أصدر مصرف سوريا المركزي، اليوم الثلاثاء، توجيهاً يُلزم البنوك التجارية العاملة في سوريا، بتقديم خطط "موثوقة وواقعية" لإعادة الهيكلة خلال ستة أشهر، إلى جانب تكوين مخصصات مالية لتغطية خسائرها الناجمة عن الانكشاف على القطاع المصرفي اللبناني المتعثر في السنوات الماضية.
ونقلاً عن وكالة "رويترز" قال حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، إن الانكشاف المالي للبنوك السورية في لبنان تجاوز 1.6 مليار دولار، أي ما يعادل نحو ثلث إجمالي الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري والبالغة نحو 4.9 مليار دولار.
وأكد الحصرية على أن الهدف من القرار هو تعزيز الشفافية وليس معاقبة المؤسسات المالية، مشدداً على ضرورة الانتقال من "مرحلة الإنكار" إلى "مرحلة المعالجة الفعلية".
وأظهرت بيانات بورصة دمشق أن عدداً من البنوك ذات الأصول اللبنانية، من بينها "بنك الشرق"، و"فرنسبنك"، و"بنك سوريا والمهجر"، و"بيمو السعودي الفرنسي"، و"شهبا بنك"، والتي تعد الأكثر تضرراً، إذ اعتمدت هذه البنوك على ودائعها في المصارف اللبنانية كمصدر رئيسي للسيولة خلال سنوات الحرب والعقوبات، مما تسبب بدخولها بأزمة مالية خانقة.
وأفاد مصرفيون حول هذا التوجه إلى غياب البدائل المالية آنذاك، نتيجة العقوبات الغربية التي فرضت عزلة شبه كاملة على النظام المالي السوري، والذي دفع البنوك إلى استخدام النظام المصرفي اللبناني كمنفذ مالي خارجي، قبل أن يتعرض لانهيار حاد في عام 2019، بحسب موقع "إندبندنت عربية".
وفي ظل هذه الضغوط، بدأت بعض البنوك المتأثرة بإجراء محادثات أولية مع مؤسسات مالية في دول عربية مثل الأردن والسعودية وقطر، لدراسة إمكانات الدخول في شراكات أو عمليات استحواذ استراتيجية. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن هذه الخطوات تهدف إلى توفير سيولة بديلة ومواجهة تحديات إعادة الهيكلة.
وفي هذا السياق، كشف الحصرية أن الحكومة السورية تسعى إلى مضاعفة عدد البنوك التجارية العاملة في البلاد بحلول عام 2030م، مشيراً إلى تلقي طلبات ترخيص جديدة من مصارف أجنبية، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
وتعود جذور الأزمة إلى انهيار النظام المصرفي اللبناني في عام 2019 نتيجة تراكم الديون وسوء الإدارة المالية، ما أدى إلى تجميد واسع للودائع بما في ذلك ودائع المصارف السورية. وحتى اليوم، لم يعتمد لبنان خطة شاملة لمعالجة الفجوة المالية أو تحديد أولويات التعويض، على الرغم من الحديث المتكرر عن قانون مرتقب ينظم هذا الملف.
ويبدو أن القطاع المصرفي السوري بات في مواجهة إعادة هيكلة شبه قسرية، تفرضها التحديات الإقليمية والعقوبات الدولية. وبينما تسعى الحكومة إلى تعزيز الشفافية واستعادة السيطرة على المنظومة المالية، يبقى اختبار قدرة البنوك على امتصاص خسائرها وإعادة التموضع أحد أكبر التحديات في المرحلة المقبلة.


