Site icon هاشتاغ

مفارقات الزمن المختلف

مفارقات الزمن المختلف

مفارقات الزمن المختلف

هاشتاغ-نضال الخضري

يجمعنا مع كارثتي ليبيا والمغرب ظاهرة “شاذة” في الإحساس بالحياة، ففي زمن القدرة على “خلق” المعلومات تظهر معرفة زائفة يؤججها واقع إعلامي يضعنا وسط الكوارث، ونحن عايشنا هذا الأمر خلال الأزمة السورية، فكنا وسط المعارك ونحن في أسرّتنا، إذ كانت البلد تتشكل أمامنا رغم أننا بعيدون وربما محصّنون وراء شاشات “تخلق” المعلومة عن حرب لا خبرة لنا فيها.

أقرأ المزيد: زمن الوفرة

هذا التشويش يخلق سعادة للبعض وهم يصنعون شكلا فريدا من الحدث عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بينما يغرق آخرون بسيل من الأخبار والتحليلات والمقاربات التي يصعب فهمها؛ فهي مجرد معرفة زائدة لا تضيف لكارثة الحرب أي جديد لأنها إضافة فقط من عصر المعلومات للذات البشرية، لكنها تمنح الجميع شعورا بالقلق أو حتى بالضياع في لحظة الكوارث.

مقاربة إضافية يمكن ملاحظتها أيضا عندما بدأت “جائحة كورونا”، فرغم أنها كانت أبعد بقليل عن عملية “خلق” المعلومة على المستوى العام، لكنها في سوريا تحديدا أوجدت بعدا جديدا للجائحة عندما كان الجميع ينتظر وصولها لسوريا وكأنها ضيف وليست وباء، فأصبحت المعرفة الزائفة تتلخص في التشكيك بأن الجائحة غير منتشرة أو أنها أتت إلينا دون أن ندري فتغلبنا عليها.

كانت بداية الألفية الجديدة زمنا لكوارث من نوع مختلف، فلم تعد الحروب أو الظواهر الطبيعية هي “القضية” إنما نوعية “المعلومات” المرافقة لها، فهناك “قدرة عامة” على صياغة الحدث وفق الأمزجة التي بدأت مع انتهاء عصر “الفرادة” في الإعلام، ووصول المراسل إلى قلب الحدث يسبقه سيل من الأخبار والإضافات التي يصعب حذفها من الذاكرة لأنها تشكل الموقف العام مما يجري، فإضافة لـ”جيش” من “صانعي” المعلومات هناك جمهور مدمن على التتبع، وعلى رسم الحياة على أنها سيل جارف من الأخبار التي لا يمكن الحياة بدونها.

أقرأ المزيد: الفرح في الزمن الصعب

مع العقد الثالث من الألفية الجديدة تستمر ظاهرة “التشابك” مع الكوارث التي تعزز “المعرفة الزائفة”، فالزمن أصبح مرتبطا مع أحداث ليس لها تصورات واضحة في أذهاننا ابتداء من “القبة الحرارية” وأشكال المناخ التي جعلتنا مدمنون على التنبؤات الجوية، وصولا إلى “الفوالق الجيولوجية” وانتهاء بالخبرة العسكرية المكتسبة نتيجة الحرب الأوكرانية، وبعدها فإن العالم أصبح “معلومة” تخترقنا ثم تتجاوز حدود الحياة المألوفة لأنها تصنع قلقنا ومخاوفنا وحتى أحلامنا.

كارثتا ليبيا والمغرب لا يفصلهما عما حدث في حلب سوى أشهر قليلة مليئة بالتنبؤات، وحتى باحتمالات الأعاصير التي لا ينقلها المنجمون الذين ينافسون الخبراء، بل هناك متطوعون يعيدون صياغة الكوارث واحتمالاتها، ويرسمون حياتنا على شاكلة النبوءات التي تجبرنا على اكتساب خبرة في كل المجالات التي ترافق الكوارث، ومع ذلك فإنه زمن مختلف بجماليته لأنه كسر الاحتكار في “خلق” المعلومة وجعلها خارج ممكنات “المنجمين” بعد أن أصبح شرط المعرفة هو الوصول الى شبكة الإنترنت، وامتلاك حد أدنى من الخيال لاختلاق سردية أو رواية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version