجل البقاء.. كيف يتحايل السوريون على الهوّة بين دخلهم ومتطلباتهم؟

غلاء الأسعار

هاشتاغ_حسن عيسى

وصل التدهور بالوضع المعيشي عند بعض السوريين، مؤخراً، إلى مستوى أجبر الكثير من العائلات من مختلف المناطق والمحافظات على ابتداع وابتكار أساليب جديدة، من شأنها أن تساهم في تحسين دخل تلك العائلات، ومساندتها في اللحاق بقطار التضخم وارتفاع الأسعار، حتى تؤمن أدنى متطلبات الحياة اليومية.
وتفاوتت تلك الأساليب من حيث مدى ملاءمتها للبيئة والمجتمع الذي تقطن فيه العائلات، ومدى قدرتها على سد أكبر قدرٍ ممكن من الفجوة بين مستوى دخل الفرد والحد الأدنى من متطلباته المعيشية، والتي وُجدت نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وتراجع القيمة الشرائية، مما دفع هذه العائلات إلى اعتماد تلك الابتكارات كنمط حياةٍ أساسي وأسلوبٍ جديد من أساليب البقاء.
وتعتبر عائلة “أبو مجد” من ريف مصياف مثالاً عن آلاف العائلات الريفية التي لجأت إلى الاعتماد على الزراعة المنزلية، باستخدام أدواتٍ بدائيةٍ ضمن أرضٍ صغيرةٍ يقتات منها أفراد العائلة الخضروات بمختلف مواسمها، لتشكل لهم مصدر إطعامٍ فقط دون تحقيق أية مكاسب ربحية إضافية، حيث يرى رب العائلة صاحب الـ 62 عاماً أن راتبه التقاعدي لا يؤمن له ولزوجته سوى أدوية الضغط والسكر، مبيناً في حديثه لـ “هاشتاغ” أن عائلته تعيش على الخضراوات التي تزرعها قرب المنزل، وبذلك توفر شراء أي طعامٍ من الخارج عدا الخبز.
ويشير “أبو مجد” إلى أن عائلته المكونة من ولدين وزوجة تعتمد على الحطب وروث الحيوانات كمصدرٍ للدفء في فصل الشتاء، حيث أنها أصبحت عاجزة في هذا الوقت عن شراء وقود التدفئة حتى بسعره المدعوم، لافتاً إلى أن ولديه الذين تجاوزا العشرين من عمرهما يعملان في ورشة “ألومنيوم” بعد الجامعة، وذلك لتحقيق دخلٍ مقبول يسيّر أمور العائلة ويلبي القليل من بعض احتياجاتها.
ولم يختلف الأمر عند عائلة “أبو رامز” التي تقطن في عشوائيات منطقة “اللوان” في العاصمة دمشق، حيث سعت تلك العائلة المكونة من زوجين وشابين في العشرينيات من عمرهما على تأمين أدنى متطلبات المعيشة، من خلال العمل في سوق الهال طيلة أيام الأسبوع مقابل أجرٍ يدفعون نصفه لإيجار المنزل الذي يسكنوه، وفقاً لما ذكره الأب لـ “هاشتاغ” حيث أشار إلى أنه على الرغم من أن أفراد العائلة الأربعة يعملون إلى أن مدخولهم اليومي لا يكاد يكفي لتناول وجبة طعام واحدة.
ولفت “أبو رامز” إلى أن فصل الشتاء يمر عليهم كجحيمٍ من الثلج، نظراً لشدة البرد وعدم القدرة على تأمين مصادر الدفء المناسبة، مبيناً أنه ومن خلال عمله في سوق “الهال” يجمع الخردة والكراتين لإشعالها في المنزل واستخدامها للتدفئة والطبخ، مؤكداً أن التسوق لشراء الملابس أصبحت عادة قديمة “مضرة بالصحة” كون سعر قطعة الملابس بات يضاهي أجرة أسبوع من العمل، كاشفاً أن عائلته ما تزال تلبس الثياب نفسها منذ أكثر من خمس سنوات، وأنها تناست أطباق الوجبات السريعة وكل ما فيه لحومات ومواد غالية الثمن.
وفي هذا الشأن، يرى الباحث الاقتصادي الدكتور “عابد فضلية” في حديثه لـ “هاشتاغ” أن الفجوة بين الحد الأعلى من الرواتب والحد الأدنى من المتطلبات المعيشية تفاقمت كثيراً وبشكل جامح على عدة قفزات نتيجة أسبابٍ وصف بعضها بالموضوعي والمنطقي بنسبة نحو 70%، مبيناً أن تلك الأسباب هي الحرب التي فرضت على سوريا إضافةً إلى العقوبات الخارجية وجائحة “كورونا” والصراع الروسي الأوكراني مؤخراً، معتبراً أن المشرفين عن الأنشطة الاقتصادية لم يبذلوا كامل جهودهم لتخفيف تداعيات هذه المعوقات.
وأشار “فضلية” إلى تناقص النشاط الاقتصادي الأمر الذي أدى لتناقص فرص العمل وزيادة مستوى البطالة والبطء الاقتصادي، لافتاً إلى أن ذلك أدى لانخفاض معدلات الدخل والرواتب وتراجع القوة الشرائية للعائلة أو انعدامها، مما أدى لانخفاض الطلب إلى حدٍ لم تشهده البلاد منذ استقلالها من الاستعمار، بحسب تعبيره.
واعتبر “فضلية” أن تضييق الفجوة هو أمر ممكن إذا ما تم تطبيق سياسات دعم الإنتاج والاعتماد على بدائل المستوردات لتقليل الاعتماد على القطع الأجنبي في الاستيراد، مشيراً إلى أن الجهود الحكومية تأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم تنفيذها إذا ما قورنت بالكلام والتصريحات النظرية التي يتم إطلاقها، معتبراً أن الدولة تقدم الدعم كاملاً لكن ما يصل إلى من يستحقه أقل من النصف.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version