Site icon هاشتاغ

يوميات العائدين في قرية “كيسين” بحمص… من التهجير إلى التهميش

هاشتاغ سورية – خاص

ثمانون عائلة وأكثر في قرية “كيسين” التي تتبع للريف الشمالي بحمص، عادت إلى منازلها خلال العامين الماضيين، بعد خروج الجماعات المسلَّحة إثر تسوية مع الدولة السورية في العام 2018.

سبع سنوات من التهجير، والاقتتال على هذه الأرض كانت كافية لخلق تحديات اجتماعية، واقتصادية، يحاول سكان القرية الالتفاف عليها بشتى الطرق، والوسائل المتاحة، فالعبور إلى حواجز الجيش السوري المتمركز على أطراف المدينة آنذاك تطلَّب استباحة موقع القرية جغرافياً، وهدم منازلها، وسرقة ما يمكن سرقته تحت مسمى “غنائم الحرب”.

التهجير والتهميش
يتحدث مصدر من داخل القرية رفض الكشف عن اسمه لهاشتاغ سورية” عن المعاناة التي ذاقها أهالي القرية منذ ما أسماه هجرتهم الأولى في العام 2013، إلى قرية “أكراد الداسنية” المجاورة، إذ تخلَّت وفق منظوره قرى قريبة عن مؤازرة الأهالي وقتها.

ويعبر بحرقة عن عودتهم إلى منازل خالية، ومدَّمرة بالكامل، ووعود حكومية لم ترق إلى مستوى التخطيط بعد، وبقيت في أدراج المسؤولين عن ملف عودة المهجرين.

ورغم تشجيع الدولة السورية المهجرين على العودة السريعة، وترغبيهم بعودة الخدمات الأساسية، وترميم المنازل، وترحيل الأنقاض، مازال كثيرون خارجها، بعد أن استطاعوا تأمين أبواب أخرى للرزق، وبعد أن سمعوا عن مآسي العائدين، “كبش الفداء”، أولئك الذين لم يحظوا حتى اللحظة بفرصة لائقة للعيش ضمن الحد الأدنى من المتطلبات.

يشير المصدر: أنَّ رحلة العودة كلَّفت الأهالي، وأضافت إلى أحمالهم أثقالاً أخرى، إذ لم تقم الجهات الحكومية ممثلة بمحافظة حمص، بتنفيذ وعدها بعودة الخدمات، أو ترميم ما تيَّسر من المنازل المدمرة، بل على العكس اضطروا إلى ترميم الجدران، والأبواب، والنوافذ، كل حسب إمكانياته، ودون مساعدة من أحد.

خارطة جديدة
على امتداد المساحة الخضراء، يحاول بعض أطفال قرية “كيسين” رسم خارطة جديدة للعبور، إلى مدارسهم، أو ساحات اللعب، والمتبقي منهم لا يأمن ذويهم خروجهم إلى اللعب، بسبب وجود الألغام، والقنابل غير المتفجرة، غير أنهم في الوقت ذاته مجبرون على إرسالهم إلى المدرسة في القرية المجاورة التي تبعد عنهم مسافة 4 كم، بسبب عدم وجود مدرسة إعدادية ضمن القرية.

تقول سناء إحدى العائدات، هي وعائلتها “لهاشتاغ سورية”:” أطفالي، وكثيرون مثلهم، محرمون من اللعب أو الخروج، قمنا بمجهود شخصي مع أهالي القرية، برسم دوائر حول الأماكن التي يُعتقد بوجود أجسام غريبة وقابلة للتفجير، ولسنا متأكدين من وجود مناطق أخرى لا نعلم بوجودها بعد، وحياتنا حتى اليوم محكومة بالخطر من كل جانب”.

وعن سبب عدم إزالة الألغام من أراضي القرية يؤكد مختار القرية أنه تم التواصل مع الجهات المختصة أكثر من مرة، حيث قامت بتفكيك بعضها، وبقي كثير منها ضمن الأراضي، علماً أنَّ وجودها يعرض الأهالي يومياً إلى خطر الإصابة بتفجير أحدها، وخاصة أنهم يعملون في مجال الزراعة، وبالتالي فإن مشوار زراعة الأرض، وحصادها، قد يكلف البعض حياتهم”.
رحلة التربية والتعليم
بدأت المدرسة الابتدائية باستقبال طلابها، مع بداية العام الدراسي، بعد أن قامت إحدى المنظمات الإنسانية بترميمها، على أن تتكفل المحافظة ومديرياتها، بتنظيم باقي التفاصيل من مياه، وكهرباء، وكذلك تدفئة، ومضى إلى اليوم على وقت افتتاح العام الدراسي خمسة أشهر، ولم تصل إلى المدرسة المياه، وتجهيزات التدفئة، واضطرت إدارة المدرسة الطلب ضمنياً من الأهالي إرسال المدافئ، على أن تتكفل هي بتأمين الوقود، ورغم التواصل المستمر مع مديرية التربية، بقي الحال على ما هو عليه دون تغيير، ويشير كثيرون إلى رغبتهم في إخراج أبنائهم من المدرسة، واكتساب حرفة أو مصلحة أفضل من التعليم ضمن هذه الظروف”.

تعويض الأضرار (رمم ونحن نعطيك)
يواجه معظم العائدين إلى القرية، مشكلة في آلية العيش ضمن منازلهم التي تفتقر إلى أدنى مقومات العيش، فمعظمهم قام بسكن منزله والتحايل على الدمار، بوضع الستائر القماشية، بديلاً للأبواب، وأكياس النايلون على النوافذ، وقطع قماشية مهترئة لسد الثقوب الموجودة في الجدران.

أما من قام بتأهيل كل ما ذكر سابقاً على أمل التعويض من قبل المحافظة، خاب ظنه، ولم يحصل حتى اليوم على التكلفة التي رمم بها.
يقول “محمد” “لهاشتاغ سورية:” قمت بترميم منزلي، من أبواب ونوافذ، بعد انتظار طويل، ذلك أنَّ اللجنة المكلفة قامت بإحصاء نسبة الدمار، وقدَّرتها بـ 600 ألف ليرة سورية آنذاك، وفي كل مرة نراجع فيها المكتب الخاص يردون علينا بعبارة: السنة القادمة سنعوض لكم ما دفعتم”، كيف؟! والأسعار باتت أضعاف ما دفعناه، وماذا سيقدم لي مبلغ 600 ألف اليوم، ربما سأرمم به باباً، أو نافذة فقط لا أكثر”.

طبياً الواقع مأساوي
نقص الخدمات الطبية، يمثل لأهالي القرية وضعاً من الصعب تجاهله، لاسيما ضمن ظروف الجائحة التي أصابت البلاد منذ العام الفائت، ويُضطر كثيرون الذهاب إلى القرى المجاورة سيراً على الأقدام، لتلقي العلاج، جراء عدم وجود مركز صحي، أو مستوصف، وبما أنَّ حافلات النقل تعمل حتى الساعة الثانية عشر ظهراً، فإن الأهالي مرغمين إما السير مسافة تزيد عن 5 كم، أو التسليم بقضاء الله تعالى.

الحياة مستمرة
يؤمن كثيرون من أهالي القرية أنَّ حياتهم لن تبقى كما هي، وبعضهم يشير إلى مرارة القتل، والتهجير، وملف الغائبين إلى مصير مجهول، ويعبرون بكلمة “الحياة مستمرة”، ورغم الوعود الحكومية، والتجاهل، والتهميش، يواصل أبناؤها العيش، منتفضين على الواقع تارةً، راضخين لسياسة الأمر الواقع تارةً أخرى.

Exit mobile version