المغرب نموذجا...أبطال العالم على موعد مع الأحلام الكبيرة

ما صنعه المغرب في كرة القدم، على الأقل خلال العقد الأخير، لم يكن محض صدفة أو طفرات، إنما هو محصلة جهد واستثمار وطني، بدءًا من إنجاز أكاديمية محمد السادس في مدينة سلا الساحلية عام 2010، لتكون مجمعًا للمواهب الشابة على امتداد المغرب.

سرعان ما توسعت الفكرة لتشمل أقاليم متعددة تحمل نفس الهدف: مفاضلة المواهب وإدراجها ضمن عملية تكوين راقية من حيث المنشآت، وفنية تقنية من حيث الأساليب والأدوات، في مجمع مجهز وفق معايير دولية كروية متقنة، نجحت في استقطاب واستهداف جيل شاب يملك الموهبة وينقصه الصقل وتكريس عقلية كرة القدم الحديثة.

الفكرة لاقت نجاحًا باهرًا من حيث تصدير المواهب، وصولًا إلى تحقيق قفزات كبرى، آخرها المركز الرابع في مونديال قطر.

حتى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أثنى على الأكاديمية، معتبرًا إياها "جوهرة كرة القدم المغربية" وأنجح مركز رياضي في العالم.

وفعلًا، ثمار هذا المجمع تمثلت في إنجازات متراكمة، فبعد كأس العالم حقق المغرب كأس أمم إفريقيا 2023 تحت 23 عامًا، وبرونزية أولمبياد باريس 2024، وأيضًا بطل أمم إفريقيا 2025 تحت 17 عامًا، ووصيف بطولة أمم إفريقيا للشباب 2025، وبطل أمم إفريقيا للمحليين في العام الجاري.

وليس أخيرًا بطلًا لكأس العالم للشباب مؤخرًا على حساب الأرجنتين.

نموذجية تجربة المغرب تتعدى كونها حالة وطنية خاصة، بل تطرح نفسها حقيقة بالإنجاز والتقدم، بعيدًا عن التجنيس والتجريب، والاعتماد على الأندية محدودة الاستثمار التي تبحث عن الإنجازات الآنية بعيدًا عن التكوين الصحيح والعلمي.

النماذج التي نشاهدها في منطقتنا هي البحث عن أي مغترب، وأخرى تعتمد التجنيس، ونموذج آخر يستثمر في الدوريات المحلية بجدوى أقل.

وتكمن نجاعة النموذج المغربي في قدرته الفعلية على إتمام أي منتخب مع أي مدرب، وبدون أي فوارق بين أي لاعب مغترب في أي دوري وأي بلد أوروبي، ومثيله من اللاعبين المحليين خريجي الأكاديمية أو الأندية، لأن التأسيس الاحترافي الصحيح ينهي الفوارق تمامًا فيما بينهم.

وبالعودة لمنتخب الشباب صاحب الإنجاز المونديالي، نلاحظ هذه النتيجة تمامًا؛ لاعبون خريجو الأكاديمية وزملاؤهم من أندية أوروبا شكلوا معًا منتخبًا تجاوز أهم منتخبات المواهب مثل البرازيل والأرجنتين.

الجيل الحالي بقيادة المهاجم ياسر الزابيري صاحب 5 أهداف في البطولة، وعثمان معما صاحب 4 مساهمات مباشرة، وجاسم ياسين مع ثلاث مساهمات في البطولة، وطاقم الحراس من ياسين بن شاويش صاحب الفضل في تجاوز دور المجموعات، وصولًا إلى إبراهيم غوميز المتألق في النهائي أمام الأرجنتين، وصولًا إلى حكيم مصباحي الذي تصدى لإحدى ركلات الترجيح في مباراة نصف النهائي أمام فرنسا وكان له الفضل في التأهل إلى النهائي.. 

كلها أسماء ستكون خير مستقبل وبديل لزياش، وحكيمي، بوفال، وأكرد، وبونو، وغيرهم من الجيل الحالي للواجهة المغربية.

الحلم بدأ باكرًا، والعمل لم ينتهِ، وكل الجهود الوطنية تستثمر في المناسبة الأكبر: مونديال المغرب 2030، والنسخة القادمة ستحمل إجابات أكثر وضوحًا مع مشاركة أسود الأطلس في مونديال أمريكا 2026.

هذا هو المغرب، صاحب النموذج الناجح، كتاب مفتوح أمام الاتحادات الوطنية في المنطقة، فـالطريق لا يكلّف إلا صبرًا واستثمارًا صحيحًا، فهل نتعلم؟