هاشتاغ
بحث

الموازنة العامة وضبط "المقايضات"

28/10/2025

رأي---أيهم-أسد

شارك المقال

A
A

رأي - أيهم أسد



تظهر الموازنة العامة لأي دولة في العالم السلوك المالي للحكومة بالدرجة الأولى، كما تظهر طريقة إعدادها وبنيتها درجة تطور الفكر المالي للدول في مرحلة زمنية معينة، لكن الأمر لا يتوقف في الموازنة العامة على الفكر المالي فقط، إنما يتعداها ليظهر الفكر السياسي والاجتماعي للدولة بتحديد مصادر التمويل وسياسات الإنفاق وعلاقتها بالنخب الاقتصادية وبعض القطاعات المسيطرة والممولة للأحزاب والسياسيين، وبعلاقتها بباقي فئات المواطنين أصحاب الدخل المحدود والفقراء والمهمشين والأسر الريفية وغيرها.


وبالتالي لا يمكن النظر إلى الموازنة العامة للدولة على أنها مجرد أداة لتحقيق توازن مالي حسابي فقط؛ بل يتعدى الأمر ذلك للنظر إليها على أنها توازن سياسي واجتماعي، وبالوقت نفسه يظهر تقاطع مصالح السلطة مع مصالح رأس المال ومصالح عموم المجتمع.


فمصادر الحصول على الإيرادات، وقيمتها، وتحديداً الضرائب منها، أو تلزيم الاستثمارات العامة للقطاع الخاص بطرائق مختلفة، أو التخلي عن القطاع لصالح القطاع الخاص، سوف يظهر مدى انحياز السلطة الحاكمة إلى قطاعات اقتصادية أو إلى فئات اجتماعية محددة بذاتها، تعدها السلطة الحوامل الاقتصادية الأساسية لها، وربما تكون تلك القطاعات الاقتصادية جزءاً من منظومة شبكات أوصلت السلطة إلى نظام الحكم في البلاد وسوف تثبت وجودها لاحقاً إن حققت لها مصالحها، أي أننا أمام حالة "الشرعية المخصصة"، بمعنى أن فئة معينة تدعم نظام الحكم فيكتسب شرعيته منها وفق مبدأ المقايضة السياسية (السلطة مقابل المال).


كما أن توزيع النفقات العامة بين القطاعات الاقتصادية أو الفئات الاجتماعية المختلفة يظهر في الوقت نفسه درجة انحياز السلطة أيضاً إلى قطاعات أو فئات محددة قد تحتاج إليها السلطة بصفة حامل لاستمرار شرعيتها بإرضائها بالنفقات، وهذا يظهر للعلن على أنه "الشرعية العامة"، بمعنى أن إنفاق السلطة على فئات اجتماعية واسعة عبر الخدمات العامة كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية بأنواعها المختلفة، سوف يكسبها نوعاً من الشرعية العامة أمام جمهورها وفق مبدأ المقايضة الانتخابية (الأصوات مقابل النفقات).


ونتيجة ذلك سوف تحاول أي سلطة إيجاد حالة من التوازن بين "الشرعية المخصصة" والضمنية وغير المعلنة والمتقاطعة مع مصالح رأس المال و"الشرعية العامة" العلنية والمتقاطعة مع مصالح الجمهور، وذلك بوساطة الموازنة العامة للدولة.


لكن ذلك التوازن لا بد من وأن يكون توازناً مضبوطاً من السلطات الرقابية الرسمية كالبرلمانات وأجهزة الرقابة العامة، ومن المجتمع بالمنظمات غير الحكومية والخبراء، كما يمكن ضبط ذلك التوازن بالضغط على الحكومات لاعتماد مبادئ شفافية إدارة المال العام ومبادئ الحوكمة الحكومية، فمن دون ذلك الضبط قد تختل إدارة المال العام ويختل التوازنين الاقتصادي والسياسي معاً.

التعليقات

الصنف

خطوط حمر

منشور حديثاً

الأكثر قراءة

تابعنا

مقالات ذات صلة

يستخدم موقع هاشتاغ والمنصات التابعة له ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على الموقع، وتقديم محتوى مخصص، وتحليل استخدام الموقع. هل توافق على استخدامنا للملفات لهذه الأغراض؟ يمكنك رفض ذلك، وسنستخدم فقط الملفات الضرورية لتشغيل الموقع.

هاشتاغ بيحكي عنك

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى في مناصرة المواطنين في المنطقة العربية وتمكينهم والدفاع عنهم ونقل أخبارهم وفق المواثيق الأممية والقواعد المهنية

أسّسها محمد محمود هرشو

محمد محمود هرشو

جميع الحقوق محفوظة - Hashtag هاشتاغ © 2015 - 2025