Site icon هاشتاغ

نتعرف على أنفسنا

نتعرف على أنفسنا

نتعرف على أنفسنا

هاشتاغ-نضال الخضري

تنتهي الحروب بمعرفة زائدة، أو أنها تترك لنا صورا إضافية لمساحات مجهولة من عالم ألفناه، فنلتقي بظلال كنا نتجاهلها ونحاول تجنب لقائها، فهي في النهاية بقايا ما تركته المعارك من هوامش عالقة في ذاكرتنا، فنظهر من جديد بشكل “الحكمة” التي حملناها نتيجة القسوة على امتداد أكثر من عقد، فالحرب التي شهدناها وضعتنا أمام لوحة لم نكن ننتظر رؤيتها، بل كنا نترقب ألوانا أخرى لا تحمل تلك القتامة التي ظهرت خلال سنوات الخوف، فهل حقا زادت معرفتنا؟ أم أن زمنا تركنا في جهل مختلف؟

نحن وتلك الأسئلة نحمل رواية مختلفة عن الحرب، فالذاكرة القريبة تحتفظ بمراحل من الثقة بأننا أنجزنا على الأقل وجودنا في سوريا، ورغم القلق المستمر ولعقود من أخطار مختلفة، لكننا أبقينا أشكالا من الثقة بأننا قادرون على تدبر “وجودنا” دون فزع من حالة الفوضى التي اجتاحتنا في لحظات الغفلة، فتغيرت معرفتنا لذاتنا، وبدت صورة العلاقات الاجتماعية وكأنها انعكاس لزمن ربما ليس ببعيد لكننا حاولنا تناسيه أو القفز بعيدا عنه.

ما الذي اختلف عن عام 1860 سوى انتشار الفوضى أكثر، لكن العمق الاجتماعي يبقى واحدا لا يتغير، فمنذ تلك الأحداث ونحن نحاول التصالح مع حقيقة أن “الاختلاف” قدر سوري يصعب التأقلم معه بشكل اعتيادي، وتبقى المبررات التي سارت بيننا خلال الحرب مجرد صدى، فهي واقعية لكنها لا تخفي اللون المتكرر الذي يقدم لنا “الاختلاف” كإبداع أو “نقمة”، وفي لحظات نادرة نتعرف على “الحالة السورية” النادرة، لأنها “معرفة” بكل المقاييس، وقدرة مخبأة تنفجر عنفا أو تسيل حبا.

هو قدر الحرب، أو تبعاتها التي تخنقنا اليوم فنحاول تلمس درب النجاة أو الهجرة، وندرك أننا لسنا “فريدين” في التاريخ السوري، فرؤية العالم ولو “قهرا” كانت جزءا من تاريخ مألوف لموجات بشرية كانت تترك شرق المتوسط نحو الغرب، وتكتب لنفسها مصيرا متكررا ربما منذ أن قرر “أول سوري” النجاة بوجوده قبل آلاف سنين؛ للتجارة أو ربما ليقينه بأن الجغرافية التي وجد عليها “مشحونة” بالاختلاف الذي يحتاج لفائض بالمعرفة.

في سوريا اليوم بضعة ملايين تعيش شظف ظلال الحرب، وربما تجهل بأنها تحتاج لـ”معرفة” خارجة عن “النمطية” القديمة، فبقايا السنوات القليلة الماضية لم تترك لنا إلا القليل من الوقت كي نفكر بنجاة خارجة عن المألوف، فمن هاجر سار وفق “الحل التاريخي” الذي يعرفه السوريون، وبالتأكيد لا يمكن للجميع اتباع نمطية النجاة عبر ترك الهموم في الوطن، والذهاب إلى أي نقطة تتيح له رؤية نفسه من جديد، و “أشكال النجاة” الأخرى عالقة اليوم على تفاصيل الحياة المرهقة، وربما في مشاهد تحجب الكثير من الرؤية أو التفكير أو حتى البحث عن مسارات غير مألوفة لـ”توليد” الحياة.

قصتنا ليست “ديسبورا” أو شتات لأنها سردية طويلة تخنقنا اليوم لأننا لم نكتبها، ولم نبدع صورا لها تعيد بناء جمالية الغوص في “الاختلاف” الذي شكل وجودنا منذ الأحرف الأولى للرواية السورية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version