سد النهضة الإثيوبي الكبير هو مشروع متنازع عليه ومكلف للغاية وفي الوقت نفسه له القدرة على انتشال الملايين من الفقر وإحداث اضطراب في العالم الشرقي
مع تفاقم أزمة بناء وملء وتشغيل سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، ضاعفت القاهرة وأديس أبابا جهودهما في واشنطن لدفع إدارة الرئيس “جو بايدن” للوقوف في صف كل منهما.
لكن الرد الأميركي جاء من خلال “سامويل وربيرج” المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية بقوله إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس أزمة “سد النهضة” وتتشاور مع الدول الثلاث “مصر وإثيوبيا والسودان” “ويبقى على الدول الثلاث أن يحلوا أمورهم بأنفسهم، وأمريكا يمكنها أن تتدخل بالمساعدات التقنية”.
وكان مشروع بناء سد النهضة مصدر نزاعات في شمال شرق إفريقيا منذ البدء بإنشائه في نيسان /أبريل 2011، وحتى تموز /يوليو 2020 عندما بدأت إثيوبيا في ملء خزانها.
فلماذا يعتبر سد النهضة مثيراً للجدل؟
تعود أصول النزاع المصري الإثيوبي على نهر النيل إلى المعاهدة الأنجلو المصرية لعام 1929، عندما تفاوضت فيها المملكة المتحدة مع مصر نيابة عن إثيوبيا والعديد من دول حوض النيل الأخرى.
وفي عام 1959، وقعت الخرطوم والقاهرة اتفاقية نهر النيل الخاصة بهما، ومنحتا لنفسهما الحق في استخدام مياه النيل بينهما، بحيث تصل مخصصات مصر السنوية المضمونة من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب والسودان إلى 18.5 مليار متر مكعب.
ومُنحت مصر حق النقض على مشاريع البناء في المنبع؛ غير أن إثيوبيا التي تزود النهر الرئيسي بـ 80% من المياه التي تتدفق في اتجاه مجرى النهر إلى السودان و مصر، والتي استُبعدت من الاتفاقات، لطالما أكدت أن معاهدة 1929 واتفاقية 1959 تجاهلتا احتياجاتها المائية، لذافإنها لا تعترف بهاتين الاتفاقيتين، مما أثار الخلاف حول تأثير سد النهضة.
في نيسان /أبريل 2011، أطلقت إثيوبيا مشروع سد النهضة، ولم تستشر مصر ولا السودان، مؤكدة أن الأمر قضية متعلقة بالسيادة الإثيوبية.
في آذار/ مارس 2015، وقّعت الدول الثلاث “مصر والسودان وإثيوبيا” إعلان المبادئ في الخرطوم. وفقاً لبنود هذه الإعلان، ستقوم إثيوبيا بتنفيذ توصيات اللجنة الدولية من الخبراء المعنية بتقييم الآثار البيئية والاجتماعية للسد. ومع ذلك، عادت إثيوبيا لاحقاً إلى موقفها الأصلي ورفضت السماح بإجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي.
الخشية المصرية
قال وزير الري الإثيوبي إن أثيوبيا ستواصل العمل لاستكمال بناء سد النهضة والبدء في عملية التخزين الثانية لبحيرة سد النهضة بسعة 13.5 مليار متر مكعب خلال تموز /يوليو القادم، وأضاف أن بلاده ترفض أي اتفاق يحيد عن إعلان المبادئ سد النهضة الموّقع في آذار/ مارس 2015.
وفي هذا ترى مصر أن إثيوبيا انتهكت البند الخامس من إعلان المبادئ على “التعاون في الملء الأول وإدارة السد”، حيث بدأت التخزين دون تنسيق مع مصر والسودان.
وإذ تصّر الحكومة المصرية على ملء بطيء لمدة اثني عشر إلى واحد وعشرين عاماً لمنع التحديات الكبرى للأمن المائي في مصر، لكن الحكومة الإثيوبية تصر على استكمال العملية من أجل زيادة قدرتها على توليد الطاقة، وهو شاغل رئيسي لها، إذ أن أكثر من نصف سكان إثيوبيا لا يحصلون على الكهرباء.
ونظراً لأن مصر تتوقع ندرة في المياه في أقرب وقت ممكن بحلول عام 2025، وإشارة بعض الدراسات إلى أن مصر قد تفقد ما يقرب من نصف حصتها من المياه إذا ملأت إثيوبيا الخزان على مدى ثلاث سنوات، من هنا تكمن خشية مصر في أن يخنق السد مياه النيل الواهبة للحياة، فحوالي 95% من المياه التي يستهلكها 115 مليون نسمة في مصر مأخوذة من مياه النيل.
لذت تريد الحكومة المصرية اتفاقية ملزمة قانوناً بشأن ضمان عدم تأثر تدفق النهر في اتجاه مجرى النهر، وتطالب إثيوبيا بإعاد ملء للخزان خلال فترات الجفاف الطويلة لتعبئة النيل؛ غير أن إثيوبيا تقول “أنها تفضل الاتفاق على مبادئ توجيهية لا تحمل مثل هذا الإكراه القانوني“.
يذكر أنه تم بناء أكثر من 78% من أعمال التشييد، ووصلت نسبة استكمال الأعمال الهندسية إلى 91%.
ليس مجرد نهر
يقول “أمين جشاو” في افتتاحية هارفارد انترناشيونال ريفيو عن “أنه ليس مجرد نهر، إن سد النهضة الإثيوبي الكبير هو مشروع متنازع عليه ومكلف للغاية وفي الوقت نفسه له القدرة على انتشال الملايين من الفقر وإحداث اضطراب في العالم الشرقي“.
ويوضح أن هذه التطورات ليست جديدة؛ فقد أجرت أثيوبيا بالاشتراك مع مكتب الاستصلاح بالولايات المتحدة أول دراسة جدوى للسد على النيل عام 1964، أي قبل نصف قرن تقريباً من بدء البناء.
وسيكون سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار، أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا بمجرد تشغيله بالكامل في وقت لاحق من هذا العقد.
يقع “سد النهضة” على النيل الأزرق في شمال إثيوبيا، وستنتج 6000 ميجاوات من الكهرباء، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي بالكامل. على الرغم من أن السد يمكن أن يمنح المنطقة دفعة اقتصادية كبيرة، إلا أن المسؤولين من الدول الثلاث فشلوا في إبرام اتفاق حول كيفية تشغيله. بل إن الحكومة المصرية فكرت في نسف سد النهضة الإثيوبي. في حزيران/ يونيو 2020، أعلن “سامح شكري” وزير الخارجية المصري أنه بسبب عناد إثيوبيا في التوصل إلى تسوية، تدرس مصر الآن “خيارات أخرى” لحل النزاع.