Site icon هاشتاغ

هشاشة على مسار الحياة

هشاشة على مسار الحياة

هشاشة على مسار الحياة

هاشتاغ-نضال الخضري

يعبر بنا القلق الوجودي بعد أكثر من عقد على الحرب التي لم ترحل نهائيا؛ لكنها تركتنا نواجه الوباء لأكثر من عام، ثم نقلنا الزلزال الأخير إلى أشكال اللايقين التي تكون أمامنا تهويمات وجودية لأجيال تواجه القدر في كل لحظة، فالتفكير بـ”هشاشة” الحياة ليس مسألة جديدة لكنها تُكسّر فينا الكثير من الألوان التي تسبح بنا في مساحات “اللذة”.. لذة الحياة التي تغرينا دوما بالمزيد من الإصرار على البقاء.

يحق للسوريين العودة إلى كل مدارس الوجودية ليكتبوا لأنفسهم مدرسة مختلفة، ويبنوا تفكيرا جديدا بعد سلسلة من “الكوارث” التي اعتقدوا أنها لن تجتاحهم، أو ربما سمحت لهم بمعانقة رخاء نسبي لزمن قصير قبل الدخول بتحد لكتابة الوجود الذي يحاصرهم في كل الأمكنة، فكارثة الزلزال الأخير، وذكريات الاختطاف والمعارك ومفارقة الأحبة كانت تحديا ليس بجديد، لكنه يأتي في زمن الخيارات الفلسفية.

نحن اليوم أمام ألوان مختلفة من رؤية البقاء، وفي مواجهة الواقع الصعب أو الحقيقة بأن “الحياة هشة”؛ بكل التعقيدات هشة لكي تظهر بالصورة التي نعرفها، فهذه الهشاشة التي دفعت الإنسانية لرسم ملامح تفكير عبر الزمن؛ وصلت إلينا بشكل قدري، وربما برؤية حول حياة لا نستطيع العبث فيها، فهناك قدر يلفنا ويرسمنا على خلفية باهتة لمسار واحد فقط.

الحياة هشة.. لكنها ضرورة لمن وجد فيها.. وهشاشتها ليست مأساة بقدر كونها إمكانية لاكتساب لذة الوجود فيها، وكسر قدرية مسارنا ونمطية تفكيرنا بها، فهي “الممكن” الوحيد الذي نمسكه ونمضي به لمسار الفناء، وما بين البداية والنهاية يحق لنا أن نعبث بهذا الوجود لكي نتجاوز فكرة النهاية.

في التفكير القدري لا حاجة لاعتبار الهشاشة تحدٍّ، فهو عبور نحو “الماوراء، والمسألة ليست بالإيمان بحياة ثانية مهما كان شكلها، إنما بجعل الوجود الحالي تصورات ممتعة تخلق الدهشة في ذروة الرعب من الكارثة، ففي فضاء ما نملكه هناك حرية في الداخل كي نبني لحظات مختلفة ربما بـ”معرفة” أو عشق أو حتى قلق الانكشاف أمام وجود يتجاهلنا بضخامته عبر كون مازال يدهشنا بتنوعه المُبدع.

لا موقع للكآبة في مساحة الهشاشة.. لا يمكننا الدخول في رمادية التفكير القدري.. هناك لحظات ممكنة نستطيع تملكها في أوقات الذعر، ونحاول تصوير رؤية تكسر لحن الموت الذي لفنا لسنوات، ففي سوريا حياة ممكنة لمن يريد أن يتجاوز “القدرية” التي تسكن عقولنا، وفيها من “عشق الحياة” ما يجعل الرعب عبور نحو تأمل جديد، وفيها أيضا ما ينغصنا أو يفرحنا أو يجعلنا نواجه الوجود برغبات أقوى.

“الهشاشة” ليست قدرا بل حقيقة.. وهي في النهاية لا تخصنا إنما تلم البشرية كلها بقوانين واحدة، فيظهر التنوع الفلسفي وحتى التباهي بأشكال العشق المختلف بين لحظة وأخرى.. سوريا ليست استثناء بل فضاء ممكنات رغم كل المنغصات.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version