Site icon هاشتاغ

نحو قضاء سريع وعادل

محمد محمود هرشو

العنوان أعلاه ليس من بنات أفكاري، إنما هو عنوان لمؤتمر أقامته وزارة العدل عام 2017، ولكن لم يبقَ منه إلا اللوحة الإعلانية الدالة عليه والموضوعة في مدخل وزارة العدل على باب مرآب السيارات، أما عن ترجمة الشعار فالأمر لا يُقاس بنسيان اللوحة في مكانها رغم مرور كل تلك السنوات على انتهاء المؤتمر، ولا بتعاقب ثلاثة وزراء منذ ذلك الحين. كما أنه لا يقاس بشكل اللوحة التي عفى عليها الزمن.

بكل بساطة؛ الأمر يُقاس بالنتائج أو حاجة المجتمع للعنوان الجميل “نحو قضاء سريع وعادل”.

ها هي البلاد تمر “بمخاض” لا أعتبره عسيرا هذه المرة، كونه واضح الرؤى على الأقل للمقررين وراسمي السياسات، وها قد بدأنا نلمس تغييرات في جذور عقل السلطة (أمنياً وحزبياً)، فالمؤسسة الأمنية على وشك ولادة مؤسسات بعيدة عن الحياة المدنية، وبالفعل صدرت العديد من القرارات التي تؤكد ذلك.

أما المؤسسة الحزبية، وبعد سنوات على توصيف آلية عمل الحزب والتي شملت المحطات الثلاث التي مرَ بها هذا الحزب وتشريح المراحل، فقد أخذت منحى “الإجبار” للالتحام بالقواعد الشعبية، وهاهي مقبلة على انتخابات “حقيقية” لاختيار القيادات البعثية.

لست بصدد الشرح المطول ولا التبرير للعاملين المذكورين، لكن إضاءتي اليوم، وأنا أتأمل مستقبل البلاد التي خلت طيلة السنوات الماضية من عقد اجتماعي يجمعنا، فكنا نركض ميمنة وميسرة شرقا وغربا ل “استيراد” عقدنا الاجتماعي الذي سينهي مأساتنا ويوحدنا ويجمعنا في وطن لجميع أبنائه.

تُرى ما هي الأسباب التي أودت بنا إلى نفق “اللا ثقة”؟

أليس نفس النفق الذي أوصلنا لندمر بلدنا بأيدينا؟ والذي أودى بنا إلى اليأس من أي إصلاح محتمل!

بكل بساطة، يتبين أن الجواب هو في عنوان هذا المقال – وليس المؤتمر- أي القضاء السريع والعادل!

كم من العقود ونحن نفتقد لهذا العنوان، عبر الثغرات في قوانيننا وشهوات القائمين عليها، بصُغر المسؤولين عن تنفيذها، وجشع المُطالبين بها، بيأس المشتكين وبؤس العاملين فيها وإهمال المحاسبِين.

كم نفتقد لهذا العنوان رغم أن من رفعه “وزيراً” تشبث بكرسيه لسنوات متناسياً شعارا أطلقه بنفسه، فلم يأتِ من يسأله يوماً حول ما آل إليه شعاره وحتى يافطته، فهو المُعتمد على “ولاءاته” الحزبية ليحظى بحقيبة وزارية.

تأتي أُمة من بعده تلعن ما قبلها محتفظة ب”اليافطة” إياها، وها هو حبرها يجف أكثر، بينما شعارها وديدنها “ألو.. افصل الدعوى لصالح فلان”!

وتذهب أمة ويأتي كذلك غيرها، وكالعادة تلعن ما قبلها مستفيدة من تركتها وأدواتها، وحتى مفاتيحها، محتفظة باليافطة دون أن يبقَ أي أثر للحبر، فيذهب الشعار وتبقى اليافطة بيضاء من غير سوء (وهي موجودة حتى الآن) لعلها لم تقرأها، وحتى لا تدري بوجودها، فالمهم هو “السطوة” التي تفتح لها ولمن وراءها الطريق نحو “القضاء السريع والعادل” ولكن هي لخدمتهم فقط وإن كان ما يصدر لمصلحتهم يصدر “باسم الشعب العربي السوري” الذي لم يُسأل يوماً عن رأيه بتلك القرارات.

كل ما سبق جعل من القضاء سلاحا في أيدي القابضين عليه لا في خدمة العدالة وإحقاق الحق كما هو مطلوب ومفترض.

فهل أحدثكم عن مسؤولين كان القضاء سريعا وعادلا عليهم لدرجة أن ملفاتهم القضائية شملت أوراقاً بيضاء تحوي على بصماتهم بما نُسب ولم يُنسب إليهم، لتتبين براءتهم بعد أربع سنوات على توقيفهم!

أم أحدثكم عن آخرين لم تُحرك بحقهم دعاوى عامة رغم أطنان الاعترافات بجرمهم، فتم طي ملفاتهم بسرعة مكالمة هاتفية لم تتعدى الدقائق .

إنه القضاء أيها السادة؛ يقضي على حيوات الأبرياء ويهدم أوطانا إن كان في أيد لا تؤتمن على الحقوق، ويزدهر في ظله الحق وتحفظ الأوطان، إن كان في أيد أمينة، ولا أعتقد أن الأوان قد فات للوصول إلى الهدف الأسمى “قضاء سريع وعادل” كحقيقة ملموسة لا شعار على باب مرآب.

Exit mobile version