Site icon هاشتاغ

عن معاركنا المغلقة

هاشتاغ-رأي- نضال الخضري

أيام الهدنة لا تعني أن الحروب ستٌكنس الوجع وتتوارى خلف ستار “التفاهمات”، أو أنها ستغلق باب الذاكرة بعد أن نبشت فيها كل الأرق.

 

فمعاركنا مهما كانت بدايتها تكشف لنا أننا لا نحمل من جولات الاقتتال سوى البيانات العسكرية، ورسائل الإعلام التي باتت مطولة أكثر من اللازم.

 

بينما يتناثر الضحايا في زوايا الأعين المترقبة، وفي صور الفضائيات المنهكة من “التغطية المستمرة” لحرب صورها من جانب واحد.

 

ودمارها يطال طرفا لا يعرف كيف يواري الفزع بـ”الصمود” ولا يملك الوقت للبكاء أو الحزن.

 

“حرب غزة” ستتوقف لأيام، ولكنها “جوفاء” لأنها لم تمنح أحدا درسا سوى القسوة التي تنصب على أهلها.

 

وهي الثمن الذي ندفعه لأننا نجهل أن مسألة “الصمود” ليست في عدد الضحايا أو تسجيل نقاط ضد العدو، فحربنا ربما تتجاوز الأبعاد التي اعتدناها منذ نكبة 1948.

 

و “إسرائيل” وجدت قبل أن يتم تأسيسها بقرار التقسيم (181)، ففي فلسطين مواجهة مكتوبة على حجارة المدن وبيارات البرتقال،

 

وفي العجز الذي انتاب أجدادنا وهم يرون أول “موشاف” يظهر، وأول “كيبوتس” يتأسس، دون أن يدركوا أن دبلوماسية تطوف العالم لتفتح موطئ قدم للهجرة اليهودية.

 

“إسرائيل” قرار عالمي وليست احتلال فقط، وربما من هذه الزاوية يبدأ الصراع لأنها رهان على خلق “انتماء” على أرض فلسطين، ورهان آخر على انهيار انتماءنا.

 

وفي المواجهة كل ما يحمله “الانتماء” من تصورات وتحديات لمواجهة “قرار عالمي”..  فاختبارنا لم يكن في غزة فقط إنما في طبيعة المواجهة خلال الأيام الأولى.

 

قبل أن نستند لـ”الضمير” الدولي الذي يسقط عادة مع انتهاء المعارك، فيرحل وكأن “الضحايا” أرقام فقط في سجلات “النظام الدولي”.. وعندما أصبحت القدس محطة لكل الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية ظهر “القرار العالمي” من جديد.

 

العالم يتعاطف مع المظهر الإنساني لأنه عامل سريع الزوال، بينما جرحنا ممتد في كل الآليات التي ظهرت لاستيعاب الحرب.

 

وحتى في الفضائيات العربية التي استماتت لتثبت “موضوعيتها” ولتجعل حرب غزة جزء من المعركة السياسية في “إسرائيل”، أو في جعل “صفقة” تبادل الأسرى جوهر المعركة.

 

وفي النهاية فإن الألم ينتشر وكأن الديبلوماسية وجدت لترقص على آلامنا، فالاستباحة ستتكرر وآلية استيعاب الحرب باتت حالة نمطية تدفع للتقزز.

 

حرب غزة لم “تفضح” إسرائيل فهي أساسا ظهرت بقرار عالمي “وقح”، واستمرت على نفس المساحة الدولية التي تمنحها حق القتل عن سابق إصرار.

 

فالفضيحة الكبرى كانت في قدرتنا على تكرار سيناريو المعارك المغلقة التي تفتقد لأدنى غطاء سياسي.. فيصبح “المقاوم مجرما” وبعدها تطرح الفضائيات العربية الجميع على نفس الميزان.

 

فـ”أبو عبيدة” يسبقه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ومعرفة المواطن لخفايا “السياسة الإسرائيلية” أكثر من درايته لتفاصيل استيعاب الحرب على مستوى النظام العربي.

 

مواجهتنا في غزة ليست أرقام الأطفال الذين فقدناهم، ولا الآلام التي رسمتها آلة “الحرب الإسرائيلية”.

 

فالضحايا معالم تجرح الذاكرة بينما يبقى القرار العالمي أمرا واقعا نقبله، أو لا نحاول قراءة “كسره” دون أن نعيد فشل كل الحروب السابقة.

 

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version