أيهم أسد
تثير توجهات الإدارة الجديدة في سوريا الكثير من النقاشات والتساؤلات في قضيتين سياسيتين مركزيتين تشغلان الشارع السوري ونخبه، القضية الأولى هي الدستور الدائم للبلاد والفترة الزمنية اللازمة لصياغته والتي قدّرتها الإدارة الجديدة للبلاد بثلاث سنوات، والثانية هي مسألة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تلي مرحلة الدستور الدائم والتي تم تقديرها بأربع سنوات.
وبالتالي فإن السؤال المركزي الذي يدور الآن هو: ما دوافع الإدارة الجديدة للتأخير في صياغة دستور دائم للبلاد؟ وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية؟ وما مدى ارتباط ذلك التأخير بظروف الداخل السوري والخارج الإقليمي والدولي؟
لدي اعتقاد بأن صياغة الدستور الجديد للبلاد لن تكون مُلكاً صرفاً للسوريين، فالدول التي دعمت الإدارة الجديدة للوصول إلى الحكم سيكون لها رأي في المسألة الدستورية القادمة، كما أن التوافقات الدولية بين القوى الكبرى وتفاعلات أصحاب المصلحة في سوريا ستؤدي دوراً مهماً في صياغة الدستور الجديد وإعادة تشكيل بنية الدولة السورية.
وهذا لا يعني بالطبع أن السوريين من أفراد وأحزاب وقوى مدنية وطوائف وقوميات لن تكون لهم بصمتهم الدستورية الخاصة أيضاً، لا بل يجب أن تكون لهم المساحة الكبرى والأكثر تأثيراً في صياغة الدستور، لكن لا أحد يعرف ما مقدار بصمة الداخل وبصمة الخارج في المسألة الدستورية القادمة؟ إذ إنه سيكون للجميع رأي حول شكل الدولة القادمة وتقاسم السلطات ونوع الاقتصاد؟ وكل ذلك سيخضع لميزان المصالح المحلية والدولية والتي ما زالت غير مستقرة حتى الآن.
ومن ناحية أخرى أعتقد أن إجراء مقارنات مع دول أخرى فيما يتعلق بمدة صياغة الدستور لتلك الدول، أو بمدة تأخر الانتخابات البرلمانية والرئاسية أو بمدة بقاء الدولة بلا رئيس، أعتقد أن تلك المقارنات غير ممكنة بسبب الخصوصية السياسية الداخلية والخارجية لكل دولة من الدول، والخصوصية لا تعمم بطبيعة الحال، وكل دولة حالة خاصة بذاتها ومتفردة فحتى لو احتاجت دولة معينة إلى أربع أو سبع سنوات لكتابة دستور فهذا لا يعني أن تلك التجربة يقاس عليها بعنصر الزمن فقط؟
كما أنني لا أتفق مع الكثير من الطروحات التي تقول إنه لا مانع من الانتظار ثلاث أو أربع سنوات لصياغة الدستور وإجراء الانتخابات وذلك من أجل إنضاج دستور وطني بامتياز، وإنضاج رئيس وطني، ويبرر أصحاب الطروحات تلك رأيهم بأننا خلال الأربع والخمسين سنة الماضية كنا نرضخ لدستور على مقاس النظام السياسي لا على مقاس الوطن وأن الدستورين السابقين (دستور 1973 ودستور 2012) كانا غير مطبقين فعلياً في ظل سلطة أمنية وبعثية ابتعلت الدستور والقوانين وعطلت مفعولها، لذلك لا بد من التريث لصياغة دستور جديد.
لذلك أعتقد أنه لا مجال للمقارنة مع الغير كما أنه لا مجال للمقارنة مع الماضي، وأنه ببساطة علينا اعتبار الحاضر بظروفه هو نقطة الصفر للانطلاق نحو المستقبل الجديد.
لدى سوريا خبرة تاريخية دستورية من خلال 12 تجربة دستورية بين مشروع دستور ودستور مؤقت ودستور دائم وذلك خلال 92 عاماً (من أول دستور عام 1920 إلى آخر دستور عام 2012).
ولدى سوريا من الخبراء والمختصين ما هو كاف لصياغة دستور على مقاس الوطن.
ولدى سوريا ثوابت وطنية في الدساتير السابقة كلها والتي لم تتنازل عنها بتأثير أي ظرف
لدينا كل ذلك فلماذا نتأخر؟