Site icon هاشتاغ

وضع “غير لائق”

وضع "غير لائق"

وضع "غير لائق"

هاشتاغ-نضال الخضري

قدر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك المساعدات المقدمة لسوريا بـ”19 مليون دولار”، ولا حاجة لمناقشة الرقم مقارنة بأرقام الأمم المتحدة نفسها التي تتحدث عن 5.300.000 شخص بلا مأوى، أو حتى لـ”15″ مليون سوري بحاجة لمساعدة، فالمأساة السورية اليوم هي بحجم نكبة فلسطين ونكسة حزيران مجتمعتين، مع فارق واحد أن هؤلاء نازحون داخل مدنهم المتآكلة بعد حرب طويلة.

هناك شكل “غير لائق” يحيط بالسوريين من الخارج، فالزلزال يبدو مناسبة للنظر إليهم بشفقة وتعاطف، تشبه التعامل مع أزمة المجاعات الإفريقية أواخر السبعينيات، وتقارب اللون المتوحش لعالم يبحث عن الشفقة ليشعر بمكانته أو ذاته، بينما يبدو الطيف السوري بشكل مختلف من الداخل على الأقل، فهو مربك من اضطراب عمليات الإغاثة، وغير قادر على استيعاب نهاية الكارثة، فبعد الموت هناك من نجا ليقع في صراع البقاء، وفي وضع الحزن ضمن الذاكرة المغلقة التي تحمل “الفقد” بكل أشكاله.

العالم خلال الكوارث يتقن الشفقة بينما يبقى “قدر البقاء” هو الحالة التي تعصف بمن نجا من الموت، والإغاثة تبدو كلمة أقل من المحتوى الذي يجب أن تحمله، لأن سكان المناطق المنكوبة يحتاجون لطاقة تفوق السلل الغذائية، أو الخيام التي تصل عوضا عن المنازل التي كانت تستر كل إجحاف القدر بهم، وبما أن المساعدات الخارجية لن تصل إلى مرحلة إعادة توطين المشردين فنحن أمام رحلة اغتراب جديدة أصعب من سابقاتها.

وفي الكوارث أيضا هناك حالة “المعايشة” لحجم المأساة، وإذا لم تظهر فإنها ستجعل كلمة المساعدات حالة من “النبذ” لواقع مفروض، ونوع من الترفع عن طبيعة الألم الذي يلف الجميع، فالمسألة بالنسبة للمجتمع الدولي إنفاق لميزانية موضوعة سلفا، وخلق سوق عمل مؤقت لعامليها المختصين في استثمار الأزمات، بينما تبدو “المعايشة” مشاركة للمعاناة ودفع لتجاوز صراع البقاء الذي ضرب الشمال السوري.

ما يشغل “النشطاء” في الشأن العام اليوم هو حالة التكاتف الاجتماعي التي يرونها عبر سيل التبرعات، وبالتأكيد فإن هذا الأمر الضروري لا يعبر بنا من الكارثة، فهو مجرد تجاوز للحظات الكارثة الأولى، وعندما نقرأ الاحتياجات العميقة ندرك أننا أمام ضرورة التحول إلى ثقافة مختلفة تخفف الاستهلاك إلى أبعد الحدود، وربما علينا إعادة التفكير بالشأن العام لينتج ثقافة ما بعد الكارثة أو الأزمة عموما، فالبقاء اليوم هو شكل ثقافي عام وليس قوافل مساعدات فقط، وهو طريقة تفكير بالعبور من الأزمة وليس فقط ميزانيات يتم رصدها لدعم المتضررين.

سوريا بذاتها ثقافة بقاء مخزنة في الذاكرة الاجتماعية، وتنشيط هذا الأمر يحتاج لتصور حول سؤال ربما مصيري.. “أين نتجه؟” أو ربما كيف سنفكر بمستقبلنا لنكسر “الشفقة” التي يبديها المجتمع الدولي، فـ”الوضع غير اللائق” لما يحيط بنا لن يتبدل إلا بتفكير جديد يجعل من التعاطف اتجاه لمسار في الثقافة الاجتماعية تجعلنا نعايش الكارثة لننتج جسر عبور من الأزمة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version