Site icon هاشتاغ

من أغرق الأسواق السورية بـ”نفايات” الطاقة الشمسية: “ما صرفناه يشتري 3 مفاعلات نووية تُنير سورية بالكامل”

هاشتاغ_ إيفين دوبا

بحلول غير متجدّدة و”ترقيعية” تمّ لفت الأنظار إلى أهمّية الطاقة المتجدّدة “كحلّ رديف وليس بديل”، لتغطية عجز الحكومة عن إيجاد حل لمشكلة الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي عن السوريين.

مشكلة ربما لن يكون حلّها في التعويل على الطاقة البديلة بعد حصرها كما جرت العادة في هذه البلاد بيد قلّة من “أثريائها الجدد”، كما لن تثمر أحلام “فقرائها” بالوصول إلى “لوح شمسي واحد” من الممكن أن يُدخل قليلاً من الدفء لبيوت أنهكتها عشر سنوات من الحرب، لتكون الطاقة البديلة خياراً لا يمكن أن يلجأ إليه الكثيرون لحلّ مشكلة غياب الكهرباء، بعد أن يصطدم بتكاليف مرتفعة لا يستطيع ذوو الدخل المحدود تحمّلها.

كل ذلك، يضاف إليه أن التجهيزات المستوردة لا يمكن أن تعمل بالطاقة المتوقّعة في البلاد، حسب قول الخبراء، ما يؤكد الأحاديث عن وجود صفقات ضخمة لإغراق الأسواق السورية بتلك الألواح ومستلزماتها، كما حدث سابقاً مع العديد من المنتجات التي “استغلّت” أزمات السوريين المعيشية.

رحلة “طاقة”!
منذ نهاية الصيف الماضي، تتواتر التصريحات الحكومية عن الطاقة البديلة باعتبارها “المنقذ وحاملة مستقبل الاقتصاد” في سورية، لكنّ “فرحة” تلك الأحاديث لم تستمرّ طويلاً، واصطدمت بتصريح “خذل الأحلام السابقة” من قبل جمعية المخترعين السوريين؛ إذ ذكّرت أنّ الألواح الشمسية المتوفرة في الأسواق لا تناسب المناخ السوري، وبعدها أكّد مصدر في مركز بحوث الطاقة لدى وزارة الكهرباء أنّ العديد من اللواقط الشمسية المعروضة في السوق مجهولة المواصفات، وتمّ إدخالها إلى البلاد دون علم مركز بحوث الطاقة.

هذا الاعتراف لم يكن لمجرد “صدق” المعنيين وأمانتهم، بل تبعه قرار بإحداث مراكز بحوث خاصة للطاقة، للتأمين على فحص تلك المواد، وذلك بعد تبيان أنّ تكلفة إقامة تلك المخابر “الغالية جداً”، لا قدرة للحكومة عليه، ما فتح الباب أمام شركات القطاع الخاص لإقامتها على نفقتها الخاصة بالكامل، وبالتالي تجهيز مخبرين بالقرب من المنافذ الحدودية، الأول؛ في دمشق وريفها لتغطية المنطقة الجنوبية، والثاني؛ في المنطقة الساحلية لتغطية المنافذ البحرية في اللاذقية وطرطوس.

حلّ فيه “غبن” للمواطن!
إذاً، بعد عرض رحلة “سير الطاقة المتجددة” وجد المواطن نفسه أمام خيار العيش بدون كهرباء أو الانتقال إلى حلّ الطاقة البديلة، وطبعاً هذا الحلّ لا يمكن أن يشمل فئات كبيرة من المواطنين، بسبب التكلفة العالية له، وإنّما تمّ حصره بقلّة من “محدثي النعمة و أثرياء الحرب الجدد” والسؤال المطروح يتعلق بتكلفة هذا الحل البديل، مع أرقام تصل أقلّها الى 14 مليون ليرة بحسب بعض المختصين، لتأمين كهرباء كافية الإنارة وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية، وسط استفسارات حول استدامتها وطول عمرها التشغيلي ودورها في حلّ الطاقة المستنزفة من الشبكة الكهربائية اللازمة لتشغيل المناطق الصناعية.

ويشرح أحد الخبراء في مجال تركيب منظومات الطاقة الشمسية، أنّه كان من المفترض أن تنخفض قدرتها من 20 إلى 30 في المئة فقط بغياب الشمس، لكن تبيّن أن معظمها انخفض 80 في المئة، بسبب أنّ أغلبها مستعمل حوالي عشر سنوات، قبل إدخالها إلى البلاد، إضافةً إلى تعطل بعضها نهائياً نتيجة الأمطار والرياح، كما أنّ بعض الألواح تتوقف عن العمل عند نزول المطر، وبعضها لا يعمل في الضوء نهائياً، والبعض الآخر تكسّر بفعل الرياح.

ويروي الخبير الذي رفض ذكر اسمه لـ”هاشتاغ”، أنّه لا يوجد طريقة فنية لتركيب تلك الألواح، من قبل العديد من العاملين، ولا حتى الباعة أنفسهم الذين وجدوا في بيع تلك المعدات فرصة لكسب المزيد من الربح، فقط، دون معرفة أيّ شيء عنها “حتى لو سألتهم حول الفرق ما بين أنواعها المتعددة في الأسواق.. فالمهمّ عندهم هو تصريف البضاعة”.

هذا بالنسبة إلى الطاقة الشمسية، أمّا بالنسبة إلى توليد الطاقة عن طريق الرياح، فقد انتشرت في الأسواق مؤخراً العديد من عنفات توليد الرياح، والتي أثبتت أيضاً فشلها، ويتمّ تركيبها دون معرفة قوانين الفيزياء اللازمة لعملها، كما يقول الخبير.

وحول المفاضلة ما بين الطاقة الشمسية والريحية لجهة الجدوى والوفرة، بيّن الخبير أنّ العمل على الطاقة الشمسية هو الأجدى في حال “كان بنوعية جيدة وتمّ تركيبه بطريقة فنّية”، فبحسب المخطط الريحي نحن لا نملك سوى مساحة 10 في المئة من مساحة سورية يمكن استثمارها لتوليد الطاقة من الرياح، وبذلك لا يمكن الاستفادة منها في معظم المناطق، كما أنّ ديمومة العنفات الريحية أقلّ، وتتطلب منظومتها 60 في المئة من تكلفة الألواح الشمسية.

وبمعنى آخر؛ تعد الطاقة الريحية أغلى بكثير من مثيلتها الشمسية، فكل 600 واط لبيت صغير يحتاج طاقة أكبر من الليدات والانفرترات والبطاريات، أي كل 600 واط لطاقة العنفات هي أكثر تكلفة من اللوحة الشمسية بثلاثة أضعاف، والعنفات الريحية غير ممكنة في المدينة، وتشكّل حيزاً أضيق، فلكلّ منطقة خصوصية، وتعدّ الشمس في سورية ذات مجال زمني أوسع وأكبر خلال 9 أشهر من العام، ومع ذلك فإنّ الحل “الأسلم والأضمن” هو “التهجين مابين الطاقتين بحسب المنطقة ومناخها المميز لها”.

ويختم الخبير بالقول، إنّ الاعتماد على الطاقة البديلة سواء كانت شمسية أو ريحية، يلزمه مواد ذات نوعية جيدة وهي “غير متوفرة في السوق”، وبيئة مناسبة “ليست مهيأة في سورية” وخبرة فنية في التركيب “شبه غائبة”.

“إنقاذ” للحكومة فقط!
الحلول الطاقية البديلة للحكومة لم تتوقّف عند حدود بيوت المواطنين وأماكن عملهم فقط، بل تعدّاه إلى تطبيق تلك التجربة على مؤسسات الدولة ودوائرها، وفي هذا السياق، يقول الخبير لـ”هاشتاغ”، إنّ تطبيق فكرة الطاقة البديلة لمؤسسات الحكومة أثبت فعّاليته، وذلك لأسباب عدّة، الأوّل؛ يكمن في نوعية اللواقط والأجهزة والمستلزمات التي يتم إحضارها، وهي ذات نوعية جيدة، بالنسبة إلى تلك الموجودة في السوق، والثاني، عبر منح مساحات من الأراضي لإقامة مشاريع الطاقات المتجدّدة بأسعار شبه مجانية، إضافةً إلى أنّه يتم احضار مهندسين وخبراء وهذه نقطة مهمة على مستوى الحكومة وفعّالة، بعد إقلاع مشاريع، وبالتالي وجود الكثير من المشاريع قيد الدراسة لتنفيذها على أرض الواقع.

وبحسب تصريحات وزير الكهرباء غسان الزامل، فإنّ وزارته وضعت خطة لإضافة 2000 ميغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

ولفت إلى أن العمل جارٍ لتنفيذ محطة توليد كهروضوئية بقدرة 33 ميغاواط في المدينة الصناعية في حلب، وهي قابلة للتوسع حتى 200 ميغاواط، والتعاقد على محطة بقدرة 31.9 ميغاواط في جندر بريف حمص، كما يُتفاوض مع إحدى الشركات لتوليد 300 ميغاواط من مصادر متجددة.

وأشار الزامل إلى أنه بالنسبة لصندوق دعم الطاقات المتجددة، خاصة مع إصدار التعليمات التنفيذية وقانون لدعم الطاقات المتجددة، سيتم تشكيل الصندوق وتعيين مدير ومجلس إدارة لدعم الصندوق و”حصلنا على سلفة 10 مليار كتمويل أولّي من بداية عام 2022″.

ولفت الزامل إلى أن هذا الصندوق يشجع على استخدام الطاقات المتجددة كمنزلي أو صناعي أو زراعي.

وذكر الزامل أنه تم تعيين مدير للصندوق ومجلس الإدارة يتكوّن من عدّة وزارات هي وزارة النفط والإدارة المحلية والصناعة بالإضافة للكهرباء.

ونوّه الزامل إلى أن هذا الصندوق سيقوم بمنح قروض أو يدفع فوائد قروض للبنوك.

ولفت الزامل إلى أن المستهدف الأوّل هم المواطنين، والمستهدف الثاني هو المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر ثم نتابع بإتجاه المشاريع الأكبر، ولا يهدف فقط لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسيةبل أيضاً السخّان الشمسي.

الدعم..والفاكس المستعجل”!
على سبيل “الدعم” اتّخذت الحكومة العديد من القرارات والإجراءات لدعم مشروع الطاقات المتجدّدة كتقديم القروض للمواطنين ليتمكنوا من شراء الألواح الضوئية ومستلزماتها، لكنها لم تدخل بعد حيّز التنفيذ، كما يجب.

هذه الخطوة، وصفها الخبير الاقتصادي الدكتور عمّار يوسف، بأنّها مهمّة جداً لدعم استخدام الطاقة الشمسية، ومع ذلك، فإنّ عملية التمويل وحدها لا تكفي، مطالباً بأخذ إجراءات تعزّز هذا القرار بإصدار قائمة بأسماء الأشخاص أو الشركات التي يتعامل معها البنك ضمن إطار ضمانة العمل بشكل احترافي وعلمي في تنفيذ أيّ مشروع في حال حدوث أي خطأ من قبل أية شركة كي تتحمّل غرامات الإصلاح أو تعديل العمل وإصلاحه.

وحسب قول يوسف، لابدّ أنّ تعتمد البنوك على الخبراء والعملاء المختصين والالتزام بالشروط والمعايير الصحيحة، ومنع التعامل مع جهات غير معروفة وفرض غرامة على الشركات في حال التنفيذ الخاطئ لضمان حق المواطن بالحصول على خدمة جيدة؛ إذ أنّ معظم البضاعة في السوق المحلية تدخل دون رقابة، وإذا كان هناك رقابة فهي غير مجدية لأنها حتى الآن لا تستخدم الأجهزة الخاصة في كشف الألواح الزائفة.

وفي 24 من آب الماضي، طلب وزير الكهرباء غسان الزامل، من نظيره وزير المالية، كنان ياغي، وفق “مذكرة” توجيه المديرية العامة للجمارك للتدقيق ومراقبة جودة بعض الأجهزة الكهربائية، وتجهيزات الطاقة البديلة المستوردة من خارج سورية، بعد موافقة المركز الوطني لبحوث الطاقة.

وبحسب المذكرة، يجب إبلاغ بحوث الطاقة عند وصول الأجهزة الكهربائية المحددة، وتجهيزات الطاقة البديلة إلى المعبر الحدودي قبل إدخالها، عبر “الفاكس المستعجل”، وتوجيه المستورد بمراجعة بحوث الطاقة للحصول على موافقة المركز بإدخالها بعد مطابقته لمواصفاتها.. لكن، حتى الآن لم تسجيل أيّ من تلك الخطوات!.

ما خسرناه في عشر سنوات؟!
بلا شكّ، في حال تم الاعتماد على الطاقة البديلة “بالطريقة الصحيحة من النواحي كافة”، ستكون خطوة مهمّة، لكنّ ما يجري في البلاد أغلب الأوقات “بعكس التوقعّات والمخطط لها”، والأسباب متعددة، وهنا يتحدّث الخبير الاقتصادي، يوسف، عن نقطة مهمّة تحاول الجهات المعنية التغاضي عنها، وهي التكلفة؛ إذ تختلف الطاقة البديلة عن الطاقة الأحفورية التقليدية أولاً من جيث التكلفة؛ حيث تبلغ تكلفة الكيلو واط الساعي الواحد من الطاقة المتجددة من 40 إلى 50 ليرة للكيلو واط الواحد، وللطاقة التقليلدية ما مقداره من 250 إلى 300 ليرة، وهذه تعدّ تكلفة عالية جداً، وغير مقبولة، أدّت إلى خسائر كبيرة على المدى الطويل، بمعنى أنّ “الذي صرفناه من أجل الطاقة خلال سنوات الأزمة من الممكن أن يشتري 3 مفاعلات نووية صديقة للبيئة تؤمن الكهرباء لسورية كاملة”!.

وفي النهاية يختم د.يوسف:” تبقى الحلول الحكومية ارتجالية وليست ذات بعد استراتيجي.. لا شك أنّ هناك فئة تستفيد من انقطاع التيار وتوصيله كما ترغب!”.

Exit mobile version