هاشتاغ
بحث

سيارات مستعملة وأعطال مستمرة.. "صفقة العمر" تتحوّل إلى عبء يومي على السوريين

26/05/2025

سيارات-مستعملة-سوريا

شارك المقال

A
A

هاشتاغ - حسن عيسى


منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فتحت البلاد أبوابها لتيارات اقتصادية جديدة، من أبرزها تنامي سوق السيارات المستعملة، التي شهدت نشاطاً غير مسبوق نتيجة انخفاض أسعارها مقارنة مع ما كانت عليه في السابق.


لكن ما بدأ على أنه فرصة ذهبية بالنسبة لكثيرين، تحوّل سريعاً إلى سلسلة من المشكلات التي بدأت تطفو على السطح، مع تزايد شكاوى مالكي تلك السيارات من كثرة الأعطال، وتكاليف الصيانة الباهظة، وغياب أي رقابة فنية أو معايير استيراد واضحة.

كل إصلاح كلفني مبالغ كبيرة، واليوم السيارة متوقفة، ولا أعلم إن كنت سأستمر في استخدامها أم لا

سعر مغري وتكلفة باهظة

في أحد أحياء دمشق، يركن سليم محمود (38 عاماً) سيارته المتوقفة منذ أسبوعين أمام الورشة ذاتها التي زارها ثلاث مرات خلال أقل من شهر.


ويقول سليم لـ"هاشتاغ": "اشتريت سيارة ألمانية من طراز 2012، وكان شكلها الخارجي ممتازاً، وسعرها مغرياً جداً مقارنة بمثيلاتها، دفعت 50 مليون ليرة، في حين أن سعرها الحقيقي كان من المفترض أن يتجاوز 80 مليون ليرة".


لكن فرحته لم تدم طويلاً، يشرح سليم بقوله: "بعد أقل من أسبوعين، بدأت الأعطال تظهر تباعاً، أولاً في ناقل الحركة، ثم في نظام التبريد، وبعدها نظام المكابح. كل إصلاح كلفني مبالغ كبيرة، واليوم السيارة متوقفة، ولا أعلم إن كنت سأستمر في استخدامها أم لا".

من يشتري سيارة من إدلب أو من القامشلي وهو من سكان دمشق أو السويداء، لا يملك طريقة لاسترجاع حقه أو محاسبة البائع

سوق بلا رقابة و"نفايات ميكانيكية" متنقلة

في إحدى الورش الصناعية بريف دمشق، يعمل الميكانيكي نضال خلوف (45 عاماً) على إصلاح أربع سيارات تنتظر دورها على الرافعة. ويقول لـ "هاشتاغ": "منذ بداية العام، تأتيني يومياً تقريباً سيارات مستعملة مصدرها شمال شرق سوريا. مظهرها الخارجي جيد، لكن أعطالها خطيرة وبنيوية".


ويوضح خلوف أن العديد من هذه السيارات تدخل البلاد أو تُنقل بين المناطق دون إجراء فحص فني دقيق، ويضيف: "يُعاد طلاء السيارة، وتلميعها خارجياً، وتُغيّر بيانات عداد الكيلومترات، فتبدو كأنها في حالة جيدة، لكن في الواقع المحرك تالف، والكهرباء ضعيفة، وهيكل السيارة مرقّع".


ويشير إلى أن المتضررين الأكبر هم المشترون من خارج مناطق البيع: "من يشتري سيارة من إدلب أو من القامشلي وهو من سكان دمشق أو السويداء، لا يملك طريقة لاسترجاع حقه أو محاسبة البائع. تصبح السيارة عبئاً لا يُباع ولا يُصلح بسهولة".

هناك فعلاً بعض السيارات تأتي من مزادات أو تعرضت لأضرار سابقة، لكن سعرها يعكس حالتها. من يشتري دون أن يتحقق، يتحمّل المسؤولية

"لا نخدع أحداً.. السوق مفتوح"

من جهته، يرى غريب الأسعد (42 عاماً)، اسم مستعار، وهو تاجر سيارات مستعملة في ريف إدلب، أن معظم عمليات البيع تجري باتفاق واضح وأن الزبون في كثير من الأحيان يبحث عن السعر قبل أن يهتم بالحالة الفنية.


ويقول لـ "هاشتاغ": "الكثير من الزبائن يريدون شراء سيارة بسعر منخفض جداً، لكنهم لا يسألون عن الفحص ولا يطلبون تقريراً فنياً. نحن لا نقدم ضماناً، وهذا شيء معروف في السوق، وعلى المشتري أن يفحص ويتأكد بنفسه".


ويتابع: "هناك فعلاً بعض السيارات تأتي من مزادات أو تعرضت لأضرار سابقة، لكن سعرها يعكس حالتها. من يشتري دون أن يتحقق، يتحمّل المسؤولية".

عدم وجود جهة مرجعية لفحص السيارات أو فرض فحص فني إلزامي قبل البيع، جعل السوق أقرب إلى مزاد مفتوح لكل شيء

غياب المعايير وتعدد الجهات

يرى المهندس الميكانيكي طلال زيّون، الخبير في شؤون ميكانيك السيارات وأعطالها، أن المشكلة لا تكمن فقط في نوعية السيارات، بل في غياب أي إطار ناظم لعمليات الاستيراد والفحص الفني.


ويقول لـ "هاشتاغ": "حالياً، تتحكم عدة جهات غير متجانسة بالمعابر والأسواق، وكل طرف يفرض شروطه الخاصة ولا يخضع لسلطة مركزية موحدة. هذا ما أدى إلى تدفق سيارات مستعملة بشكل عشوائي، بعضها تعرض لحوادث جسيمة أو أعطال غير مرئية تظهر بعد فترة من الاستخدام".


ويضيف: "عدم وجود جهة مرجعية لفحص السيارات أو فرض فحص فني إلزامي قبل البيع، جعل السوق أقرب إلى مزاد مفتوح لكل شيء، ما أدى إلى تضليل آلاف المشترين الذين انجذبوا إلى الأسعار المنخفضة دون إدراك للحالة الفنية الحقيقية".

لا يوجد نص قانوني يُلزم البائع بالكشف عن الحالة الفنية للسيارة، أو حتى بتحمّل المسؤولية في حال ظهور عيوب خفية بعد البيع

القانون غائب والمحاسبة معدومة

من الناحية القانونية، يوضح المحامي خالد عجاج، المختص في قضايا حماية المستهلك، أن بيع السيارات المستعملة في سوريا يتم في غالبيته خارج الإطار القانوني الصريح.


ويقول لـ "هاشتاغ": "لا يوجد نص قانوني يُلزم البائع بالكشف عن الحالة الفنية للسيارة، أو حتى بتحمّل المسؤولية في حال ظهور عيوب خفية بعد البيع، خاصة إن لم يكن هناك عقد تفصيلي أو تقرير فني مرفق".


ويتابع: "غالبية المشترين لا يُبرمون عقوداً نظامية، ولا يلجؤون لمحامٍ، بل يكتفون باتفاق شفهي أو ورقة عادية. وحين تقع المشكلة، لا يوجد مرجعية تُنصفهم. ولهذا تبقى المسؤولية القانونية غائبة تقريباً في مثل هذه القضايا".

السيارة المستعملة اليوم، إما أن ترافقك لسنوات.. أو تفرض عليك الإقامة الدائمة في الورشة

من صفقة رابحة إلى فاتورة مفتوحة

يقول سليم، وهو يقف بجانب سيارته المتوقفة أمام الورشة: "كنت أعتقد أنني عقدت صفقة العمر، لكنني اكتشفت لاحقاً أنني اشتريت عبوة مفخخة بأربع عجلات".


ويضيف: "لو وُجدت جهة مسؤولة تفرض فحصاً فنياً دقيقاً قبل إتمام البيع، أو حتى وثائق تثبت الحالة الفنية للسيارة، لكنا وفّرنا على أنفسنا كثيراً من المتاعب والخسائر".


أما الميكانيكي نضال، فيلخّص الأمر بجملة واحدة: "السيارة المستعملة اليوم، إما أن ترافقك لسنوات.. أو تفرض عليك الإقامة الدائمة في الورشة".


في ظل غياب الرقابة وانتشار الفوضى، تبقى السيارات المستعملة واحدة من أبرز الأمثلة على كيف يمكن لفرصة اقتصادية أن تتحوّل بسرعة إلى عبء مزمن. فبدون قانون واضح، ومرجعية فنية موحدة، ستظل الشوارع السورية مليئة بسيارات أنيقة المظهر معتلة الجوهر، على حد تعبير المهندس طلال زيون.

التعليقات

الصنف

سوريا

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025