Site icon هاشتاغ

مخاوف من “انفجار غباري” لا تُحمَد عقباه: مطاحن الحكومة تلفظ أنفاسها بفعل “الإهمال” والفساد.. والوزير يعرف و”يحقّق”

هاشتاغ_ إيفين دوبا
“تخريب ممنهج.. وتعطيل مقصود” تتعرض له المطاحن، هدفه إعلان موت المطاحن العامة من أجل التعاقد مع المطاحن الخاصة التي يراد لها أن تكون المخلص البديل عن القطاع الحكومي في حلحلة أزمة الخبز، وفقاً لعاملين في هذه المؤسسة.
الخبز.. الخط الأحمر الذي لطالما أعلنت الحكومة عدم جواز الاقتراب منه، يقف حالياً بانتظار رصاصة الرحمة، عقب الأزمات المتتالية التي تواجه تأمينه، بدءاً بالسرقات الموصوفة للقمح، مروراً بالتلاعب في إنتاج الخبز وتوزيعه، وصولاً إلى عمل المطاحن الذي حل فيه الفساد هو الآخر، وبما قد يودي إلى كارثة بيئية وإنسانية، بسبب تراكم أكداس الطحين في مطحنة تشرين في عدرا، وهي مثال أساس هذا التحقيق، وسيتبعها شواهد وأدلة أخرى عن مطاحن أخرى دبّ فيها الفساد والتعطيل والتخريب الممنهج في كل من دمشق وريف دمشق.
هذا التراكم و الغبار مع توفر الأوكسجين، أو أي شرارة ناتجة عن احتكاك الآلات وخطوط الكهرباء، تعد خطرا داهما لحدوث انفجار غباري “كالذي حصل خلال انفجار مرفأ بيروت” كما تؤكد مصادر مطلعة لـ”هاشتاغ”.
مطحنة تشرين.. مثال مصغر
تقول المصادر إن الفساد وجد طريقاً ضيقاً في “مناخل” الطحين، وما لبث أن وسّع انتشاره فيما بعد في مطحنة تشرين بعدرا الصناعية، فما يحدث وفقاً لعاملين في المطحتة عبارة عن مثال مصغر للتخريب الممنهج للعمل، والبداية من الطاقة الكامنة للمطحنة والتي تقدر بحوالي 450 طن يوميا وفي أفضل حالاتها من 500 إلى 600 طن، ولكنها منذ أعوام 2015 و2016 لم تعمل بأكثر من طاقة 150 طن، وذلك بسبب الحالة الفنية للآلات التي يرثى لها؛ حيث أكوام الطحين تتجمع بطريقة خطرة من الممكن أن أن تؤدي إلى انفجار، إثر حدوث أي ماس كهربائي، وذلك بسبب وجود بيئة حاضنة لانفجار غباري يهدد العمال والمنشأة في وقت واحد.
وحسب المعلومات التي وصلت إلى “هاشتاغ” خلال إعداد التحقيق، أكد العديد من العاملين فيها أن ما يحدث في مطحنة تشرين ما هو إلا تشجيع لعمل المطاحن الخاصة؛ فالطحين يتم طلبه من حلب، مع العلم أن مطاحن دمشق لوحدها يمكنها إنتاج 2700 إلى 2800 طن وهي تغطي حاجة دمشق وريفها و3 محافظات أخرى، في حال عملت بطاقة قصوى، لكن، “للأسف يتم تعطيلها من أجل الاعتماد على المطاحن الخاصة وإفادتها”.
وضع فني حرج
حال مطحنة تشرين في عدرا، في كثير من الأمور تنطبق بدرجات مختلفة على باقي المطاحن، وهنا لا بد من ذكر أن فرع دمشق للحبوب يعد أكبر فرع بالمؤسسة من حيث عدد المطاحن والعمال والمساحة الجغرافية التي يغطيها، وعدد المواطنين المستفيدين من إنتاجه.
ومن الممكن أن يوفر حاجة كل من دمشق و ريفها والسويداء والقنيطرة ويمد درعا إذا أتيح له ذلك، ولكن ما يحصل وبسبب الإهمال بإنجاز الإصلاحات او القيام باصلاحات وهمية أو سطحية، تم إيصال المطحنة إلى وضع فني حرج.
وحسب المعطيات التي وصلت إلى “هاشتاغ”، فإن الحالة الفنية للمطحنة في الوقت الحالي هي كالتالي:
أولاً، هناك انخفاض في الإنتاجية لأقل من الربع، كما أن نوعية الدقيق المنتج سيئة، ومخالفة للمواصفات، وبالنسبة إلى خطوط الإنتاج، فهي متهالكة، وأنابيب نقل المنتج خلال العملية الإنتاجية منهكة، ما يؤدي لتسرب طحين النخالة والسميد وغبار القمح التي تستقر في طوابق المطحنة وبين الآلات والمناخل والقبو وأسلاك الكهرباء.
هذه التراكمية والغبار مع توفر الأكسجين أو الشرارة الناتجة عن احتكاك الآلات وخطوط الكهرباء، تعد خطرا بالغ الخطورة يمكن أن يؤدي إلى حدوث انفجار غباري، وهذا موثق في محاضرات الدكتور أحمد العوض التي ألقاها مرات عدة في الوزارة و المؤسسة السورية للحبوب “دون من يسمع أو يتعظ” .
خطر.. من جميع الاتجاهات
وفقاً للدراسة إياها، فإن الخطر القادم الذي “تعمي” مؤسسة الحبوب ومن يعمل فيها أعينها عنه، قادم، ومن الممكن أن يؤدي لكارثة وخسائر بشرية ومادية مرعبة، أما التلاعب بالمطاحن فله أشكال عديدة، وهو يحصل في مطحنة تشرين وعدد من المطاحن سواء في دمشق أو باقي المحافظات.
فمن الناحية الإدارية، تم تهميش العناصر البشرية المؤهلة والمنتجة وأصحاب الكفاءات واستبدالهم بعناصر “أقل خبرة وأمانة”، خصوصا الفنين ورؤساء الأقسام ومدراء المطاحن، وهؤلاء هم الفاعلون بالعملية الانتاجية، كما يقول العوض في دراسته.
أما من الناحية الفنية، فيوجد الكثير من طرق التلاعب التي تتم في المطحنة، مثل القيام بعمليات إصلاح وهمية موجودة على الورق فقط، وإجراء إصلاحات جزئية للآلة أو للعطل، ما يضمن صرف مبالغ كبيرة مقابل إصلاحات سطحية غير مكلفة، وتشغيل بعض الآلات بطرقة “التسكيج” ووضعها بالخدمة بحجة عدم وجود تمويل لإكمال الإصلاح، وهذا ما حدث خلال صيانة الديزل في مطحنة تشرين، وكذلك بإصلاح وتجديد خطوط الطحن عبر إبرام عقود توريد أدوات إنتاج وبمبالغ ضخمة مثل الأقفال الهوائية و البرايم، وتشكيل لجان استلام للعقود والأعضاء بين “جاهل وفاسد”، والنتيجة أن الأدوات المستلمة غير مطابقة للنموذج وهي مجددة، أي مستعملة تم طليها وتنظيفها، ولكنها لا تعمل.
لجان سابقة معطلة عن العمل!
مع هذا الواقع المأساوي، تم في وقت سابق، تشكيل لجان جرد “شكلية” لتصفية الأرشاق بالمطاحن، والتستر و إخفاء النقص بالمطحنة، كما حدث في مطحنة الأسد الوطنية وبعلم إدارة الفرع بالنقص الموجود بمادة الدقيق في المطحنة، ومع ذلك، لم تحرك الإدارة أي ساكن بل ساعدت بالتغطية، حسب المعلومات التي وصلتنا؛ فالنقص بكميات كبيرة بمئات الأطنان، وقيمتها عشرات الملايين
“لا حياة لمن تنادي”.
في المطحنة نفسها اكتشفت لجنة الجرد وجود نقص تم تقديره بـ850 ألف كيس، وفيما بعد تم تغطية النقص و”كأنها مراهنة على الزمن بطي الموضوع ونسيانه”وفقاً للمصادر.
المفارقة أن مدير المطحنة المتورط تم نقله منذ فترة قصيرة للإدارة العامة ويتم تحضيره لمنصب قيادي في المؤسسة، وإدارة الفرع لا تكلف نفسها معاينة الواقع لا فنياً ولا إدارياً، وتمارس هواية النقل التعسفي لأي عامل مهما كان عمله، طالما لا يتماشى مع مصالحها، وتحت التهديد باعتباره بحكم المستقيل في حال عدم التنفيذ، وهو ما حصل مع مدير سابق في المطحنة.
الوزير يعلم كل شيء
حال المطاحن وما تعانيه، من ضمن أولويات عمل وزير التجارة الداخلية عمرو سالم، الذي أكد في تصريحات خاصة ل”هاشتاغ”، أنه على علم بكل ما يجري، مؤكداً وجود أعمال مقصودة لعدم صيانة أنظمة الهواء التي تقذف الغبار الدقيقي بكميات كبيرة جداً، ما تسبب بتراكمات خطيرة.
ومن أجل هذا، تم تشكيل لجنة وزارية جديدة للاطلاع على واقع المطحنة، بعد أن قام الوزير بزيارتين مفاجئتين للمطحنة، وبالأمس انتهى التقرير الأولي، الذي يؤكد وجود كميات كبيرة مكدسة من الطحين، لكنها لا تحمل خطر انفجار غباري حالي، كما يقول وزير التجارة الداخلية، الذي أضاف:” وضعنا عمال لإزالتها بشكل يدوي وسنبدأ بالصيانة اللازمة”.
وبحسب الوزير سالم فإن هنالك إهمالاً كبيراً، بل أكبر من ذلك ، لكن “الحق ليس على عمال المطحنة، بل هم من أحسن الناس، ولم تكن طلباتهم تلبى وهم يعملون فوق طاقتهم”.
كما أشار الوزير إلى وجود إهمال بالطلبات وعدم تجاوب من الإدارات السابقة، لذا تم تغيير مديرعام مؤسسة الحبوب يوسف قاسم، وتعيين مدير جديد يشهد له بالقدرة والكفاءة.
وأكد الوزير سالم أن العمل جارٍ لصيانة الآلات حتى رفع الخطر، إضافةً إلى رفع طاقة المطحنة، فهي تعمل بطاقة 70 طن مع العلم أن طاقتها 500 طن وهذه كارثة حسب قوله.
وتابع وزيرة التجارة الداخلية: ثمة سرقات كبيرة في المطحنة، ولكن لن نستبق التحقيقات، فاللجنة جمعت معلومات هامة عن الهدر والسرقة، وأحياناً تعمل المطاحن بنوعيات سيئة تؤثر على عمل المخابز، والسبب في ذلك عقود صيانة وهمية تم إبرامها في مطحنة تشرين وأحضروا آلات غير صالحة للعمل، مع العلم أنه يوجد في مطحنة تشرين ورشة صيانة من أفضل الورشات وهي مهملة بالكامل لم تستخدم بشكل حرفي ولا يوجد مثلها في مطاحن القطاع الخاص.
وأوضح سالم : يصل أحيانا دقيق فيه حب قمح يعطل عمل المخابز ما يجهد العاملين، وفي الحقيقة الواقع سيء لكن لا يوجد استحالة، وهذه المشكلات قابلة للإصلاح.
أما بالنسبة إلى عمل اللجنة، أكد الوزير سالم أنها تنتقل من مطحنة لأخرى، وتصل تقارير عن كل مطحنة لوحدها لتبدأ المعالجة الفورية.
في تعريف الانفجار الغباري.. وأمثلته
تُعدّ الانفجارات الغباريَّة من أخطر الظواهر التي تتعرض لها المطاحن والصوامع على حد سواء؛ وتحدث في الكثير من المنشآت الصِّناعيَّة كمعامل السّكّر ومعامل الأدويَّة ومعامل الحليب المجفَّف ومناجم الفحم ومعامل الفوسفات وغيرها الكثير؛ وتسبب كوارث بشرية ومادية جسيمة.
وتتسبب الانفجارات الغبارية في خسارة الأرواح البشرية كما تسبّب أضراراً مادية جسيمة في المنشأة، فضلاً عن ذلك توقف العملية الإنتاجية لأعوام.
ويورد الدكتور أحمد العوض، أمثلة على ذلك، إذ حدث انفجار غباري في عام 1999 في مطحنة اليرموك بدرعا أدّى إلى وفاة 19 شخصاً؛ وجرح 25 آخرين؛ معظم جروحهم حروق خطيرة. كما أدّى إلى أضرار مادية في البناء والتجهيزات الميكانيكية والكهربائية قُدّرت بمئة مليون ليرة سورية آنذاك. فضلاً عن ذلك سبّب الانفجار كوارث إنسانية كبيرة وتوقف العملية الإنتاجية في المطحنة لمدة عامين ونيّف.
وفي عام 2005 حصل انفجار غباري في صومعة حبوب في مرفأ اللاذقية؛ أدّى إلى وفاة 15 شخصاً، وخسائر مادية كبيرة كتدمير المبنى الملاصق للصومعة، وانهيار البرج المعدني المؤلف من سبع طبقات.
يتحدث العوض، عن أن أهم أسباب الانفجار الغباريِّ هو تفاعل أغبرة المادة المتناثرة في الهواء والقابلة للاشتعال كغبار القمح أو غبار الدقيق مع أكسجين الهواء بوجود مصدر اشتعال ضمن حيّزٍ مغلق، وهذا التفاعل يُحدث زيادة في السُّرعة والضَّغط، وهو ما حصل عند جرح ستة عمال واضرار مادية في بناء الصوامع وتوقفها عن العملية الإنتاجية وذلك في نهاية عام ٢٠٢٠.
أما عن طرائق الوقاية من الانفجارات الغباريَّة والحدّ منها، فتُصنّف طرائق الوقاية من الانفجارات الغباريَّة وطرائق الحدّ منها إلى، الوقاية من مصادر الاشتعال، والنظافة الجيدة لرواسب الغبار، وفتحات تنفيس موجة ضغط الانفجار.
ويؤكد العوض، أنَّ الشرط الرئيسي لحدوث الانفجارات الثانوية الكارثية في المنشآت الصِّناعيَّة هو الغبار المتراكم خارج التجهيزات الميكانيكيَّة والكهربائيَّة وعلى الأرضيات والجدران، ويمكن إزالة خطر الانفجارات الغباريَّة الثانوية المدمرة بإزالة الغبار المتراكم على سطوح الآلات وسكك الكابلات الكهربائيَّة والرفوف والجدران والأرضيات وغرف العاملين ومجاري التهوية للمحركات الكهربائية، وأنه يجب تنظيف الغبار المتراكم باستمرار بوساطة الضغط السالب مع ملاحظة أنّ الانفجارات الغبارية الثانوية أشد خطراً وأشد تدميراً من الانفجارات الغبارية الأولية.
ويشير العوض إلى أنه لا يمكن تحقيق الوقاية المناسبة من الانفجارات الغباريَّة ما لم يكن هناك عمليَّة تواصل فعالة وهادفة بين فئات الموظفين المعنيين على اختلاف مهامهم.
وينبغي أن لا ننسى أنّ الصيانة الدورية الجيدة للتجهيزات الميكانيكية والكهربائية له أثر إيجابي في الحد من الانفجارات الغبارية الثانوية، وذلك بسبب منع تسريب غبار القمح أو غبار الدقيق خارج حدود الآلة، وبالتالي منع تراكمات الدقيق وغبار القمح على الأرضيات وفوق التجهيزات الميكانيكية.
لمتابعة المزيد من الأخبار انضموا إلى قناتنا على التلغرام https://t.me/hashtagsy
Exit mobile version