نضال الخضري
يختلف الرعب في سوريا عن أهوال الحرب السابقة كلها، فالموت لم يعد محصوراً على الجبهات، وفوضى الأمن تعيد تشكيل نفسها وتصبح حدثاً يومياً ما بين القنص والخطف والخضوع لابتزاز خاص بزمن ما بعد المعارك التقليدية، فلم يعد خطر القذائف أو القصف موجوداً؛ بل مساحات من المجهول تنتظر الجميع وتفرض إيقاعها على حياة الناس.
اختلطت الصور فهناك "توطين" للرعب يظهر مع اعتياد مظهر "الملثمين"، أو السيارات التي تخفي خلف نوافذها دوافع مجهولة، وتجعل من الشوارع مجال مخاطرة يصعب تجنبها، فهناك مزيج من القلق والدهشة تسافر داخل المدن المتعبة، وتجعل الانتقال عبر الأمكنة المتفرقة مهمة محفوفة بالشكوك والخوف، والترقب الذي يحمل معه نوعاً من اكتشاف المخاطرة وسط التحول الذي تعيشه الحياة.
داخل المجتمعات المحلية البعيدة عن المدن هناك نوع من العودة إلى الماضي، فالأرياف باتت أماكن تعيش عزلتها "الأمنية"، وفي تجمعات المدن الكبرى يبدأ الصمت مبكراً مع لحظات الليل الأولى، وعلى الرغم من اعتياد الناس اختصار حياتهم بساعات قليلة لكن الخوف اليوم أصبح حالة من ترقب المجهول، فهو يلوح كظل ثقيل فوق كل زاوية.
تسير الحياة على إيقاع من استهلاك الزمن، والارتباك في مشهد يشبه ما كانت تنقله دراما البيئة السورية من صمت يطبق على الحارات، ويبدو أن الصور التي تحيط بالناس تشبه أيضاً المسلسلات السورية التي بقيت أكثر من 3 عقود تتحدث عن "الخطف" و "القتل" والعصابات التي تتجول بين الناس، فسوريا تعيش الدراما التي خلقتها للإثارة، أو تعيد رسمها واقعاً يفرض ثقافة كانت افتراضية وأصبحت حالة يعيشها الجميع.
هناك حالة نفسية بدأت تكبر بصمت، لأن القلق لا يرحم، وتجول تاركاً بصمته الخاصة على التفاصيل، فيجعل كل المسافات بعيدة، ويخلق نظامه الخاص داخل الأحياء التي تخلت عن الشعور بالأمن، إلى البحث عن آليات طوارئ كي تتخلص من الخوف الذي يهبط فجأة، ويخلق ذعراً من أي حركة أو صوت يكسر حالة الخمول التي سيطرت على الحياة.
هناك لحظات عابرة ومليئة بالصخب، لكنها حالة نشاز واضحة للعيان، فالازدحام المروري لا يعبر عن الحياة، وانتعاش أسواق السيارات لا ينقل حالة اطمئنان، وحتى "سيل" المتسولين لا يجعل من تفاصيل المدن سوى ظلال متحركة وسط القلق والشد العصبي من اللحظات القادمة.
سوريا اليوم لا تعيش حرباً تقليدية، لكنها أيضاً لا تعرف السلام، فهناك لون رمادي يسيطر على الجميع، وتتحرك الحياة في تفاصيل وهي تترقب حدثاً غير عادي ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي ليؤكد قناعتها أن الزمن القادم يحمل معه "المجهول"، فهناك "موت غير معلن" لزمن سابق، ولكن المستقبل لم يظهر بعد.
الرعب في سوريا صار بيئة يمكن الإحساس بها ولكن يصعب توقع حركتها في حياة الناس، وهي ستخلق صوراً خاصة بها لا يمكن وصفها أو رسم ملامح لها لأنها تفاصيل تعيد تشكيل حياة الناس.


