رأي - أيهم أسد
تثير نتائج العلاقة بين صندوق النقد والبنك الدوليين وبين الكثير من دول العالم المتخلف عدداً من الإشكاليات المعرفية والتطبيقية في حقول علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وذلك لما تتركه السياسات الليبرالية التي تفرضها كل من المؤسستين فرضاً مشتركاً من آثار نهائية سلبية في بنية تلك الاقتصادات، وتالياً في بنية المجتمع والسيادة الوطنية الداخلية والخارجية للدولة، ومن المعروف أن تلك المشكلات تتعمق أكثر لأسباب داخلية أيضاً مرتبطة ببنية النظام السياسي الحاكم في البلاد ودوره في توزيع السلطة والثروة وسوء إدارة الموارد الاقتصادية وانتشار الفساد وعمقه.
وها هي اليوم سوريا بوصفها بلداً عضواً في المؤسستين الماليتين الدوليتين تعيد ارتباطها الاقتصادي والفني بهما بعد انقطاع دام نحو 10 سنوات بسبب اندلاع الأزمة السورية وتحولها إلى حالة حرب، وها هي اليوم قد بدأت تعيد ترتيب أوراقها الاقتصادية بحذر معهما معلنة أنه لا توجه رسمي حتى الآن نحو برامج هاتين المؤسستين، لكنها ألمحت بإمكانية التوجه إلى تلك البرامج إن استدعت الحاجة إلى ذلك.
يمكن القول إن قرار التوجه إلى برامج صندوق النقد والبنك الدوليين ليس قراراً اقتصادياً بحتاً كما أنه قد لا يكون قراراً داخلياً بحتاً أيضاً، ومعنى ذلك أن القرار سيكون غالباً مزيجاً من السياسة الداخلية المدفوعة برغبة الانفتاح والإنجاز السريع لكن من دون وجود حوامل اقتصادية حقيقية له، وبين السياسة الخارجية المفروضة من قبل أحد الفاعلين الكبار في الساحة السورية مرتدية زي الحاجة الاقتصادية الداخلية لدعم الاقتصاد الكلي أولاً ولدعم عملية إعادة الإعمار ثانياً.
سيكون التوجه إلى برامج صندوق النقد والبنك الدوليين هو "الطعم" الاقتصادي البديل عن نقص الاستثمارات العربية والإقليمية التي لم تتوج حتى الآن بمشروعات حقيقية كبيرة قادرة على النهوض بالاقتصاد؛ إذ سيروج بأن ما تقدمه المؤسسات الدولية من قروض هو طريق الخلاص وهو البديل عن ذلك النقص الاستثماري الحاد، وأن تلك القروض هي أحد مخارج نجاة الاقتصاد السوري مما هو فيه الآن.
وأمام ذلك النقص بالاستثمارات الخارجية والممزوج بالرغبة السياسية لنظام الحكم الجديد لإحداث تغيير اقتصادي شامل يؤسس فيه لمشروعية يبحث عنها يمكن أن تتوجه سوريا إلى المؤسستين الماليتين وتقترض منهما لإصلاح اقتصادها، وذلك بعد أن تقيم بعثات الصندوق والبنك حالة الاقتصاد السوري وتحدد ما هو المطلوب منه بدقة، وفي حال تحققت عملية الاقتراض سيكون الاقتصاد السوري أمام برنامجاً خارجياً للإصلاح تفقد فيه السلطات الاقتصادية الوطنية خياراتها الإصلاحية واستقلاليتها المالية والنقدية والتنموية وربما يكون مرهوناً بشروط سياسية مستترة داخلية وخارجية منه دون النظر إلى قدرة الاقتصاد السوري والأجيال القادمة على التعامل مع نتائج تلك البرامج المفروضة.
لذلك وبكل بساطة إياكم وطعم الصندوق والبنك وابحثوا عن بدائل وطنية أولاً وأخيراً.
ربما يكون الاقتراض مرهوناً بشروط سياسية مستترة داخلية وخارجية منه دون النظر إلى قدرة الاقتصاد السوري والأجيال القادمة على التعامل مع نتائج تلك البرامج المفروضة.


